خارج أثيوبيا ورواندا وجنوب إفريقيا، بدايات القرن، والقوم يوشكون أن يعلنوها انتفاضة بيئية لولا انشغال باعتصامات متناسلة من أجل تشغيل وكرامة وتنمية..
هنا وهناك تطلع لمدينة أجمل ومطالبة بجودة حياة..
هو الحس البيئي إذن، وضمير مدني صحا ونهض؟
لا، إنما مطلبية البعض وانتظار تدخل البلدية والسلط لتأسيس جنة موعودة، وإلا،لم نر منكم خيرا قط.
قبل أسابيع انتظمت بحديقة قرب إقامة بمنطقة النخيلات برواد حملة تنظيف وتشجير احتشد لها البلديون والناشطون والمتطوعون، وبعد اختتام العرس، أطلت ربة بيت من شقة مطلة على الحديقة ورمت بكيس قمامتها في اتجاه الحديقة، وتأسف الناشطان منجي عيساوي وصحبي مهيري لعدم اقتناص صورة للمواطنة المميزة لإعداد إطار لصورتها الرائعة وتكريمها في مناسبة قريبة كأكثر ساكنة منحازة للقذارة مناصرة للتلوث.
وليس في الأمر بدعة،ففي بلد آسيوي كما يؤكد كثيرون يكرم الملوث في مرحلة أولى بخطية مالية يسبقها حديث وتأنيب وتقريع، وفي المخالفة الثانية تضاعف الخطية ويدعى المخالف للمشاركة في حملة رفع فضلات وتنظيف موقع ملوث، وفي المخالفة الثالثة تضاعف الخطية مرارا ويحتفى بالبطل باستقباله رسميا من مسؤول كبير مع بث المقابلة تلفازيا في الأخبار وإبراز الضيف كأحد أبرز الملوثين وأصحاب الذوق الرديء والحس الحضاري المنعدم والضمير الغائب.
ما أتعس السلبيين اللامبالين الحالمين بدولة راعية منظفة مجملة وماحية لقذاراتهم وآثار جنايتهم البيئية، وما أغبى الحالمين بجنة طوبوية ، يؤسسها وحدهم المسؤولون وينشئها الموظفون السامون في البلدية والوزارة والوكالة والديوان.
لا ينتمي لهذه الفئة البائسة أبناء الكشافة والجمعيات ومحبو الخير للغير، وخريجو المدراس المدنية الراقية حيث معادلة الحق والواجب وتوازي الأخذ والعطاء ومولدات للبناء والتغيير والاصلاح والبناء.
لا يجرؤ على طلب العطية والمنة من الغير على طريق الفضل من يدرك مسؤوليته ويعي أن المركب لا يتحرك دون تعاضد القوى وتضافر جهود الأفراد، مثل أولئك الحاملين لنبض المجتمع المدني والمسكونين بروح المواطنة الإيجابية الفاعلة يختزنون في باطنهم ولاوعيهم محركات ذاتية للمبادرة والتكفل بحصتهم من الواجب، من جباية ومساهمة طوعية في الالتزامات العامة ضمن المشاريع المشتركة والبرامج الكبرى للدولة والمجتمع.
وبالنظر لتفشي مظاهر التفصي من المسؤولية وانتظار تكفل الدولة بكل شيء وقلة الاستعداد لأداء الواجبات بما فيها المساهمة النسبية في حماية البية والحفاظ على توازناتها وسلامة مواردها ومنظوماتها ناهيك عن الإحجام عن الإخلال بها وانتهاك حرمتها ونهب مقدراتها,
في انتظار تعميم الرقابة وانتشار الشرطة البيئية في كل زاوية وركن، وتفعيل قوانين البيئة وتنزيل فصولها وترتيباتها، وتوفر إطار ردعي قوي يقلص التجاوز ويضيق هامش الاخلالات والتجاوزات، توجب تكثيف العمل الوقائي بالتوعية والتربية ونشر النماذج الجيدة والممارسات الناجحة والمثالية ، وتوسيع مجال تكريسها قي الاوساط المدرسية والاحياء عبر مبادرات الجمعيات والمنظمات وأنصار البيئة.
