في تونس العاصمة، في المنستير، في القيروان، في طبرقة ... فكيف كانت بدايات الحكاية؟ وما هي أسرار إبداع هذا النحات في رسم تمثال لرئيس دولة لا يزال وقتها على قيد الحياة؟
كما اقترن اسم النحات الهاشمي مرزوق بتماثيل بورقيبة، فقد ارتبط ذكر هذا الفنان أيضا بتصميم جوائز أهم التظاهرات الثقافية التونسية على غرار أيام قرطاج السينمائية وأيام قرطاج المسرحية وأيام قرطاج الموسيقية ...
قضيّة بسبب «تانيت» مهرجان قرطاج أيام السينمائية
بعد أن قضى أكثر من 20 سنة في إعداد تصاميم مختلف جوائز أيام قرطاج السينمائية ، تم في السنتين الأخيرتين الاستغناء عن خدمات الفنان الهاشمي مرزوق في هذا المجال بالرغم من أنه المخترع الأصلي لمنحوتة تانيت المهرجان وهو ما دفعه إلى الاحتجاج والتهديد برفع الأمر إلى القضاء... وفي تصريح لـ»المغرب» أفاد النحات الهاشمي مرزوق بما يلي :» لقد وقع تجاهلي والاعتداء على ملكيتي الأدبية وحقوقي الفنية مدة سنتين على التوالي من خلال الاكتفاء بنسخ مقلدة عن تانيت أيام قرطاج السينمائية والحال أني صاحب التصميم الأصلي وهو ما دفعني إلى طرق باب القانون خصوصا أني لم أجد سوى اعتذار شفوي من مدير المهرجان دون المرور الفعلي إلى تلافي هذا الخطأ ... !»
وأشار الفنان الهاشمي مرزوق بأن الأمر ذاته تكرّر معه في السنوات الأخيرة مع مهرجان أيام قرطاج الموسيقية وأيام قرطاج المسرحية قبل أن تمر إلى خيار إلغاء الجوائز مضيفا بالقول :» لقد حزّ في نفسي كثيرا هذا التجاهل والإقصاء دون أدنى اعتذار وهو ما حزّ في نفسي كثيرا. ففي فرنسا مثلا أتى اسم مهرجان «سيزار» من اسم النحات الفرنسي» سيزار بالداكيني» الذي قام بنحت جائزة المهرجان، أما في تونس فإن جزاء المبدعين يكون بالتجاهل ونكران الجميل...»
الهاشمي مرزوق وقصة الاستماتة من أجل نحت تمثال الزعيم
في عودة إلى التاريخ، وفي رجوع بعقارب الساعة إلى الوراء تحدث النحات الهاشمي مرزوق في حنين إلى بداية حكايته مع تماثيل الحبيب بورقيبة، قائلا: لما طلب الرئيس الحبيب بورقيبة في أوائل السبعينات على ما أذكر أن يكون له تمثالا في حياته، تم فتح مناظرة وطنية أمام الفنانين التونسيين ونلت بعد اجتياز هذه المناظرة المرتبة الأولى ...إلا أنّ أحد رجالات القصر وقتها أوعز للرئيس بورقيبة بضرورة أن يكون نحت تمثاله من قبل فنان عالمي...وفعلا وقع الاختيار على 4 نحاتين من فرنسا وأسبانيا ويوغسلافيا وإنقلترا للتنافس على إنجاز مجسم مصغر كعينة أولى لاختيار أفضل هذه الأعمال إلا أني لم أفقد الأمل وبذلت قصارى جهدي للمشاركة في هذه المسابقة وقد تدخل لفائدتي وزير الثقافة آنذاك الشاذلي القليبي فقبلوا بمشاركتي مع النحاتين الأجانب. وقمنا بإعداد نماذج مصغرة لا يتجاوز
طولها المتر... وتم استدعاء لجنة تحكيم من الخارج لتقييم الأعمال ففزت بإعجاب اللجنة وبدوره أعجب الرئيس بالمجسم الذي قدمته ولما عرف أني صاحبه علّق قائلا:» لقد أخبرني إحساسي بأن هذا العمل لن يكون إلا لتونسي لأنه جاء يشبهني إلى حدّ كبير ...»
