تنوع حيوي الآن وهنا

خسارة التنوع البيولوجي وتراجع المنظومات وثروات الطبيعية، الغابة التي يخفيها شجر التلوث وتغير المناخ.. وهي واحدة من المعالم الثلاثة للكارثة البيئية العالمية

ولكنها لا تصرخ ولا تعلي صوتها كما أن لها تداعيات على تغير المناخ بتجلياته الكارثية القصوى وبقية مظاهر التلوث الشامل برا وبحرا وجوا.
يُعَبّر التنوع الحيوي (بالإنجليزية: Biodiversity) عن التنوع الكمّي والنوعي المتواجد بين الكائنات الحية، والذي يشمل تنوع الصفات الشكلية والجينية والسلوكية للكائنات، كما يُعَبّر عن التنوع المتواجد بين الأنظمة البيئية المختلفة بجميع عناصرها، وتكمن أهمية التنوع الحيوي في ديمومة واستمرارية الدورات الحياتية للكائنات الحية وسلاسلها الغذائية بشكل متّزن، فكلما ازداد التنوع الحيوي كلما ازداد الاتزان البيئي، فعلى سبيل المثال، كلّما كان التنوع الجيني أكبر في نوع ما، كلّما كان هذا النوع أقدر على التكييف والبقاء ومواجهة التغيرات إلى قد تطرأ عليه.
ويشمل التنوع الحيوي مدى وفرة الأنواع الحية المتواجدة في نظام بيئي معيّن من ناحية كمية ونوعية، كما أنه يتأثر بالعديد من العوامل مثل المناخ والطبيعة الجغرافية للمنطقة ووفرة المياه والموارد اللازمة ودرجة الحرارة، ويختلف التنوع الحيوي تبعاً للمنطقة، وبشكل عام، فإن التنوع الحيوي يزداد انتقالاً من المناطق القطبية نحو المناطق الاستوائية التي تتسم بأعلى تنوع حيوي.
وللتنوع الحيوي ثلاثة عناصر أساسية، وهي كالآتي: تنوع الأنواع (Species diversity) يعبر تنوع الأنواع عن اختلاف أنواع الكائنات الحية المتواجدة في نظام بيئي معين، وهو أساس التنوع الحيوي، ويشمل هذا التنوع الأنواع الحية جميعاً بدءا من الكائنات الحية الدقيقة كالبكتيريا بالإضافة إلى النباتات والحيوانات والفطريات وغير ذلك من الأنواع التي تعيش مع بعضها البعض في نظام بيئي محدد، وهذا يعتبر تنوع نوعي، أي مبني على اختلاف الأنواع، ويمكن أن يكون تنوع كمّي، أي مبني على أعداد الجماعات الحيوية ومدى حجم كل جماعة. التنوع الجيني (Genetic diversity) التنوع الجيني هو التنوع في التراكيب الجينية لدى الجماعات الحيوية، حيث ينتج هذا التنوع من خلال إعادة التراكيب الجينية التي تحصل خلال عمليات التزاوج، والتنوع الجيني هو المسؤول عن ديمومة بقاء الجماعات الحيوية، فتنوع التراكيب الجينية يزيد من فرص بقاء الجماعة ككل، على سبيل المثال، قد تختلف قدرة بعض الأفراد في الجماعة على التكيف نظراً لاختلاف تراكيبهم الجينية، وهذا الاختلاف يؤدي إلى قدرة بعض الأفراد على التكاثر والبقاء بينما قد يقلل من قدرة أفراد آخرين، بالإضافة إلى ذلك، فإن التنوع الجيني هو المسؤول عن الصفات الشكلية المختلفة التي تظهر بين أفراد النوع نفسه، وهو المسؤول أيضاً عن التنوع والاختلاف في الصفات الشكلية والوظيفية بين الأنواع المختلفة.
