في بدء الحركة البيئية كان القلق والحيرة والتوجس من النهايات الوشيكة..
في لحظات الولادة الأولى، كانت أيضا همة رجال، اشبال، وروحانية متطوعين، قدموا من مدرسة الكشفية المحبة للطبيعة، المنصهرة في غاباتها وشجيراتها الوارفة..
فالفعل البيئي انبجس من براعم تزاوج فيها خوف بشري فطري، ونزوع جبار للتحرك المنازل لمخاطر مرعبة زاحفة، من فعل البشر ، المفسد في الأرض..
لا خيار للمعنيين بإنقاذ الكوكب بمن فيه، غير هذا التحرك التلقائي الصادق المنبني على قناعة مبدئية راسخة بوجوب الفعل والمشاركة الفردية والجماعية في تقاسم ضريبة الإصلاح ومستلزمات العلاج وكلفة وقف مسار الانحدار نحو هاوية الانقراض والانخرام والتفكك.
هذه القناعة تحملتها مئات الجمعيات المحلية والجهوية الوليدة في بلادنا، وبينها جمعية أحباء البيئة المنبعثة قبل عام ونصف بمرناق، محملة بهواجس الإنقاذ، والمشحونة بقناعة راسخة في إمكان المشاركة بعملية متجهها الوحيد، النجاة.
متطوع لبلادي، أكثر من شعار ، حملتها قيادة الجمعية، بروح يحدوها العزم على وقف تيار اللامبالاة، ومعاضدة المجهود البيئي الوطني، والشروع في تعديل سلوك التونسي المتجاهل لمتطلبات صون بيئته وتعهدها.
ومما يميز تجربة هذه الجمعية الناشئة تركيزها الواضح على التربية والتنشئة، سواء في أعضائها المركزيين، او في أول شركائها من التعليم وكذلك المرأة، أو في روح المبادرات الأولى التي انطلقت بها.
فهذه الجمعية التي بعثت عشرين ناديا للمواطنة والبيئة، عددا من الفروع بمنزل جميل وقلعة سنان ومكثر وسيدي حسين وشنني قابس،، اقنعت مانحا دوليا هي مؤسسة هانس سيدل الألمانية لدعم عدد من مشاريعها وبرامجها، وبينها ، توزيع أكياس صغيرة على سواق السيارات لتفادي إلقاء فضلاتهم على الطريق، وتركيز مكونات خصوصية، على أقسام وبيوت نهج بيئي نموذجي مميز بمرناق.
ولا تخفي تجربة الجمعية الفتية المبهرة بمرناق، جهود نماذج أخرى بمناطق طالتها مآسي التنمية المختلة، ولسعتها نيران التدهور وفواجع التلوث البيئي، مثل جمعية التنمية والبيئة بالمظيلة، المصارعة للموت، والمتحركة ضد تيار الدمار البيئي في الحوض المنجمي.
وعلى غرار جمعيات قابس وصفاقس وبنزرت والقصرين، تتحرك مثل تلك الجمعيات، كقوى صامدة ، تستند لإرادة الحياة لدى مجموعات متساكنين ابتلتهم الأقدار وقست عليهم السياسات العرجاء، وطالتهم مظالم الدولة الوطنية عقودا من الزمن.
في كل ربوع البلاد، وفي مقدمتها الأقطاب الصناعية التقليدية تلك المستهدفة من مأساة الخراب البيئي، عناوين لجمعيات ومنظمات محلية تستنهض العزائم، وتستجمع الطاقات والإرادات، لمغالبة تيار الأمر الواقع، والضغط على السياسيين وصناع القرار، والسعي إلى إعادة رسم الخريطة وتشكيل المعادلات، بحيث يكون الإنسان، وصحته في قلب المشروع، ومركز التفكير والتخطيط.
المتطوعون لمواطنهم، والمتوثبون لخدمة وطنهم، باتوا اليوم يعلون الصوت ويعززون وتيرة التحرك والضغط، ويعلنون أن الفناء بالتدمير البيئي، وفق سياسات مختلة وخرقاء، ليس قضاء وقدرا، وهو بعض من أخطاء الأمس الشائعة، التي حان موعد تداركها وتلافيها.
وفي انتظار صياغة نهائية لمشروع قانون هيئة التنمية لاستدامتها وتركيزها ومباشرتها لمهامها، يملك مواطنون متطوعون، احقية السبق واقتراح السير في دروب بكر، فيها المسؤولية والالتزام والجد والجرأة على مجابهة التيار، والمروق عن السائد السهل..
في كل شبر من ثرى ارضنا، ما يستحق الحياة، ويسوغ التضحية، حتى يحلو مرها، ويطيب عيشها، للجميع، وبينهم، اقليات، على خط نار التلوث..