الدورة 27 من أيام قرطاج السينمائية وخمسينية المهرجان: ما الذي تبّقي من بصمة الأب المؤسس الطاهر شريعة؟

حين سئل الراحل الطاهر شريعة، الأب المؤسس لأيام قرطاج السينمائية عن دوافع بعث هذا المهرجان من العدم أجاب: «فكرة تكوين أيام قرطاج السينمائية خرجت عن انفعال وغضب وكانت ردّة فعل عنيفة جدّا مني»... ولما سئل في أحد الحوارات الصحفية عن أهداف هذه الأيام قال

: «قررت أن أبعث مهرجانا سينمائيا تونسيا لا يشبه أي مهرجان آخر بعيدا عن كل الشوائب غير شبيه بالمهرجانات التي تروج لأفلام رديئة فتنمّقها وتسوّقها والغريب أنك تجد الآخرين يتنافسون على شرائها فأردته مهرجانا غير تجاري ينطلق في إطار تونسي ثم عربي وعندما نتجاوز مسألة اللغة يكون إفريقيا ثم عالميا ولا يكون كذلك إلاّ بالتركيز على الخصوصية التي من أجلها يأتي الناس من مختلف بلدان العالم لمتابعة هذا المهرجان. « واليوم وأيام قرطاج السينمائية تطفئ شمعتها الخمسين، هل حافظ هذا المهرجان على خصوصيته وبقي وفيّا لروح مؤسسه ...؟

مابين 1966 و2016 ... سنوات من السينما ومن الكاميرا صنعت سمعة مهرجان أيام قرن السينمائية على امتداد نصف قرطاج من الزمن. ولم يكن لهذا المهرجان الذي تأسس في بلد صغير أن يستمر ويثبّت أقدامه على الأرض ويصل إلى ما وصل إليه من صيت ذائع لولا خصوصيته واختلافه عن بقية المهرجانات.

من سينما «المقاومة» إلى ...أين؟
بعد هذا العمر الطويل من العطاء السينمائي هل لا يزال مهرجان أيام قرطاج السينمائية ثابتا على مواقفه ووفيّا لمبادئه الأولى بعد مرور 50 سنة على تأسيسه سنة 1966؟
قد يصح وصف مهرجان أيام قرطاج السينمائية بمهرجان «المقاومة» باعتبار أن مؤسسه الأول الطاهر شريعة قد أراده منصة للسينما العربية والإفريقية وسينما الجنوب عموما التي تقدم مضامين هادفة وعميقة وتنتصر للقضايا العادلة وتدافع عن الإنسانية وحقوق الإنسان في أي مكان من هذا العالم الكبير مهما كان جنسه أو لونه أو دينه ... المهم أن يكون على حق وصاحب قضيّة مشروعة وشرعية ... إلا أن بعض ملاحظات الوسط السينمائي والمشهد الفني عموما تتهم مدير الدورة الحالية والفارطة لأيام قرطاج السينمائية بالحدّ من حظوظ السينما الإفريقية في المهرجان والانحياز إلى السينما الأوروبية وخصوصا الفرنكوفونية مما أفقد الأيام صبغتها العربية - الإفريقية مقابل تحويل وجهتها إلى الغرب في رغبة دفينة أحيانا وصريحة في أحيان أخرى لتقليد مهرجان «كان» الفرنسي ...

من جهته، لا يخفي مدير الدورة 27 من أيام قرطاج السينمائية أن فلسفته الخاصة في تسيير هذا المهرجان تتمثل في المسك بطرفي المعادلة التي تحافظ من جهة على خصوصية بدايات التأسيس، ومن جهة أخرى تبحث عن التجديد والتطوير ... وفي هذا السياق يقول مدير المهرجان إبراهيم اللطيف:» في الأوقات الصعبة التي مرّت بها بعض المناطق العربية والإفريقية كانت أيام قرطاج السينمائية صوتا للحق في الدفاع عن هذه الدول ضد القوى الاستعمارية في التزام بحرية التعبير.وهو أيضا المهرجان الذي التزم دائما بدفع صناع السينما للمقاومة ضد كل محاولات التفسخ ولعب دور كبير في المحافظة على الهوية... نظرة عابرة للخمسة عقود من عمر أيام قرطاج السينمائية تجعلنا نعترف بوجود الكثير من صناع السينما في تونس والوطن العربي وإفريقيا هم اليوم من بين كبار السينمائيين في العالم يعترفون بفضل هذا المهرجان الذي اكتشفهم ودعمهم... بعد كل هذه الإنجازات، يتواصل الحلم في أيام قرطاج السينمائية ما في ذلك شك، ولكن من أجل ذلك، هي في حاجة اليوم إلى شكل جديد، وإلى هيكل جديد ونظرة مختلفة تسمح لها بالكشف عن طموحاتها الجديدة وهي كثيرة جدا، ومواجهة التحديات الجديدة وهي أيضا متعددة لا شك في أن إشراف الدولة على أيام قرطاج السينمائية على مدى خمسة عقود من الزمن خلف بصمته الجيدة، ولكن هذا لا يمنع الجامعيين والفنانين من المجتمع المدني ممن يعون مشاكل المهرجان وحاجياته، ويرغبون في العمل على تأسيس شكل جديد للمهرجان يسمح له بكسب الرهانات الكثيرة ليحافظ على مكانته في الوطن العربي وإفريقيا والذهاب أبعد من ذلك.»

وما بين مدير ينادي باستقلالية المهرجان وبشكل جديد للأيام وانتقادات بالتفصيل والجملة لمضمون وتنظيم المهرجان، لاشك أن أيام قرطاج السينمائية في حاجة إلى مراجعة وإلى وقفة تأمل أمام مرآة النقد والتقييم حتى يبقى هذا المهرجان كبيرا بتاريخه وإنجازاته ومميّزا بهويته ونكهته الخاصة به وحده...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115