التنوع البيئي (Ecological diversity) التنوع البيئي هو التنوع في الأنظمة البيئية المختلفة وعناصرها، فالنظام البيئي يشمل مساحة معينة وما فيها من عناصر حية كالنبات والحيوان والبكتيريا وعناصر غير حية كالتربة والمناخ والمياه، وتفاعل هذه العناصر مع بعضها البعض، فالتنوع البيئي قائم على وجود مختلف الأنواع الحية في نظام بيئي معين وتفاعل هذه العناصر مع بعضها البعض والعلاقات المتنوعة التي تحكمها مثل السلاسل والشبكات الغذائية، والتنافس والافتراس، والتكافل والتعايش وغيرها من العلاقات التي تدور بين جميع الكائنات الحية حيث تؤثر وتتأثر ببعضها البعض لكي تنتج تنوعاً حيوياً بيئياً، ومن الجدير بالذكر أن التنوع الحيوي البيئي يختلف باختلاف النظام البيئي، الذي يمكن أن يكون نظاماً بيئياً صحراوياً أو استوائياً أو مائي أو غير ذلك.
ويعتبر التنوع الحيوي من أهم أسباب استمرارية الحياة بشكل متوازن، ومن ذلك التوازن البيئي لكل عنصر حي في البيئة دور معين، بحيث تعتمد أدوار الكائنات الحية على بعضها بعضاً، فعلى سبيل المثال، تعتمد المستهلكات على المنتجات في الحصول على الغذاء وتعتمد المحللات على كلاً من المستهلكات والمنتجات، وإن غاب دور أحد الكائنات ستتأثر الكائنات الأخرى سلباً، ولهذا، فإن التنوع البيولوجي يضمن استمرارية دورات الحياة لجميع الكائنات بشكل متوازن مما يضمن ديمومة بقائهم في أنظمنهم البيئية. الأهمية الاقتصادية للتنوع الحيوي تعتبر العديد من أنواع النباتات والحيوانات مصدراً للموارد الطبيعية للبشر، حيث تشكل مصدراً للغذاء وللموارد الأخرى، مثل استخدام النباتات في الصناعات الدوائية، ومن هنا تأتي الأهمية الاقتصادية للتنوع الحيوي في كونه يقوم بتوفير العديد من الموارد الطبيعية للاستخدام البشري. الأبعاد الأخلاقية للتنوع الحيوي من المهم الإشارة إلى أنه بالرغم من أن التنوع الحيوي له العديد من الفوائد والأهميات للمصلحة البشرية، إلا أن هذا لا يعتبر هدف التنوع الحيوي، وإنما وجد التنوع الحيوي للمحافظة على ديمومة الحياة لجميع الكائنات وليس لخدمة الإنسان، ولهذا تجب المحافظة على هذا التنوع والابتعاد عن الممارسات الخاطئة التي من شأنها أن تخلّ بالتوازن الطبيعي.
يمكننا تعريف التنوع البيولوجي على أنه إجمالي الكائنات الحية المختلفة، بما في ذلك الجينات التي تحتويها، والنظم البيئية التي تُشكلها. يصف التنوع البيولوجي التباين بين الكائنات الحية جميعها، النُّظم الإيكولوجية الأرضية والبحرية، والمجمّعات الإيكولوجية، أي أنه يصف ثراء وتنوع الحياة على سطح الأرض، والتي لعلها السمة الأكثر تعقيدًا وأهميةً على كوكبنا لاستمرار الحياة. .
يوجد في كل من كولومبيا وكينيا أكثر من 1000 نوعٍ من أنواع الطيور، في حين تضم غابات بريطانيا العظمى وشرق أمريكا الشمالية أقل من 200 نوعٍ، أيضًا، قد تحتوي الشعاب المرجانية قبالة شمال أستراليا على 500 نوعٍ من الأسماك، بينما الشاطئ الصخري في اليابان هو موطنٌ لـ 100 نوعٍ فقط. توضح هذه الأرقام بعض الاختلافات المكانية وتأثيرها على التنوع البيولوجي؛ فالمناطق الاستوائية لديها تنوعٌ بيولوجيٌّ أكثر من المناطق المعتدلة، ولكن من جهةٍ أخرى؛ عدد الأنواع لوحده ليس مقياسًا للتنوع، يشمل التنوع البيولوجي التنوع الجيني داخل كل نوعٍ ومجموعة متنوعة من النظم البيئية التي تخلقها الأنواع.
