أدباء في القلب والذاكرة: ناجية ثامر: أديبة المجتمع ورائدة الأدب النسائي في تونس (1924 /1988)

ناجية ثامر كاتبة نحتت مسيرتها بجرأة وثبات فقد جاءت من سوريا إلى تونس ولها من العمر22 عاما وذلك قبل عشر سنوات من استقلال البلاد وفي تلك الفترة لم تكن هناك أقلام نسائية بارزة رغم ما كتبته بشيرة بن مراد من مقالات وبعض النضال الذي خاضته عدة نساء

من أجل نشر الوعي والثقافة والنضال في سبيل الحرية والاستقلال. وقد خاضت ناجية ثامر مجالات متعددة حيث عملت في الإذاعة من خلال إنتاج برامج اجتماعية واقتحمت مجال الصحافة الورقية بالعمل في مجلة الإذاعة وفي جريدة البيان بالإضافة إلى أنها كتبت القصة والمسرحية والمقال الأدبي فكانت أديبة غزيرة الإنتاج.

ولدت ناجية بنت عبد الرحمان وائلي وثامر هو لقب زوجها في دمشق سنة 1924 حسب ما أكدته الأستاذة ريم عومار في أطروحتها الجامعية المرقونة بكلية الآداب بمنوبة والتي خولت لها الحصول على شهادة الكفاءة في البحث ذلك أن كثيرين اعتبروها من مواليد سنة 1926.

وناجية ثامر أمها تركية ووالدها سوري وزوجها جزائري تعرفت عليه في دمشق لما كان جنديا في الجيش الفرنسي هناك وقد اختارت أن تستقر مع زوجها في تونس التي عملت فيها وعاشت فيها 42 عاما وحملت جنسيتها وفي مقبرة الجلاز بتونس العاصمة كان مثواها الأخير بعد أن غيبها الموت يوم 25 أوت 1988 وهي التي خاضت مسيرة أدبية ثرية ومتنوعة.

تقول الأستاذة ريم عومار في رسالتها الجامعية وهي بعنوان «ناجية ثامر: حياتها وآثارها» أن ثقافة ناجية ثامر محدودة فهي «عصامية ولا اعتقد أنها تجاوزت السنوات الأولى من التعليم الثانوي» وقد تضمنت هذه الرسالة الجامعية صورة لقيد السجل المدني (مضمون ولادة) يثبت أن تاريخ الميلاد لهذه الأديبة كان يوم 5 مارس عام 1924 وصورة لشهادة التحصيل الابتدائي بتاريخ جوان 1938 بدمشق بملاحظة جيد بالإضافة إلى صور لبطاقات الأعداد لما كانت تدرس في الثانوي ويطلق عليها في سوريا اسم صحائف الأعمال والسلوك وصور أخرى لناجية ثامر مع بعض الأدباء المشارقة وخاصة مع ميخائيل نعيمة وصورة لها ضمن الجمعية الأدبية الإخاء القيرواني.

هذه الأطروحة أو الرسالة الجامعية مضى على إنجازها حوالي ثلاثة عقود ولم تجد للأسف طريقها إلى النشر في كتاب يكون في متناول الجميع خصوصا أن الباحثة وثّقت فيها كل إنتاج ناجية ثامر المبثوث في الجرائد والمجلات وقد توصلت بعد البحث والدراسة والاطلاع على ما نشرته ناجية ثامر من كتب ومن مسرحيات إلى أن هذه الأديبة غزيرة الإنتاج وقيمتها تكمن في الكم أكثر من الكيف لأن عملها الصحفي جعلها تبتعد عن الناحية الجمالية في الأدب ذلك أنها حاولت مواكبة عصرها من خلال معالجتها لقضايا اللغة والفكر وكتابة القصة والمسرحية كما كتبت عديد المقالات في التنظير إلى الواقعية وإلى المسرح وإلى المباحث الاجتماعية المختلفة. وقد نشرت لها ثلاث قصائد شعرية في معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين مع الاشارة إلى أن لها ديوان مخطوط.
وتعتبر ناجية ثامر أول امرأة في تونس تطرق باب النشر بإصدارها سنة 1956 ولها آنذاك من العمر 32 عاما كتابين هما: المرأة والحياة – عدالة السماء.

