هجوم خلّف العديد من الإستفهامات والتساؤلات حول مدى نجاعة منظومة التأمين الذاتي للمواقع الأثرية وحمايتها من الهجمات الإرهابية خاصة وأنّ مقامات الأولياء الصالحين شهدت طوال حكم الترويكا عدّة اعتداءات وانتهاكات.. وزارة الثقافة شخّصت مواطن ضعف إداراتها وقوانينها، خاصة في ما يتعلق بالتراث، وقامت بالعديد من الإجراءات لتأمينها.. فهل يمكن أن تمنع هذه الإجراءات أي اعتداءات جديدة؟
بينت وزارة الثقافة والمحافظة على التراث من خلال طريقة عمل مؤسساتها، ومن خلال قوانينها وبيروقراطية إداراتها عدّة نقائص رأت أن لا مناص من تجاوزها..
كيف شخّصت وزارة الثقافة هنّاتها ونقائصها؟
هذه النقائص تتمثل في: «افتقار عدد مهم من المؤسسات والهياكل الثقافية إلى إطار ترتيبي ملائم ينظمها ويستجيب إلى خصوصيات الميدان الثقافي وما تقتضيه من مرونة في التصرف وهامش للمبادرة وعدم مواكبة النصوص المنظمة للمهن الثقافية والإحاطة الاجتماعية بالمبدعين للتطورات التي شهدتها هذه الاختصاصات. وغياب إطار مؤسساتي وقانوني يتماشى مع طبيعة الأنشطة الفنية الموكولة إلى المهرجانات والتظاهرات المذكورة ونقص الدراسات الإحصائية الكمية والنوعية القائمة على مناهج علمية مدققة. ومحدودية ميزانية وزارة الثقافة والمحافظة على التراث التي لم تتجاوز نسبة ميزانيتها 0.78 بالمئة من الميزانية العامة للدولة سنة 2015.
إضافة إلى عدم تجذر التقاليد والممارسات المتعلقة بالمقاربة التشاركية والتعاون مع هياكل المجتمع المدني. والبطء الملحوظ في تكريس اللامركزية الثقافية وخاصة فيما يتعلق بالتصرف الإداري والمالي وإدارة المشاريع ومتابعتها. وضعف الاستثمار الخاص الوطني والخارجي في الميدان الثقافي ومحدودية مساهمته في الناتج المحلي الخام وفي التصدير» حسب ما أعلنت عنه وزيرة الثقافة سنية مبارك في ندوتها الصحفية الأخيرة من خلال التوجهات وبرامج العمل ..
نقائص مسجلة في خصوص منظومة تأمين المواقع الثقافية والأثرية
أما عن النقائص التنظيمية والمؤسساتية للهياكل المكلفة بالتراث فبيّنت وزارة الثقافة أنّ هنالك نقائص مسجلة في خصوص منظومة تأمين المواقع الثقافية والأثرية والمعالم التاريخية والمتاحف والمتصلة خاصة بنقص الموارد البشرية واللوجستية والتقنية. إضافة إلى عدم التوصل بالقدر الكافي من النجاعة والمردودية إلى وضع برامج ملائمة لتثمين التراث المادي وغير المادي وحسن إدماجه في المشاريع والخطط التنموية. وافتقار البرامج المتصلة بالسياحة الثقافية إلى الدفع المطلوب من الفاعلية والنجاعة.
متحف باردو وتطوير منظومة التأمين الذاتي
وفي برنامج دفع حماية التراث وتثمينه تم رصد اعتماد إضافي بقيمة 1 مليون دينار لتطوير منظومة التأمين الذاتي للمواقع الأثرية والمعالم التاريخية والمتاحف والشروع في إتمام إجراءات اقتناء التجهيزات ومعدات المراقبة والسلامة، كما تم استكمال إجراءات إبرام عدد من عقود الصيانة الخاصة بكاميرات المراقبة وشبكة الكهرباء بمتحف باردو، دون أن ننسى إبرام اتفاقية مع مؤسسةgoogle cultural institute لإدماج المواقع الثقافية التونسية ضمن خارطة غوغل الرقمية بالتنسيق مع وزارة تكنولوجيا الإتصال والإقتصاد الرقمي، وابرام اتفاقيات شراكة وتوأمة بين المتاحف والمواقع الاثرية والمعالم التاريخية بتونس ونظيراتها بالخارج بين متحف باردو ومتحف ليدن بهولندا..
ومن جهة أخرى أكدت سنية مبارك مؤخرا بمناسبة زيارتها إلى معلم قصر المرمر بسقانص بالمنستير، أنه سيتم إحداث مسلك للمتاحف التونسية وتشبيكه ضمن مسلك المتاحف المتوسطية، حيث انطلقت الوزارة في تنفيذ خطة لتركيز منظومات ذاتية لسلامة المتاحف في متحفي باردو وقرطاج ومتحف الموسيقى العربية ومتحف الحبيب بورقيبة لتعمم لاحقا على كل المتاحف في تونس.