يكتسي التنوع البيولوجي أهمية حيوية وعلمية واقتصادية:
• الأهمية الاقتصادية: يوفر التنوع البيولوجي للبشرية المواد الخام للاستهلاك والإنتاج؛ إذ تعتمد العديد من سبل العيش الخاصة بالمزارعين والصيادين وعمال الأخشاب، على التنوع البيولوجي.
• دعم الحياة البيئية: يوفر أنظمةً بيئيةً فعّالةً، من حيث توفير الإمداد بالأكسجين والهواء النقي والمياه، وتلقيح النباتات، ومكافحة الآفات...
• الترفيه: تعتمد السياحة والعديد من الأنشطة الترفيهية على التنوع البيولوجي الفريد، مثل مراقبة الطيور والمشي لمسافاتٍ طويلةٍ والتخييم وصيد الأسماك.
• الأهمية العلمية: يمثل التنوع البيولوجي ثروةً من البيانات البيئية المنهجية، التي تساعدنا على فهم العالم الطبيعي وأصوله..
يحتوي كل نظامٍ بيئيٍّ على مجموعةٍ فريدةٍ من الأنواع والتي تتفاعل مع بعضها البعض، وقد تتميز بعض الأنظمة البيئية بغناها بالأنواع مقارنةً مع غيرها، في حين قد تمتاز نُظُم أخرى بنمو نوعٍ واحدٍ بشكلٍ كبيرٍ حتى يهيمن على مجتمعه الطبيعي. إذا أجرينا مقارنةً على أساس التنوع البيولوجي بين النُظم البيئية، فإن النظام البيئي الذي يحتوي على عددٍ أكبر من الأنواع، دون وجود نوع مهيمن على البقية، سيعتبر أكثر تنوعًا. يمكن لعددٍ كبيرٍ من الأنواع مساعدة النظام البيئي على التعافي من التهديدات البيئية، حتى لو انقرضت بعض الأنواع.
ينطوي التنوع الجيني على الارتباط الوثيق بين أفراد أحد الأنواع في نظامٍ بيئيٍّ معينٍ، فمثلًا، إذا كان لدى جميع الأفراد العديد من الجينات المتماثلة، فهنا تمتلك الأنواع تنوعًا جينيًّا منخفضًا، قد يسبب التزاوج في هذه الحالة وراثة سمات غير مرغوبٍ فيها، أو جعل الأنواع أكثر عرضةً للإصابة بالأمراض، ولذلك قد تكون مهددة بالانقراض، في حين يساعد التنوع الجيني العالي للأنواع على التكيف مع البيئات المتغيرة.
قد تتنوع النظم البيئية في منطقةٍ ما، وقد يسود فيها نظام بيئي واحد. تُعد المحيطات أو الصحارى أمثلةً على مناطق ذات تنوعٍ منخفضٍ، في حين أن المناطق الجبلية التي تحتوي على بحيراتٍ وغاباتٍ ومراعٍ تتميز بتنوعٍ أعلى من حيث النظم البيئية، وبالتالي تنوع بيولوجي أفضل. تنوَع النظم البيئية في منطقةٍ واحدةٍ يوفر المزيد من الموارد لمساعدة الأنواع المحلية على البقاء، في حال كون أحد الأنظمة البيئية مهددًا بالجفاف أو المرض أو غير ذلك.