لدى سؤال الهاشمي مرزوق عن الدوافع التي جعلته يبذل قصارى جهده من أجل افتكاك فرصة نحت تماثيل الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وهل تتعلق هذه الأسباب بحب واحترام لشخص الزعيم أم الخشية من السلطة أم الرغبة في الشهرة...؟ أجاب النحات الهاشمي مرزوق في حماس :» كلا إنه الحب ولا شيء غير الحب هو الذي دفعني لنحت تماثيل المجاهد الأكبر... وبالفنّ أردت أن أترك للتاريخ والأجيال القادمة صورة رجل عظيم لم يكن مروره مرور الكرام في تاريخ تونس الحديثة. وقد كان تصميم تماثيل الزعيم بالنسبة لي ثمرة لتقاطع مشاعر كثيرة ألا وهي تقدير شخص الزعيم و حب الفن واحترام التاريخ.
وعن طبيعة العلاقة التي جمعت رجل الفن برجل السياسة أثناء اشتغال النحات الهاشمي مرزوق على رسم ملامح تماثيل الرئيس الحبيب بورقيبة ،علّق هذا الفنان بالقول:» قد لا أبالغ في القول بأن شخصية بورقيبة من سمات وكلمات وحركات ..كانت تملك كل المقومات لتكون موضوع عمل فني لهذا تعاملت مع تماثيله من جهتي بكل شغف ومن جهتي كان يزورني في ورشتي بمنطقة «العوينة» ويجالسني لساعات طويلة في مناقشة فنية رائقة وراقية وكان يوّجه لي ملاحظات دقيقة وذات جمالية للمنحوتات أمامه تنّم عن خلفية ثقافية عالية. وإلى اليوم أنا كلي فخر واعتزاز بانجاز تماثيل بورقيبة».
مجسم لبورقيبة طوله 6 أمتار مهمل في مستودع بلدي بقابس !
لاشك أن النّحات الهاشمي مرزوق في علاقته بتمثال الزعيم الحبيب بورقيبة قد عايش لحظتين فارقتين في تاريخ تونس، الأولى تتمثل في إزالة تماثيل الزعيم بعد 7 نوفمبر 1987 والثانية إعادتها إلى مكانها في الأشهر الأخيرة ... وما بين الزمنين والواقعتين تحدث الفنان الهاشمي مرزوق كالآتي :»كانت صدمة بحجم الكارثة بالنسبة لي عندما اتصل بي صديق منذ سنوات خلت على الساعة العاشرة ليلا قائلا بالحرف الواحد:» إنهم يحرقون ابنك بشارع الحبيب بورقيبة ...إن الجيش يزيل تمثال بورقيبة ..» فهرعت إلى سيارتي مسابقا الزمن للوصول إلى شارع الحبيب بورقيبة حيث وقعت عيناي على مشهد فظيع أدخلني في هيستيريا كبيرة محاولا الدفاع عن تمثال الزعيم، عن ثمرة إبداعي ... وكادت الأمور أن تأخذ منحى سلبيا وقتها لولا تدخل أحد الحاضرين ليعلم عن هويتي وبأني أنا صانع ذلك التمثال، وهو ما مكننّي من إرشاد الجيش إلى الطريقة الصحيحة لاقتلاع التمثال بأقل ضرر ممكن ... واليوم وبعد انقضاء سنوات عديدة كانت فرجتي لا توصف عندما علمت بخبر إعادة تنصيب تمثال الحبيب بورقيبة في المنستير إلا أنه خاب ظني عندما تم تجاهلي والاستنجاد بشخص آخر أعتبره شخصيا فنانا هاويا لترميم تمثال الزعيم وهو من صنعي وأنا لازلت على قيد الحياة! وكانت النتيجة كارثية حيث تم تعويض ساق الحصان المفقودة بالاسمنت الأسود وهي في الأصل من مادة النحاس وغيرها من الأخطاء الفنية التي شوّهت التمثال وعبثت بتاريخه ...ومن حسن الحظ أنه تمت دعوتي لمعاينة أشغال تركيز تمثال الزعيم بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة حتى لا يشوّه التمثال الأصلي مرة أخرى.»
وفي معرض حديثه لـ»المغرب» كشف الهاشمي مرزوق أن مجسما طوله 6 أمتار للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة مهمل في مستودع بلدي بقابس في وضع لا يليق بصورة الراحل بورقيبة وتاريخ تونس الحديثة...
وفي ختام اللقاء، وصف نحات تماثيل الزعيم الحبيب بورقيبة الهاشمي مرزوق مجسم الصغير أولاد أحمد بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات بـ»المصيبة الكبرى» و»العبث المجاني» بسيرة شاعر أحب البلاد كما لم يحب البلاد أحد...