سياحة بديلة على مسالك بكر

مازال مجال السياحة البديلة والايكولوجية والصحراوية والعلمية والطبية وغيرها، من المسالك الواعدة والخصبة التي تنتظر الاستثمار وتكثيف المبادرات والتدخلات.

ورغم انتباه عديد الفاعلين واهتمام المؤسسات الرسمية والمدنية والدولية بأهمية الاشتغال على هذا الصنف من السياحة المتسم بمحافظته على الانظمة البيئية والايكولوجية وتجدد الموارد ، وتعدد الخطوات المقطوعة على طريق مأسسة هذا النشط ليكون رافدا لبقية الأنشطة التقليدية خاصة في ظل تراجعها بسبب الجائحة الوبائية، فإن الطريق لاستغلال المخزون المتاح ما تزال طويلة.

ففي بلادنا تتجاور المشاهد والمنظومات الإيكولوجية المختلفة من جزرية وواحية وصحراوية وغابية وغيرها في مناطق متجاورة بما يسهل عملية افتتاح أنساق جديدة من المنتوجات والخدمات.
ويعتبر شاليه البحيرة على سبيل المثال بالقرية الماتلين نموذجا للمبادرات التي ينتظر أن تتعمم في المواقع المناسبة لإحكام تثمين المواقع البيئية بصيغ تضمن الحفاظ على توازنها مع بعث حركية تنموية جديدة وتنشيط عدد من القطاعات الاقتصادية الأخرى بما يضمن تشغيل اليد العاملة على المستوى المحلي.

تعتبر السياحة الشاطئيّة العماد الأساسي للقطاع السياحي في تونس الذي يمثل أكثر من 7 في المائة من الناتج الداخلي الخام، فيما يوفر 400 ألف شغل قار وفق أرقام رسمية، ولكن السياحة الشاطئية هي موسميّة تشهد إقبالًا من التونسيين والأجانب في فصل الصيف تحديدًا.
وبدأ الانتباه، في الأثناء بعد الثورة وتحديدًا في الجهات الداخليّة، إلى السياحة الأيكولوجيّة أي السياحة الخضراء التي تراعي البيئة والمياه والطاقة والعناصر الطبيعيّة. و تؤكد وزارة السياحة أن هذا النوع يأتي في إطار تنويع المنتوج السياحي، وبيّن مسؤول في الوزارة، في تصريح إعلامي سابق، أن التفكير في هذا المنتوج بدأ منذ منتصف التسعينيات مبينًا أن البنك الدولي نفسه تقدّم بتوصية في عام 2000 بضرورة تنويع المنتوجات السياحية كي يتجاوز القطاع أزمته الموسميّة على اعتبار أن السياحة الشاطئية هي سياحة موسميّة.

نحو ثقافة سياحيّة واعية وبديلة
يعتبر رئيس جمعية «نحن نغيّر» حمزة الصامتي أنّ السياحة الإيكولوجيّة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتنمية العادلة بالشمال الغربي بل يذهب إلى أكثر من هذا قائلًا: «لا مواطنة دون تنمية عادلة تشرّك جميع الفئات الاجتماعيّة». فالسياحة الإيكولوجية هي مقاربة مبنيّة على مبادئ التنمية المستدامة.
و يرى الفاعلون في جمعية جالطة للبيئة والسياحة الأيكولوجية، التّي يترأسها زهير البجاوي، أنّ الأهداف الرئيسية من نشاطهم هي دعم السياحة الإيكولوجية والبيئية بمنطقة «غزالة» من ولاية بنزرت، إلى جانب المساهمة في تنمية اقتصاد المناطق الريفيّة المجاورة لمنطقة الغزالة.
تهدف السياحة الأيكولوجية إلى تنمية اقتصاد المناطق الريفيّة (صفحة جمعية «نحن نغيّر»).
وتعمل الجمعيات المهتمة بشأن السياحة الايكولوجية على توظيف هذا النوع من السياحة في خدمة البيئة محليًا لتحقيق تنمية عادلة وذلك بالعمل على تنمية قدرات المتساكنين المحلييّن، لتحسين ظروف العيش والتشجيع على الاستثمار في المجال البيئي والفلاحي بمنطقة الغزالة وبشتّى المناطق الريفيّة المجاورة.