فلاش باك : لطيفة لخضر ومتحف باردو
وكانت الوزيرة السابقة للثقافة لطيفة الأخضر عقدت اجتماعا في الأشهر الأخيرة ضم رئيس الديوان ومدير عام وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية ومحافظ متحف باردو وممثل عن المعهد الوطني للتراث. حيث بيّن وقتها مدير عام وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية أن لجنة فنية تضم خبراء من وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية والمعهد الوطني للتراث ووزارة الداخلية قامت في الفترة المنقضية بتشخيص الوضع الحالي واستعراض النقائص التي تم تسجيلها وأنه بدأ العمل على تنفيذ توصيات هذه اللجنة من خلال إصدار كراسات شروط تتعلق بالإصلاح والصيانة والمراقبة الآلية والإضاءة وآلات السكانار والأبواب الآلية.
كما تمّ تخصيص فريق قار ومتكامل من الوكالة على ذمة متحف باردو لتذليل الصعوبات الإدارية والإسراع في إنجاز طلبات العروض وإنجازها، ونوقشت مسألة تمكين العاملين في المتحف من أزياء موحدة وشارات عمل مصنفة بين الموظفين والقيمين وأعوان الحراسة .كما أكد في ذلك اللقاء ممثل المعهد الوطني للتراث المكلف بملف تأمين المتاحف أنه على إثر دراسات أمنية في الغرض شملت متحف باردو وعدة منشآت أخرى سيقع تكوين أعوان الحراسة وتدريبهم مع تعزيز حضورهم خارج المتحف وداخله، وسيتم تكوينهم في مجال الإسعافات الأولوية وإلحاق بعضهم بعيادة التمريض التابعة للمتحف.
وكانت لطيفة لخضر قد أعلنت أنّ مصالح الوزارة المختصّة أعدّت أمرا ترتيبيّا يتعلّق بإقرار الاستقلاليّة الماليّة والإداريّة لمتحف باردو بما يتيح له، اثر الحملة التّضامنيّة العالميّة التّي حظي بها بعد الحادثة الإرهابيّة التّي طالته، مضاهاة أكبر متاحف العالم»، ما يجعل متحف باردو مؤسّسة ذات استقلاليّة ماليّة وإداريّة، وهو أمر كان قد أعلن عنه أيضا وزير الثقافة الأسبق مراد الصقلي في مارس 2014، حيث أكّد ان المتحف الوطني بباردو سيمنح استقلالية مالية وإدارية، متحدّثا في نفس السياق عن ضرورة وضع سياسة تسويقية لسياحة المعالم الأثرية.. وذلك بتثمين التراث الأثري والتاريخي، والتعويل على المخزون الحضاري التونسي خاصة أنّ تراثنا يزخر بعدّة مواقع أثرية لا بدّ من تثمينها وتيسير المسالك المؤدية إليها بخلق خدمات الاستقبال المرتبطة بالمواقع الثقافية وخلق خدمات الاستقبال في مختلف المواقع الأثرية..
وذكّر.. متحف باردو والعلمية الإرهابية الجبانة
للتذكير وعلى إثر عملية باردو الإرهابية في 18 مارس 2015 قامت وزارة الثقافة وقتها بمراجعة آليات المحافظة على التراث وحمايته وذلك بتكثيف الحراسة وعمليات التفقد بالمواقع تحسبا للاعتداءات الممكنة، بالإضافة إلى زيادة 400 حارس إضافي زيادة على 600 حارس موجودين يشرف عليهم إطار أمني سامي مختص في التراث بعد إحداث خطة السلامة والمراقبة بالمعهد الوطني للتراث. وتم تركيز 102 مزهريات كبيرة الحجم مانعة للاقتحام وتركيز 50 كاشف معادن للمتاحف الأكثر زيارة ، كما وقع تركيز كاميرا مراقبة في نقاط الاستقبال في المواقع الكبرى تحديدا الجم وسوسة وقرطاج، وبالنسبة لمتحف باردو هناك إعداد لإخراج شباك التذاكر خارج المتحف لمزيد من الضمان.
لا بدّ أن نذكّر أنّ الضربة الإرهابية الجبانة على متحف باردو خلّفت تعاطفا عربيا ودوليا مع تونس، غير أنّ هذا التعاطف لم يمنع تضاءل زوار متحف باردو بعد الضربة الإرهابية، ولم تُستغل أحسن استغلال، تعاطف بقي مجرد بيانات وشعارات.. اللهم إبرام اتفاقيات شراكة وتوأمة بين متحف باردو ومتحف ليدن بهولندا.
تظاهرة ثقافية
إحياء لذكرى الحادثة الإرهابية التي استهدفت المتحف الوطني بباردو العام المنقضي وتخليدا لأرواح الضحايا، تنظم وزارة الثقافة والمحافظة على التراث تظاهرة ثقافية يوم غد الجمعة 18 مارس 2016 بداية من الساعة الخامسة مساء بالمتحف الوطني بباردو. وتتضمن التظاهرة فقرات متنوعة تراوح بين المعزوفات الغنائية والإلقاء الشعري وتقديم لكتاب «كلنا باردو».