زمن الكوارث البيئية المستعجلة

هل جاءت الكورونا لتزيد الطين بلة، أم أنها دهان يكشف عن نار تحت الهشيم؟

هي مظهر آخر لأزمة معاصرة تمس البيئة والصحة وتهدد البشر مع كائنات تستوطن الكوكب..
لحظة وعي أخرى مؤجلة بالخطر النهايات الوشيكة وعقل الانسانية وحكماء العالم وتثبيت جديد لقاعدة ذهبية رسمها القرآن الكريم إذ أعلن: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس.

من غير الناس بدأوا الحرب على أنفسهم واستعجلوا قدوم الكوارث؟

من غير المستهلك الجشع النهم بأنانيته وحرصه ورغبته المتوحشة في الاستزادة وتحقيق كل المنافع المصالح في ساعة زمن؟

قبل انتقاد الآخرين ورمي اللائمة على حيوانات الصين، والتلهية عن الجد بلهو العبث باحتمالات وفرضيات تحولات ومفاجآت خارقة وحوادث خارقة لطاقات الناس اليوم، على البشر التعقل واستعادة الرشد والاستعادة حركات الأجداد وعادات الإنسان المتواضع البسيط المدرك لحدوده والقانع بحاجته ومستلزمات بقائه، والمدرك لندرة الموارد ومحدودية المقدرات المتاحة له في الكوكب، ومن ثم متطلبات بقائه وأحفاده وسلالته لأجيال أخرى.

جل الكوارث والمتاعب الكبرى للإنسانية هي ثمرات سلوك شقي لبشر متمرد على النواميس متعجل متطلب ومتلهف على كل شيء الآن وهنا.
لم يعلم الناس إلى حد الآن أن البشرية استهلكت في شهرين مواردها المتاحة لعام كامل أي أن نسق استهلاكها لهذا العام فاق كوكبا كاملا وهي تحتاج إلى كوكب ثاني لتغطي حاجياتها.

صحيح أن البصمة الايكولوجية متفاوتة بين الأمريكي والهندي والاسترالي والتشادي ولكنها سفينة واحدة تحمل أحفاد نوح وثقب الأوزون كوارث احترار المناخ وتقلص موارد الماء وتزايد مخاطر التلوث وتسارع وتيرة انقراض الأصناف النباتية والحيوانية كل ذلك يمس المجموعة بلا استثناء ويهدد أمن وسلامة البشرية قاطبة.
يجهل الكثيرون ويتجاهلون مؤدى..زرعوا فأكلنا ونزرع ليأكلوا..,الطبيعة أو الأرض أمانة نستلفها من أولادنا لا نرثها عن أجدادنا..

هنالك انطباع بغياب تضامن الاجيال وعدم إحكام نقل الدروس بين الشعوب والقبائل وانغلاق كل أمة في بوتقتها والحال أن سبب نجاة الجميع تقاسم اسباب السلامة وصون الموارد وتأمين ذخيرة الحياة للجميع بلا استثناء.
في دول العالم وتجمعاته توجد مبادرات وتحركات وجبهات ومنتديات لتدارك ما فات وتقليص المخاطر والاخلالات وصياغة تعهدات ومتابعة توصيات و..جهود ترمي لتكييف أنشطة وممارسات وطرق عيش ما مستلزمات البقاء وديمومة الموارد الطبيعية المطلوبة لاستمرار الحياة.

وفي بعض البلدان بدائل و تجارب جديدة تحاكي ما فقد وترنو لاستعادة ما انقرض وراح وتوفير ما يلزم لاستمرار ما تبقى ونجاة ما اغفلته يد الطمع البشرية وطالته بطون الصناعة والتجارة الدولية المستكرشة.
كيف المصير والمأل والناس في أصقاع الدنيا ملل ونحل بعضها يستنزف بلا حد والبعض يستجدي كفاف الماء والغذاء؟
البعض ينتج بلايين الكمامات ويلقيها والبعض الآخر يواجه أحدث الآفات بلا وعي ولا حصن لقاح؟
أي نجاة لكوكب يعيش ساكنوه بمكاييل وموازين متعددة ومتفاوتة.

وأي قادم لأجيال تتقاذفها نوازع الأنا وتيارات الخلاص الفردي برغم ما يلتمع من شعارات التضامن البشري والتعاون الدولي في مجابهة كوارث الطبيعة العابرة للحدود؟

لا يستحضر قادة الكوكب حكاية الشقف أو المركب الذي تعددت به الثقوب والبعض يحسب أنه من الفئة الناجية لبعده عن بقعة التسرب النفطي أو منطقة الاشعاع وذوبان الجليد...
البعض الآخر يتحدث عن مشاكل البؤس والفقر وفقدان أسباب لاحياة وكأنها قصص ألف ليلة وليلة، والحال انها توشك أن تتعمم في ظل استمرار التباعد والتجافي وسياسات النعامات الدولي المستمرة.