وتوصف، السياحة الإيكولوجيّة بأنها «سياحة هادفة ومسؤولة» وهي تستهدف ثلاث فئات اجتماعية هي السكّان المحلييّن من حرفيين، والزوّار من مستكشفين تونسيين وأجانب إضافة إلى الفاعلين المحليين مثل الدليل السياحي والناشطين في المجتمع المدني المحلي.
وتعمل جمعيات ناشطة في المجال على تشريك السكان المحليين في منطقة «برقو» لإنجاح المشاريع التّي تعود بالفائدة على المجتمع المحلّي وتدهش الزائرين و السائحين. و يتم، على المستوى النظري، تنظيم دورات تكوينيّة للمرشدين السياحيين وتوعيتهم وتكوين الدليل السياحي في ما يخصّ الإسعافات الأوليّة والنزهات الجبليّة وتخطيط المسالك الجبليّة، إضافة لاكتشاف عيون و ينابيع المياه المعدنيّة مثل «عين بوسعديّة» وتهييئة المسالك الجبليّة ببرقو.

وتعتمد أنشطة الفاعلين على خصائص محدّدة مثل تثمين الحفاظ على البيئة والوعي بإمكانات السياحة البيئية التي تلبي معايير التنمية المستدامة (مكافحة التصحر، والقيام بحملات نظافة إلخ)، وكذلك توعية السكان المحلييّن والسائحين بقضايا البيئة.
ويفتح تنوّع الموارد الطبيعيّة المجال لممارسة مجموعة واسعة من الأنشطة مثل تأمل الطبيعة، والمشي لمسافات طويلة، والرياضة، والتخييّم والسياحة الزراعية. و عادة ما تطلق الجمعيات المحلية مبادرات السياحة الأيكولوجيّة ثمّ يتولى الشباب الفاعل والناشط في برقو الإشراف على هذه المبادرات وتشجيعها بواسطة منظمات عالمية.

كما يرى ناشطون أنّ العمل على السياحة الأيكولوجيّة يمرّ عبر التعريف بالموارد الطبيعيّة للمنطقة والتنسيق المباشر مع الجمعيات والمنظمات ومرافقة المجموعات التّي تنظّم الزيارات الموجّهة للمواقع السياحيّة الطبيعيّة مثل «وادي الزيتون» بمنطقة البلالمة.
وعلى سبيل المثال تعد منطقة جالطة الجبليّة منطقة تُعرف بنسبة فقر مرتفعة وبالظروف الاجتماعية المتردية رغم ما تمتلكه من موارد طبيعية قادرة على النهوض بالتنمية وبالمستوى المعيشي بها. وأكد على سعي الجمعية للتعريف بالمسالك الطبيعية السياحيّة وتسهيل النفاذ إليها وتنظيمها وتأطيرها مع الحفاظ على مكوّناتها.

وتتمثل جل العقبات في رفض المؤسسّات المحليّة العموميّة لأيّ شكل من أشكال الشراكة مع الجمعيّات المحليّة، إذ لا تبدي هذه المؤسسات، وفق قولهم، أيّ دعم للمشاريع المتعلّقة بالسياحة الإيكولوجيّة ولا تسعى لتحفيز الفاعلين رغم المجهودات التّي يبذلونها للنهوض بالمناطق الداخلية المهمّشة اقتصاديًا واجتماعيًا.

كما تطرح إشكالية هشاشة الوضع القانوني وغياب التّشريعات التّي تهمّ القطاع السياحي من طرف وزارة السياحة، حيث يعد من الضروري سنّ القوانين الضروريّة لتنظيم القطاع وضمان حيويته وديناميكيته، مع الأخذ بعين الاعتبار البعد البيئي وخصوصيات المجتمعات المحليّة التونسيّة.
ويتّفق الفاعلون في مجال السياحة الأيكولوجية على بعض المعوقات الرئيسيّة مثل ضعف الجهود الترويجيّة، ونقص المعرفة بالأسواق المحليّة، إضافة إلى غياب الاستراتيجيات اللّازمة للترويج للمنتوجات المحليّة وغياب الوعي بقيمتها الغذائية والصحيّة.
من جهة أخرى، يؤكد الفاعلون في المجال على طموحهم من أجل تطوير آليات التمويل في قطاع السياحة البيئية وتكييفها مع برامج ومشاريع تحقٌّق التنمية للجهات التّي ينشطون بها، وذلك انطلاقًا من هيكلة القطاع بما يتماشى مع متطلبات وحاجيات المجتمع المحليّ وتوحيد الجهود حتى لا يكون مجال الفعل منحصرًا في المبادرات الفرديّة.

