تأمّل وتقييم لنقاط قوّة المهرجان ومواطن ضعفه قصد الإصلاح والتقويم حفاظا على تاريخ وسمعة ومستقبل أيام قرطاج المسرحية.
ما بين سنة 1983، تاريخ انبعاث مهرجان أيام قرطاج المسرحية وسنة 2016 التي شهدت تنظيم الدورة 18 من هذا المهرجان سجل المخرج المسرحي حمادي المزّي حضوره على امتداد مواعيد الأيام كفنان وكمتابع وكعضو في لجان المهرجان ...وما بين الأمس البعيد والحاضر القريب، أي قراءة يقدّمها رجل المسرح حمادي المزّي لمهرجان أيام قرطاج المسرحية بعد 33 سنة من التأسيس؟
ارتجال... وأزمة القاعات تؤرق الجمهور
بعد أن واكب جلّ محطات أيام قرطاج المسرحية من عروض ولقاءات وندوات... كان تقييم المخرج المسرحي «حمادي المزّي» للدورة 18 من المهرجان كما يلي : «منهجيا، لابد أن ينطلق تقييمنا للدورة 18 من أيام قرطاج المسرحية من يوم افتتاح المهرجان بقاعة الكوليزي بالعاصمة، وللأسف لم يكن هذا الافتتاح في مستوى حجم الانتظارات والتطلعات... إذ جاء فاقدا لبريقه ووقعه الاحتفالي وخاليا من مظاهر التميّز بل بالعكس ساده الارتجال والتنظيم غير المحكم ...فكان محتوى حفل افتتاح الدورة 18 من أيام قرطاج المسرحية متواضعا جدا ! وعلى صعيد آخر، لم تكن القاعات مهيّأة فنيا وتقنيا لاحتضان العروض المسرحية فباستثناء قاعة «الفن الرابع» فإنّ بقية الفضاءات لم تكن ملائمة للعرض أو لمتابعة للأعمال المسرحية في أريحيّة ... وهو ما يحتاج الى مراجعة عاجلة على مستوى تهيئة القاعات وظروف مواكبة العروض حتى نحافظ على جمهور المهرجان ولا نفرّط في هذا المكسب الذي هو من المكاسب الثمينة لأيام قرطاج المسرحية.»
عروض متواضعة واستخفاف بالمهرجان
إن سبق لمدير الدورة 18 من الأيام الأسعد الجموسي أن أكد بأن معايير انتقاء العروض العربية والأجنبية هي «الجودة والطرافة والتجديد» وأنه سافر شخصيا إلى عدد من البلدان لمشاهدة جلّ العروض المبرمجة في الأيام، فقد كان للمخرج المسرحي «حمادي المزّي» رأي مخالف في خصوص جودة المسرحيات التونسية والعربية والإفريقية والأوروبية التي وقع عليها الاختيار لتأثيث أيام قرطاج المسرحية. وفي هذا السياق يصرّح «حمادي المزّي» قائلا: «في الحقيقة شهدت عروض الدورة 18 من أيام قرطاج المسرحية تراجعا كبيرا على مستوى الجودة حيث لا مقارنة ما بين المسرحيات المبرمجة في هذه الدورة وبين «أيقونات» مسرحية كان ركح مهرجان أيام قرطاج المسرحية شاهدا عليها في سنوات خلت! إن العديد من العروض من مختلف الجنسيات والتي جاءت في شكل متواضع وغير متكامل تعكس
عدم وجود مراقبة مسبقة واستخفافا بمهرجان مسرحي عريق ناضل على امتداد 33 من أجل تقديم مسرح جيّد وجادّ ... «
وردا على سؤال «المغرب» بخصوص مدى صحة الرأي القائل بتميز المسرحيات التونسية مقارنة بنظيرتها من العروض العربية والإفريقية والأجنبية في أيام قرطاج المسرحية، أفاد «حمادي المزّي» :»هذا الكلام صحيح نسبيا ...ففي خضّم الأعمال المسرحية المتفاوتة في أطروحاتها الركحية والجمالية يبقى الامتياز لبعض العروض التونسية التي تضمنت مستويات محترمة من الجودة والحرفية والاجتهاد ... فكانت علامات مضيئة لصالح المسرح التونسي.»
ندوة «شكسبير بلا حدود» : الميزات والنقائص
«شكسبير بلا حدود» كان عنوان الندوة الدولية التي نظمتها الدورة 18 من أيام قرطاج المسرحية بمناسبة مرور أربع مائة عام على وفاة الكاتب العالمي «وليام شكسبير».وعلى امتداد يومي 22 و23 نوفمبر الجاري سعت ندوة «شكسبير بلا حدود» إلى إبراز أن «مسرح هذا الشاعر الدرامي لا يموت لأنه من فصيلة «المسرح المفتوح» والمنفتح، أي من جنس اللغات الدرامية التي تقبل وتستقبل بلا حرج كل أصناف الشروح والقراءات وجميع أنواع التحاليل والتأويلات...» وذلك بمشاركة ثلّة من المختصين من تونس والعالم العربي وإفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة.
وقد واكب المسرحي حمادي المزي أشغال ندوة «شكسبير بلا حدود»، فكان تعليقه كالآتي:«من أهم ما لاحظته في هذه الندوة الدولية هو تقديم المتدخلين التونسيين لقراءات ممتازة ودراسات مميّزة وحداثية للمسرح الشكسبيري صنعت الفارق مقارنة بمداخلات الضيوف العرب والأجانب . ولكن من المؤسف تسجيل غياب كلّي للمهنيين ممن اشتغلوا على مسرح شكسبير على غرار نور الدين العاتي وتوفيق الجبالي وجعفر القاسمي وهشام رستم ...! وأيضا لم يكن من المقبول غياب طلبة المعهد العالي للفن المسرحي عن هذه الندوة المهمة بالنسبة لهم للتعرف عن المناهج المسرحية والاطلاع على القراءات المختلفة للمدرسة المسرح الشكسبيري، حيث كانت الحلقة مفقودة ما بين الطرف المنّظم والطرف المتقبّل!
الموعد السنوي أضرّ بالمهرجان
بعد أن كان ينتظم كل سنتين في تداول مع أيام قرطاج السينمائية، أصبح مهرجان أيام قرطاج المسرحية موعدا سنويا قارا... وهو ما اعتبره المخرج المسرحي حمادي المزّي « أمرا مرهقا جدّا سواء لهيئة إدارة المهرجان أو للمسرحيين المشاركين في المهرجان.»
ودعا الفنان المسرحي حمادي المزّي سلطة الإشراف إلى إعادة مهرجان أيام قرطاج المسرحية إلى صيغته القديمة وذلك باستعادة ميزتين اثنتين، أولا، الانتظام كل سنتين قصد التحضير الجيّد والتنظيم المحكم لهذا الموعد المسرحي المهمّ... وثانيا، إعادة المسابقات الرسمية وعودة الجوائز في اختتام المهرجان ممّا من شأنه دفع حركة الإبداع والحث على التميز وتقديم الأفضل...
وفي ختام حديثه لـ»المغرب» شدّد المخرج المسرحي حمادي المزّي على أن مهرجان أيام قرطاج المسرحية في حاجة إلى الترميم حتى يكون عنوانا للجودة والحرفية وركحا خصبا لتوليد المقترحات الجمالية والأطروحات الفكرية لكل الأجيال من مختلف العواصم ...»