عودا على المجتمع المدني الذي يمسك اليوم بزمام المبادرة ويحرك قاطرة بناء القرار والممارسات، ويكيف الواقع والمصير، وانطلاقاً من مبدإ المشاركة في إدارة القضايا العامة، والتزام الدول بالمبادئ والقواعد والأسس الدولية المنظمة لحقوق وحريات الأفراد وخاصة الحق في حرية إنشاء الجمعيات المدنية سواء على المستوى المحلي أو الوطني، فإنَّ أغلب دول العالم في قوانينها الوطنية تُقر هذا الحق كركيزة أساسية لبناء المجتمع الديموقراطي، وحرصاً منها على أهمية هذا الحق، فإنَّها تكرسهُ في إطار أسمى قواعد الإلزام القانوني ألا وهي القواعد الدستورية، ولقد سارت بعض الدول العربية على هذا النهج بالنص على هذا الحق في دساتيرها، ، وقد اختار محبو البيئة والمدافعين عنها من الأفراد التكتل في صورة جمعيات تكون مهمتها الدفاع عن البيئة، والتي تزداد يوما بعد ويتصاعد دورها في حماية البيئة من خلال كشف المتسببين في تلويث البيئة من الهيئات والأفراد، ومتابعتهم من أجل الوصول إلى إدانتهم، وممارسة الضغوط عليهم ومحاصرتهم
ولمن مازال يجهل قوة ومجال فعل الجمعيات والمجتمع المدني، ويتساءل عن الدور الذي يمكن أن تلعبه جمعيات المجتمع المدني في حماية البيئة تشارك جمعيات المجتمع المدني الدولة في المحافظة على البيئة وحمايتها وذلك من خلال عدة أدوار تقوم بها، بل وقد يفوق تأثيرها الدولة في بعضها، وتتمثل وسائل عمل جمعيات حماية البيئة فيجمع المعلومات,حيثأن مواجهة المشاكل تقتضي الالمام بجوانبها على نحو عملي صحيح، والبيئة كذلك تقتضي حمايتها الوقوف على المعلومات المتعلقة بالمشروعات التي تهدد البيئة، ويقتضي الأمر أن يكون بإمكان هذه الجمعيات الاطلاع على تلك البيانات لدى الجهات الإدارية المختصة وأن يكون بإمكانها أيضا عرض ما يتوافر لديها من معلومات – تحصل عليها من الأفراد-على الجهات الإدارية المختصة، وهو ما يقتضي بالضرورة تدخل المشرع لتنظيم العلاقة بين الجمعيات التي تدافع عن البيئة وبين الإدارة حتى لا يقف مبدأ سرية المستندات الإدارية حائلا دون حصول الجمعيات علي المعلومات اللازمة لأداء مهامها، وهذا ما تؤكده مثلا تدخلات الجمعيات في رفع قضايا ورفض مشاريع قرارات منها اعتماد أكياس البلاستيك في شحن الاسمنت، وكذلك قضية النفايات الايطالية..
وتعتبر التوعية البيئية للمواطنين أبرز مهام الجمعيات، إذ يعد دور الجمعيات البيئية في القيام بعمل التوعية البيئية للمواطنين من الأدوار الرئيسية لها في حماية البيئة خصوصًا مع حداثة موضوعات حماية البيئة واعتبار البعض أن حماية البيئة من الموضوعات الكمالية، مع ظهور مفاهيم جديدة تتعلق بالبيئة ودمجها في السياسات الاقتصادية للدولة والأفراد منها مفهوم التنمية المستدامة من خلال اتباع آليات الإنتاج النظيف
ويرى الخبراء أن المعرفة والتثقيف البيئي سيحولان دون توريث الجهل أو عدم الوعى البيئي من جيل إلي جيل، فالأسرة التي لا تعي أهمية وضرورة الحفاظ علي البيئة، سينتقل جهلها ويسري في أبنائها الذين سيورثونه لأبنائهم، وبالتالي نكون أمام أجيال متتالية جاهلة غير واعية بأهمية المحافظة علي عناصر البيئةفالواقع أن دور الأفراد في حماية البيئة يرتبط بصورة كبيرة بمدى نمو الرأي العام في كل دولة، فيزداد بصورة كبيرة في الدول المتقدمة، التي تكون فيها مساحة الرأي العام كبيرة ومتاحة وتلقي اهتماما كبيرا من جانب الحكومات والأجهزة الإدارية ذلك علي عكس الحال في الدول النامية أو ما يسمى بدول العالم الثالث، فنجد أن اهتمام الأفراد بحماية البيئة يقل أو ينعدم في هذه الدول وإذا وجد في حدود معينة فإنه لا يلقي إلا القليل من الاهتمام من الحكومات والأجهزة الإدارية؛ وتتمثل أهداف التوعية و التربية البيئية واساسيتها ومكوناتها في منح فرصة اكتساب المعرفة والقيم والمهارات الضرورية لحماية الطبيعة وتحسين وضعها لأفراد المجتمع وزادة وتنمية الوعى البيئي بكل المشكلات الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية ذات التأثير البيئي وخلق وترسيخ أنماط سلوكية إيجابية تجاه البيئة كالمحافظة على الأشجار).