منذ مجيئها إلى تونس انضمت ناجية ثامر إلى الإذاعة التونسية حيث أنتجت عديد البرامج الاجتماعية التي كانت تهتم من خلالها بشؤون المرأة ومشاغلها. يقول الأستاذ عمار العوني في مقال له بعنوان ناجية ثامر بين الأحياء والأموات تم نشره في جريدة البيان بتاريخ 24 سبتمبر 1990 أن ناجية ثامر أديبة واعية ترزح تحت وطأة المشاغل الاجتماعية المتنوعة لذلك حُقّ لها أن تسمى أديبة المجتمع ذلك أن لها رؤية جديدة في الإصلاح والتجديد والنهوض بالمرأة وبالمجتمع فهي من دعاة تحرير المرأة وخروجها إلى الحياة بعيدا عن قفص البيت وهي من دعاة الاختلاط بالرجل ومزاحمته في مختلف المجالات المهنية والتربوية والوظيفية والتعليمية وحتى الإبداعية والفكرية.

وبالإضافة إلى عملها في الإذاعة التونسية منذ عهد الاستعمار إلى حد قبيل وفاتها فقد انضمت إلى أسرة تحرير مجلة الإذاعة من خلال إشرافها على صفحة تحمل عنوان «يا ناس دلوني» وفيها كانت تعرض بعض المشاكل الاجتماعية التي يعرضها عليها أصحابها بالمراسلة فتعمد إلى نشرها ومعالجتها من خلال النصائح التي تقدمها لهم وسعيها لإيجاد الحلول. كما انضمت بعد ذلك إلى أسرة تحرير جريدة البيان من خلال إشرافها على صفحة بعنوان «قلوب حائرة» وقد التقيتها شخصيا مرات عدة في مقر هذه الجريدة التي انتسبت بدوري إلى أسرة تحريرها في الثمانينات بعد تخرجي من الجامعة للإشراف على صفحة البيان الثقافي حيث كانت في أغلب الأحيان مصحوبة بصديقتها الإذاعية هي الأخرى الأديبة هند عزوز. وفي صفحة «قلوب حائرة» كانت ناجية ثامر تعالج مشاكل مراسليها العاطفية والاجتماعية فتوجد الحلول وتقدم النصائح.

هذا الاهتمام بشؤون المرأة ومشاغلها لم يقتصر فقط على هذه الصفحات الورقية في الدوريات بل كان أيضا في برامجها الإذاعية وفي الأدب الذي اقتحمت مجاله من خلال كتابة القصة والمسرحية فقد ذكرت هند عزوز في أربعينية ناجية ثامر أن هذه الأخيرة هي أول من أنتج برنامجا إذاعيا نسائيا وكان يحمل عنوان (من وراء الحجاب) كانت تنتجه بقلمها وتقدمه بصوتها في أواخر عام 1946 وهو برنامج ثقافي اجتماعي تتوجه به إلى النساء التونسيات القابعات في عقر ديارهن في فترة كانت البلاد تخضع إلى سيطرة المستعمر الفرنسي وقد تواصل هذا البرنامج عشر سنوات لتنتج بعد ذلك برامج أخرى كانت أيضا محل حفاوة واستحسان من طرف المرأة التونسية آنذاك وقد دأبت ناجية ثامر على إسماع صوتها في الإذاعة من خلال هذه البرامج أو من خلال مسرحياتها التي يزيد عددها عن المائة تأليفا واقتباسا.