سياحة خضراء لمواجهة البطالة
تساهم السياحة الإيكولوجية، في الأثناء، في نشأة وعي فردي وجماعي وباحترام البيئة والطبيعة، كما تهتم بشكل خاصّ بتنمية المجتمع المحلي. ذلك إن السياحة الايكولوجيّة تمكّن الحرفيين من الترويج لمنتوجاتهم في كافة المجالات من غذاء، وترفيه، ولباس وإقامة بما يتلائم مع خصوصيّات منطقة برقو، وهي إنتاجات بيولوجيّة و صحيّة. وهو ما ساهم، في التقليص من نسب البطالة خاصّة في صفوف النساء والشباب، إذ يوفّر المجتمع المحلي خدمات معيّنة للسائح بمقابل ماديّ غير مكلّف، وهي فرصة للترويج لمختلف الأنشطة الحرفيّة والإبداعيّة.
كما تعد الإقامة المحلية مثلًا هي وسيلة جديدة لإيواء الزائرين والمستكشفين عبر منازل للضيافة مجهزّة بالأساسيّات وتتميّز بالبساطة، تتلاءم مع المناخ البارد والحارّ. إذ يتم أثناء فترة الإقامة تقديم منتجات غذائيّة صحيّة متنوعة بدلًا عن المنتجات الاستهلاكية المصنّعة.
ويؤكد زهير البجاوي عن جمعية «جالطة للبيئة والسياحة الإيكولوجية» عن دور السياحة الأيكولوجية في التقليص من ظاهرة النزوح الريفي بمنطقة الغزالة، وذلك من خلال دفع اليدّ العاملة المحليّة للترويج لمنتوجاتها واستقبال السائحين والمستكشفين بالمنطقة، وهو ما يعزّز التضامن الاجتماعي فيما بينهم.
وقد تتداخل السياحة الثقافيّة مع السياحة الإيكولوجية، إذ تمنح السياحة الخضراء الفرصة لزائريها لاكتشاف بالموروث الثقافي للجهة، والاطلاع على نمط عيش سكانها، فهي تلخّص رؤية للحياة قوامها استغلال الموارد الطبيعيّة والحفاظ عليها.

في ضرورة تطوير السياحة الإيكولوجيّة
ينتهي الفاعلون في جمعية «نحن نغيّر»، ضمن تقرير لأمل هازل بـ»ألترا تونس»، إلى أنّ نجاح السياحة الأيكولوجية في تونس مرتبط بتوحيد جهود المجتمع المدني المحلّي والوطني ومؤسسات الدّولة لتطوير هذا النوع من السياحة، وهو ما يعدّ ضروريًا على اعتبار تنوع رأس المال الطبيعي، والثراء الثقافي، وتوفر اليدّ العاملة المحليّة والمنتوجات الصحيّة في تونس.

ويقترح رئيس الجمعة حمزة الصمتي، في هذا الإطار، قيام باحثين بدراسة إمكانيات تطوير السياحة الإيكولوجيّة بشكل يتكامل مع التنميّة المحليّة ويعزّز الجهود المبذولة لخدمة هذا الصنف من السياحة.
ويتبين إن السياحة البيئيّة لها مستقبل واعد كما يتنبأ الفاعلون الذين تحدثنا معهم، وهي دافع هامّ للتنمية المستدامة والمحافظة على الثروات الطبيعيّة والبيئيّة، خاصّة وأنّ القطاع يشهد تطوّرًا نوعيًا من حيث الأنشطة الممارسة. لكن على المستوى الكمّي، لازال القطاع يشهد إهمالًا من قبل مؤسسات الدّولة، في ظلّ انعدام القوانين المنظّمة للسياحة البديلة وتحفيزها.
وفي هذا الجانب، دعا زهير بجاوي رئيس جمعية «جالطة للبيئة والسياحة الأيكولوجية» الدّولة إلى دعم الجمعيات ذات الشأن البيئي والأيكولوجي ضمن عدالة وطنية تشمل جميع جهات البلاد التونسيّة، وفق قوله.