و يمكن أن تلعب الجمعيات البيئية دورًا استشاريًا للسلطة التنفيذية، وللسلطة التشريعية للدولة في المسائل المتعلقة بحماية البيئة، من خلال تقدمها باقتراحات مباشرة ودراسات عن رؤيتها لما يمكن إصداره من قرارات وقوانين لحماية البيئة من خلال نقل الواقع العملي لمن بيده وضع القرار اللازم لحماية البيئة
وقد تكون مشاركتها في بعض أعمال اللجان التي تتولى إعداد التشريعات المتعلقة بحماية البيئة، بل أن القانون في بعض الدول يلزم الهيئات المختصة سواء كانت مركزية أو محلية بعدم اتخاذ قرار في مجموعة من المسائل المتعلقة بالبيئة إلا بعد أخذ رأى الجمعيات «الأكثر تمثيلًا لجمعيات حماية البيئة» ذلك بغرض تأكيد ديمقراطية هذه القرارات
كما تضطلع الجمعيات مهام التقاضي دفاعا عن البيئة وهو ما بينته مؤخرا تجربتا شبكة تونس الخضراء وتحالف الجمعيات حول اكياس الاسمنت البلاستيكية، ففيحال فشلت تلك الجمعيات في تحقيق حماية للبيئة في مناسبات معينة تم فيها انتهاك للبيئة، يجوز لها أن تلجأ إلي القضاء دفاعا عن المصالح الجماعية التي تسعى لحمايتها، فاللجوء للقضاء يعد أحد
النتائج الأساسية لأعمال تلك الجمعيات في مجال اليقظة والمراقبة المستمرة للأضرار البيئية وحرصها علي احترام القواعد البيئية لدي الجميع، وتأتى هذه الخطوة من جانب جمعيات حماية البيئة كرد فعل لفشل المساعي الأخرى لمنع افساد البيئة والمدخل القضائي قد يكون وقائي بمنع الفعل الضار بالبيئة قبل حدوثه، وقد يكون غير ذلك وذلك بمنع الاستمرار في ذلك الفعل بعد حدوثه ومعاقبة المتسببين فيه والزامهم بالتعويض المادي عن الأضرار الناتجة عن فعلهم ضد البيئة، وقد اعترف الميثاق العالمي للطبيعة الصادر عام 1982 في المادة (23) منه بهذا الحق فنص علي أن” … ويجب اتاحة وسائل الأنصاف أمام جميع الأشخاص إذا لحق ببيئتهم ضرراً أو تدهور”، كما نص إعلان ريو جانيرو عن البيئة والتنمية الصادر عام 1992 في المبدأ العاشر منه علي أن”…تهيأ فرص الوصول بفاعلية إلي الإجراءات القضائية والإدارية، والقانون الفرنسي قد أعطى جمعيات البيئة الحق في اللجوء للقضاء الإدارية للطعن علي أعمال الإدارة وقراراتها التي تمثل انتهاكا للبيئة كما تستطيع أن تدعى أمام القضاء الجنائي
لا يكفي التحدث والطرح والتنظير والاحتشاد، يتوجب إدراك النص ورصد الوقائع والاستعداد للفعل والمبادرة لضمان حسن تطبيق القاوانين والمواثيق البيئية، فقد تولى فريق مختص ضمن مشروع للجامعة التونسية للبيئة والتنمية المستدامة تطوير دليل للجوء الجمعيات التونسية للقضاء ومع الورشات والتوثيق وإصدار الدليل في طبعات ورقية مع توفره
رقميا فإن الواقع في قضايا ومستجدات حارقة شدت الرأي العام مؤخرا في تونس بينت قابلية القوانين البيئية المتاحة للتفعيل والتنزيل ومن ثم أهلية الجمعيات للقيام بالحق الشخصي والتقدم للقضاء في قضايا ذات طابع بيئي ، وإمكانية تغيير مجرى الأحداث.