التنوع الوظيفي هو الطريقة التي تتصرف بها الأنواع وتحصل على الغذاء وتستخدم الموارد الطبيعية في نظامٍ بيئيٍّ ما، يُفترض أن يكون النظام البيئي الغني بالأنواع ذا تنوعٍ وظيفيٍّ مرتفعٍ، مع وجود العديد من الأنواع ذات السلوكيات المختلفة. من المفيد لعلماء البيئة فهم التنوع الوظيفي للنظام البيئي الذي يحاولون الحفاظ عليه أو إصلاحه، لأن معرفة سلوكيات وأدوار الأنواع يمكن أن تشير إلى الفجوات في دورة الغذاء، أو إلى الأوساط المفتقرة إلى الأنواع..
إنّ المناخ هو العامل الرئيسي لتوزُّع الأنواع في العالم. أدت التغيرات المناخية إلى تغير الحياة على الأرض على المدى الطويل، إذ تغيرت النّظم البيئية وانقرضت الأنواع بشكلٍ روتينيٍّ، لكن تغير المناخ السريع بفعل الإنسان جعل العملية أكثر سوءًا، حيث لم يُتح الوقت الكافي للأنظمة البيئية والأنواع للتّكيُّف، مما يتسبب في النهاية بالقضاء عليها. على سبيل المثال، الشعاب المرجانية والتي تُعرف بـ «غابات البحر المطيرة»، وبسبب التنوع البيولوجي الغني في نظامها البيئي، باتت تموت نتيجة ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات وتحّمضها.
تُعد إزالة الغابات سببًا مباشرًا لانقراض الأنواع وفقدان التنوع البيولوجي، يُفقد ما يُقدَّر بـ 18 مليون فدان من الغابات سنويًّا، ويُعزى ذلك بشكلٍ كبيرٍ إلى الممارسات البشرية مثل قطع الأشجار وغيرها، مما يؤدي إلى تدمير النظم البيئية التي تعتمد عليها العديد من الأنواع.
هل تعلم أن أكثر من 50% من الأنواع الموجودة في العالم، تعيش في الغابات الاستوائية المطيرة، والتي تمتاز بأعلى تنوع بيولوجي على الأرض؟! لكن وللأسف، خلال الأربعين عامًا الماضية، تمت إزالة حوالي 20 % من غابات الأمازون لأغراض الزراعة وتربية الماشية وغيرها، ويقدّر العلماء أن حوالي 20 % من الأشجار، سيتم قطعها خلال العشرين عامًا القادمة.
وقد ساهم الصيد الجائر والإفراط في الحصاد إلى حدٍّ كبيرٍ في فقدان التنوع البيولوجي، مما تسبب في قتل العديد من الأنواع على مرِّ السنوات الماضية. يزيد الصيد غير المشروع وغيره من أشكال الصيد الربحي، من خطر الانقراض. يؤكد الصندوق العالمي للحياة البرية على أن الاستغلال المفرط هو ثاني أكبر خطرٍ يهدد الكثير من الأنواع بعد فقدان العوائل، إذا استمر الصيد الجائر بمعدله الحالي، فسوف ينفد العالم من المأكولات البحرية بحلول عام 2048. .
يهدد التلوث بمختلف أشكاله التنوع البيولوجي، إذ يمكن أن يؤثر تلوث الهواء على الحيوانات والطيور من خلال استنشاق الغازات أو الجسيمات الصغيرة، وابتلاع الجزيئات المعلقة في الطعام أو الماء، كما تتعرض اللافقاريات مثل ديدان الأرض، أو الحيوانات الأخرى كالضفادع والسحالي، للتلوث عن طريق امتصاص الغازات من خلال جلدها الرطب.
تتلوث الأرض بمياه الصرف الحمضيّة من المناجم، والنفايات الخطرة، والمواد الكيميائية السامة المترسبة من الهواء. أيًا كان مصدر التلوّث، فإنه يشكل تهديدًا خاصًا للتنوع البيولوجي لأنه يقلل من الأراضي المتاحة للنمو النباتي..
يُهدد فقدان الأنواع، استدامة خدمات النظام البيئي اللازمة لنجاة البشرية، لذا ينبغي علينا أن نهتم جميعًا بحمايتهم من الانقراض، ودعم السياسات البيئية التي تحمي التنوع البيولوجي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115