مجابهة الكوارث وتفادي النهايات الجماعية القاتمة التي تتزايد احتماليتها تتطلب مسؤولية جماعية ولحظة وعي والتزام وتحرك دولي تضامني لمجابهة المخاطر الزاحفة بما فيها تمظهرات كوارث تغير المناخ وغضب الطبيعة وتأثيراتها.

لا يهتم الناس بعد بنسبة الاراضي الزراعية الخصبة المهدرة والغابات المحروقة والمناطق الرطبة المدمرة والارصفة المرجانية الضائعة وحتى بأعداد المهددين بالمجاعة ..
لا تهم مؤشرات جودة الهواء والماء..

ولا يلتفت الناس لتراجع الثروات والتنوع البيولوجي وتنامي المواد المصنعة والمنتجة بواسطة الاسمدة الكيمياوية..
اشكال رهيب يحف بالبشر ويدفعهم للنهاية دفعا,,

قبل أيام روى لي صديقي القائد محمد بن سعيد قصة تحكي شقاء قصار النظر ومصير اللاهيين عن مآلات الغد القريب..
يحكى أن مدينة كانت محاطة بسور منيع وكان ناموس أهل تلك المدينة أن لا يحكمهم ملك أكثر من عام فإذا أتم الملك العام في الحكم ألبسوه ثوباً أبيض و عطروه وحملوه على الأكتاف وطافوا به البلد ثم أرسلوه إلى جزيرة مهجورة ليمضي بقية عمره هناك أنهى أحد الملوك فترة حكمه وكعادتهم ألبسوه ثوبا أبيض وعطروه وحملوه على الأكتاف وأخذوا يطوفون به في

أنحاء المدينة قائلين له وداعاً وكانت هذه اللحظة من أصعب لحظات الحزن والألم على الملك وجميع من كان قبله ثم بعد ذلك وضعوه في السفينة التي قامت بنقله إلى الجزيرة البعيدة حيث يكمل فيها بقية عمره ورجعت السفينة إلى المدينة وفي طريق العودة اكتشفوا إحدى السفن التي غرقت منذ وقت قريب ورأوا شاباً متعلقاً بقطعة عائمة من الخشب فأنقذوه وأخذوه إلى مدينتهم وطلبوا منه أن يكون ملكاً عليهم لمدة سنة واحدة لكنه رفض في البداية ثم وافق بعد ذلك وأخبروه بالقانون الذي يسود في المدينة وأنه بعد مرور سنة سوف يُحمل إلى تلك الجزيرة بعد ثلاثة أيام من تولي الشاب للعرش طلب أن يزور الجزيرة فرأها وقد خطتها الغابات الكثيفة وسمع فيها أصوت الحيوانات الشريرة وهي تنطلق في أنحاء الجزيرة ووجد جثث الملوك

السابقين ملقاة على الأرض عندئذ عاد الملك إلى مدينته وجمع عملا أقوياء وأخذهم إلى الجزيرة وأمرهم بتنظيف الغابة وبناء قصر ومرسي للسفن وكان يزور الجزيرة مرة في الشهر ليطمئن على سير العمل وكان العمل يتقدم بخطوات سريعة وبمرور الوقت تحولت الجزيرة إلى مكان جميل وقد كان الملك ذكياً فكان يلبس الملابس البسيطة وينفق القليل على حياته في المدينة في مقابل أنه كان يكرس أمواله التي وُهبت له في إعمار هذه الجزيرة واكتملت السنة وجاء دور الملك لينتقل إلى الجزيرة ألبسه الناس الثوب الأبي المعتاد وعطروه وحملوه على الأكتاف ككل الذين سبقوه ولكن اللافت أن الملك لم يكن حزيناً كبقية الملوك الذين سبقوه فقد كان فطنا وعمد إلى إصلاح الجزيرة الذي سيقضي فيها بقية عمره فكان فرحاً أنه استراح من

مشاكل المدينة وهموم الناس فبدا كمن سيذهب في رحلة ترفيهية . . الدرس الأول والأخير: الحياة هي تلك المدينة وكل واحد فينا هو ملك مؤقت يدير حياته بالشكل الذي يحلو له ويوماً ما سیلبس الثوب الأبيض الذي لبسه كل المغادرون قبله وسیعطر ويحمل على الأكتاف إلى تلك الجزيرة فمن عمر المدينة وأهمل الجزيرة فسيرتحل إلى خرابة وسيكون حزيناً يوم رحيله لأنه انتقل من نعیم مؤقت إلى شقاء دائم ومن كان ذكياً واستغل فترة حكمه لتحويل الجزيرة المهجورة إلى جنة فيكون سعيدا يوم يُغادر سيكون كسجين أًعتق أُعتق من الهموم والمسؤوليات والأمراض والأوجاع وسيبدو كمن هو ذاهب في رحلة استجمام ليس لها آخر كل واحد فينا اليوم ملك مؤقت وكلنا سنذهب إليها من زرع ورداً سيذهب ليقطفه ومن زرع شوكاً سيذهب ليجنيه

والبشرية اليوم برغم درس الكوفيد لا يبدو أنها تدرك الحكمة وتعي الدرس..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115