(1)
«إن الشيخ طلع ذات يوم وقد اشتدّ الحرّ وقت القائلة منفردًا بنفسه إلى الصّحراء ثم عاد وقد علا وجهه نشاطٌ وسرورٌ بخلاف ما كنا نعْهده من حاله قبل وأذن لأصحابه في الدّخول عليه وأخذ يحادثهم فلما رأينا الشيخ على هذه الحالة من المؤانسة بعد إقامته تلك المدّة الطويلة في الخلوة والعزلة سألناه عن ذلك فقال: بينما أنا في خلوتي إذ خطر ببالي الخروج إلى الصحراء منفردًا فخرجت فوجدت كل شيء من النبات ساكنًا لا يتحرك لعدم الريح وشدّة القيظ ومررت بنبات له ورق فرأيته في تلك الحال يميس بلطف ويتحرّك من غير عنف كالثمل النشوان فجعلت أقطف منه أوراقًا وآكلها فحدث عندي الارتياح كما شاهدتموه وقوموا بنا حتى أوقفكم عليه لتعرفوا شكله».
(2)
هي العُشيْبة صارَت الآن عُشْبة...
وأنا في طريق ساحليّةٍ الي بيتي ذاتَ يوم خَريفي
صَادَفَتْنيَ عُشيْبة بريّة
تُطل برأسها من تَحْت صَخْرة
أوراقها مُنْهكة هي العُشيْبة
بوردة صفْراء وحيدة وذابلة كما هو قلبي وإن أنا لسْتُ بالحزين ..
جعلتُ من أناملي رَفْــشا كما الذي من لُعَبِ الأطفال..
خَرْبشْتُ بلينٍ لأدْرِك جُذورها ولا أجْرحها
حمَلت الغَربيةَ طيّ أوْراق «جَريدة « الي حديقة بيتي
أدْركتْ العُشيبة أرْضا خِصيبة
(...)
هي العُشيْبة صَارَت الآن عُشْبة
بقيتُ أتأملها هذا الصبّاح ما يزيد عن السّاعة ونصف السّاعة
نسيتُ ديوني وشُكُوكيَ و أوْجاع البِلاد و قلبي
مَسّتني أشواق غريبة إلى أرض الجَنوب
فتذّكّرتُ « كتاب البِئر» وطارَتْ بي أطْيار خَيالى صوبَ مِصْرَ
وحَطّتْ بي عنْد كتاب « الخِطَطِ» للتقّي المقريزي
أرَدْت أن آكل من « حشيشة الفُقراء » علّني أطْرب هذا المسَاء ...