أما المنصف شرف الدين فقد ذكر في أربعينية الفقيدة ما يلي «لقد اُذيع لناجية ثامر 136 مسرحية أكثرها باللغة العربية الفصحى من ذلك المسرحيات التالية: الخنساء، عدالة السماء، الأمير الفنان، نهاية ظالم، المجد للأم، الفارس الملثم، الواجب قبل الحب، ابن الأخرى، سقراط الحكيم. ولها أيضا مسرحيات باللهجة الدارجة من ذلك (توبة وشعفة، الحق في اشكون...) وقد أخرج هذه المسرحيات إذاعيا حمودة معالي، حمادي الجزيري، محمد الهادي وعبد الحميد بن هدوقة..
وأضاف الأستاذ المنصف شرف الدين «كما إني قرأت لناجية ثامر بعض المسرحيات الأخرى لما كنت عضوا في لجنة قراءة المسرحيات ومن المؤكد أن لها بعض المسرحيات المخطوطة لأنها ذكرت في لقاء أجري معها على أعمدة جريدة «لاكسيون» سنة 1983 أن لها عدة مسرحيات مازالت مخطوطة».
هذه المرأة التي حملت لواء التحرر الاجتماعي والفكري كانت ثقافتها فسيفسائية متنوعة أساسها الأخذ من كل شيء بطرف في مجتمع تسوده الأمية والجهل زمن الاحتلال الفرنسي وهو زمن لم تكن فيه أقلام نسائية معروفة حيث كان الأدب والثقافة حكرا على الرجال وقد

أشارت الأستاذة ريم عومار إلى أن لناجية ثامر ميزة أساسية أخرى. إضافة إلى ميزاتها السابقة، وهي أنها كانت تواكب فعاليات الساحة الثقافية في العاصمة تونس مواكبة أدت إلى قيام جدل فكري بينها وبين الأديب محمد فريد غازي صاحب النزعة الاشتراكية.
وناجية ثامر متأثرة بما كتبه جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة الذي كانت لها معه مراسلات وقد كتبت نصا تحدثت فيه عن هذه المسألة نشرته جريدة البيان يوم 7 مارس 1988 وهو بعنوان «ميخائيل نعيمة: ذكريات .. ووفاء» بالإضافة إلى رسالة كان قد بعث بها إليها نعيمة.

ومما جاء في هذا المقال «كنت وأنا تلميذة أقرأ كثيرا لجبران خليل جبران وكان أدبه يستهويني ويمتعني ثم بدأت أطالع كتب ميخائيل نعيمة ورأيت نفسي أتعلق بمقالاته وأشعر بالفارق بين الأديبين الكبيرين فالأول كان رومنطقيا إلى أقصى درجة بينما كان الثاني أكثر جدية وواقعية... ثم فكرت وأنا في ربيع العمر في مراسلة هذا الكاتب المبدع من تونس لأطرح عليه أسئلة حيرتني ولم أجد لها جوابا...»
لقد صدرت لناجية ثامر ستة كتب وهي عدالة السماء، أردنا الحياة، سمر وعبر، التجاعيد، المرأة والحياة، حورية.

والمتأمل في قصص ناجية ومقالاتها يلاحظ نزعتها الاجتماعية الواضحة فهي أديبة اجتماعية عاشت بين الناس وكتبت عن حياتهم ومشاغلهم: أفراحهم وهمومهم حيث كان اهتمامها بالأدب الاجتماعي اهتماما واضحا موجها إلى دراسة شؤون الأسرة وعلاقة المرأة بالرجل وطريقة تربية الأبناء وتكوين زادهم العلمي والمعرفي كما كانت منشغلة أيضا بالأدب التأملي الذي شغل الفكر ويطرح مسائل فلسفية كمعنى الحياة وحقيقة الموت والوجود. وهي عموما وكما ذكر ذلك الأستاذ الهادي البالغ في أربعينيتها، الشرارة الأولى التي منها انطلق الأدب النسائي في تونس.

عندما توفيت ناجية ثامر كان زوجها وابنتها على قيد الحياة إلا أنهما لم يعمدا إلى إعادة نشر كتبها أو نشر مسرحياتها وهو أمل يظل قائما نأمل أن يبادرا به أو تبادر به الجهات الرسمية الساهرة على الشأن الثقافي في بلادنا.

من إصداراتها:
• عدالة السماء: نشر على حساب المؤلفة/ تونس 1956.
• أردنا الحياة: دار الكتب الشرقية/ تونس 1956.
• سمر وعبر: دار الكتب الشرقية/ تونس 1972.
• التجاعيد: الدار العربية للكتاب/ تونس 1978.
• المرأة والحياة: ط 1 ضمن سلسلة كتاب البعث التي كان يشرف عليها أكرو - ط 2: دار بوسلامة/ تونس 1981.
• حورية: منشورات قرطاج الجديدة/ تونس 1993.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115