السياحة الأيكولوجية أو البيئية
السياحة الأيكولوجية أو السياحة البيئية هي السياحة التي تعتمد على السفر بين المواقع الطبيعية التي تزخر بالتنوع الحيوي من النباتات والحيوانات والبحار والأنهار وغيرها من الموارد الطبيعية، مع التحلي بروح المسؤولية في الحفاظ على البيئة وعدم الإضرار أو المساس بها، بهدف الإستمتاع والإكتشاف والمغامرة.

ويعد تعريف السياحة الأيكولوجية من التعريفات الحديثة، حيث ظهر في ثمانينات القرن الماضي، ويعرف باللغة الإنجليزية بـ Eco tourism، وهو نوع من أنواع السياحة التي تعد البيئة أساسًا لها، وتعتبر السياحة الأيكولوجية والسياحة البيئية شيئًا واحدًا.

أنشطة السياحة الأيكولوجية
تشمل السياحة الأيكولوجية العديد من الأنشطة التي يمكن للسائح القيام بها، ومنها:
• سياحة السفاري.
• التخييم.
• مراقبة الطيور والحيوانات.
• الإبحار والصيد.
• زيارة معالم البيئة.
• إستكشاف الجبال والغابات.
• التصوير.
• رصد حركة النجوم.
• التزلج.
• التجديف.

أهمية السياحة البيئية
التأمل والإستمتاع بروعة الطبيعة والتعرف على خباياها.

زيادة الدخل القومي للبلاد التي تحسن إستغلال طبيعتها وتجهيزها لإستقبال السياح الأيكولوجيين المهتمين بالبيئة.
كما تسهم في عملية تنمية المجتمع المحلي وزيادة وعيه وثقافته وتشجيع تفاعله مع البيئة من خلال عمليات التطوير وإقامة المشروعات المحلية وتوفير فرص العمل.
وترمي إلى الحفاظ على تراث البيئة الثقافي والبيئي عن طريق الإهتمام بزيادة الوعي وإنشاء المحميات الطبيعية وتأهيل سكان البيئة للتعامل معها وإنشاء المنتزهات وتشجيع الفنون الثقافية والمحلية.
كما تستهدف إشباع دافع الفضول لدى محبي الطبيعة والذين يسعون إلى إكتشاف المزيد عن البيئات المختلفة من خلال خوض العديد من التجارب التي تضيف إلى شخصياتهم الكثير من الصفات الحسنة.
وتتوجه إلى إطلاق دافع المغامرة لدى الأشخاص من خلال الأنشطة المختلفة التي تتيحها لهم البيئات الطبيعية كالمشي والتسلق وركوب الدراجات وغيرها من النشاطات التي تحفز الإنسان وتطلق طاقاته.

مبادىء السياحة البيئية
• الحفاظ على تراث الطبيعة ومواردها النباتية والحيوانية.
• العمل على تفاعل البيئة المحلية مع طبيعة الموقع السياحية وزائريه.
• الحفاظ على التنوع الحيوي الذي تتسم به البيئة الطبيعية.
• إستخدام موارد البيئة بطريقة مثلى في تلبية حاجات السائحين، ولتعود الفائدة على سكان البيئة المحليين.

طرق تطوير السياحة البيئية
إقامة المحميات الطبيعية للحفاظ على الحيوانات والنباتات النادرة من الإنقراض.
توعية سكان البيئة المحليين بضرورة الحفاظ على ثروات البيئة الطبيعية، من خلال إقامة الندوات، وعن طريق وسائل الإعلام المختلفة.
الإهتمام بإقامة المشروعات التي تهم سكان البيئة وتتيح لهم فرص العمل.
إنشاء المنتزهات والحدائق الواسعة وإمدادها بالأنشطة المختلفة والخدمات التي تتيح للسائح التنقل بحرية وسهولة والإستمتاع بممارسة الأنشطة.
إلا أن هناك بعض السلبيات بالسياحة الأيكولوجية حيث يحدث أن تتعرض حياة النباتات والحيوانات للخطر إذا ما افتقر السائحين للوعي البيئي وشعور المسؤولية تجاه الطبيعة.
معاقبة كل من تمتد يده بتخريب البيئة كإلقاء المخلفات، ومن يقومون بعمليات الصيد والرعي الجائر وقطع الغابات.
تشجيع الفنون المحلية والتراثية التي يهتم بها سكان البيئة وإستغلالها في جذب السياح كحفلات الفلكلور والأعمال اليدوية كالتطريز وصناعة الخزف والفخار.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115