شمالا وتتواجد على الشريط الحدودي غربا على طول 135 كم إلى جانب هذا تتميّز الجهة بتنوع تضاريسها المتكونة من الجبال والهضاب والسهول وبالشريط الساحلي وحوض وادي مجردة كما تزخر ولاية جندوبة بالمشاهد الطبيعية الخلابة وبالشواهد على عراقتها وثرائها من ذلك المواقع الأثرية ببلاريجيا وشمتو وبلطة والتي شهدت جميعها تعاقب الحضارات البربرية والرومانية والإسلامية والى جانب هذا تمثل الجهة «خزان مياه البلاد» نظرا لإمكانياتها المائية الوافرة كمّا وكيفا وثرواتها الطبيعية الهامة.
أما عن التصرّف في هذا الثراء على مستوى الموارد والأوســاط الطبيعيــة فنشير الى ان تربة الجهة تنقسم بصفة عامة إلى ثلاثة أصناف بين التربة الطينية العميقة المتغدقة في بعض الأماكن المتواجدة في السهول والمناطق السقوية مثل طبرقة وبوسالم وسوق السبت وسهول غار الدماء ووادي مليز والتربة الكلسية الحساسة والمعرّضة للإنجراف وهي متواجدة في الأحواض ذات الإنحدار مثل عين الكريمة، السعادة وغار الدماء والتربة المنجرفة المتواجدة بالمناطق الجبلية الممطرة وتوجد في المناطق الشمالية للولاية ومن منطلق هذه الخصوصيات فإن أهم الإشكاليات التي تتهدد التربة تتمثّل في الإنجراف المائي والذي يعتبر نشيطا في ولاية جندوبة بسبب عدة عوامل نذكر منها بالخصوص نوعية التضاريس في الولاية وخصائها الجيولوجية ونوعية الممارسات الزراعية وعدم توازن تساقط الأمطار وغزارتها .
43 ألف هك مساحات مهددة بالانجراف
تقدر المساحة المهددة بالإنجراف بـ 43 ألف هك وهي تشمل المناطق الساحلية والداخلية للولاية على حد السواء الى جانب الإنزلاقات الأرضية والتي تخصّ المنحدرات وخاصة التضاريس الوعرة في منطقة خمير حيث تبدو آثار الإنزلاقات واضحة خاصة في منطقة العطاطفة بمعتمدية عين دراهم الى جانب تهديد الفيضانات للمناطق السهلية المنبسطة وقليلة الإنحدار مثل مدينتي جندوبة وبوسالم خاصة، وقد تسبب هذا المشكل في أضرار هامة خاصة على البنية التحتية كما توجد مساحات هامة متأثرة بالمفعول السلبي للتملح وذلك في السهول الطينية المنبسطة مثل سهل سوق السبت وبلاريجيا والبراهمي وقد تم التدخل في بعض من المناطق السقوية بإحداث شبكات لصرف المياه في بعض المناطق المتضررة كما يمثل الإستغلال العشوائي المفرط ودون اعتماد تداول زراعي محكم مما يؤثّر سلبا على إنتاجيتها ومردودها الزراعي إضافة إلى تقلص الغطاء النباتي الطبيعي مما سهل عملية الانجراف المائي.
ويذكر كذلك أن النمو الديموغرافي في الجهة وعدم وعي المواطن بأهمية الأراضي الفلاحية بالنسبة الى الأجيال المستقبلية ساهمت في التطور العشوائي للبناء في أحواز المدن وخلق تجمعات سكنية ريفية على حساب الأراضي الفلاحية.
القطع العشوائي للأشجار الغابية
ورغم ان الجهة تعدّ كذلك من أهم المناطق التونسية في مجال التنوع البيولوجي البري والبحري والذي حظي بعناية خاصة من خلال إدراج عديد المناطق ضمن المناطق المحمية على غرار الحديقة الوطنية بالفايجة ومحمية دار فاطمة والمحميات الطبيعية عين الزانة في عين دراهم و«بنت حمد» بفرنانة والغرة بغار الدماء والغابة الساحلية بين الزوارع وطبرقة المدرجة ضمن المحمية الطبيعة كاب نيقرو وكذلك الوسط البحري، فانه توجد مجموعة من التهديدات المسلطة على المآلف والغابات نذكر منها بالخصوص القطع العشوائي للأشجار الغابية والرعي والإستغلال الجائر للمنتوجات الغابية وما ينجر عنه من تأثيرات سلبية على التوازن البيئي والتوسع العمراني على حساب الأراضي الغابية وكذلك الحرائق التي تفاقمت خاصة في السنوات الأخيرة مما يتطلب التدخل العاجل بوضع منظومة للإنذار والتدخل العاجل الى جانب تهديدات تساقط الثلوج وخاصة في منطقة عين دراهم مما خلف أضرار هامة على الغابة واندثار بعض الأنواع النباتية والحيوانية النادرة ومحدودية الإمكانيات المسخرة للتصرف والمراقبة والإنجراد الناجم عن هشاشة الكثبان الرملية والإستغلال غير الشرعي للمناطق والموارد الغابية.
الإنجراف البحري
اما بالنسبة الى الشريط الساحلي في الجهة فيمتد على طول 30 كم تقريبا ويتسم بظاهرة الانجراف خاصة على مستوى المنطقة السياحية وذلك من جراء البناءات المتاخمة للكثبان الرملية وتفاقم هذا المشكل مع تهيئة ميناء الصيد البحري والميناء الترفيهي يطبرقة وهو ما يتطلب تدخلا عاجلا لاستصلاح هذه المنطقة حتى لا تتفاقم هذه الظاهرة وتشمل مناطق أخرى وإلى جانب مشكل الإنجراف البحري يعاني الشريط الساحلي بولاية جندوبة من عدة ضغوطات أهمها اتلاف الغطاء النباتي مما يسهّل عملية زحف الرمال وقطع الأشجار لغاية أنتاج الفحم وهي ظاهرة تخص الغابات الساحلية كما يتعرض الملك العمومي البحري الى عدة مخالفات تتمثل بالأساس في الانتصاب غير المرخص فيه من طرف بعض المؤسسات السياحية إضافة إلى بعض المخالفات الأخرى المتمثلة في البناء بالصلب وقد تم اتخاذ الإجراءات في الغرض حيث تم انجاز و-بالتعاون مع البرنامج المتوسطي للصندوق العالمي للطبيعة وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية- مشروع التصرف المندمج في الشريط الساحلي وذلك من خلال إعداد كشف مدقق للوضع البيئي والبحري والبري و إعداد مثال للتصرف في المحمية البحرية والساحلية في منطقة خمير/مقعد
البيئة الصناعية
اما بالنسبة الى البيئة الصناعية فنشير الى ان المناطق الصناعية بولاية جندوبة تتوزّع بالأساس في معتمديات جندوبة وجندوبة الشمالية وبوسالم وطبرقة ومن بين أهم الوحدات الصناعية الملوثة بالجهة نذكر معمل الآجر بجندوبة ومعمل «الألبان» ببوسالم ومعمل الشركة الوطنية للخفاف بطبرقة والمركب السكري ببن بشير والمسالخ البلدية ومقاطع المواد الإنشائية ومعاصر الزيتون وتعرف هذه المناطق عديد الاشكاليات منها وجود بعض المقاسم الشاغرة تحولت إلى أماكن لوضع الفضلات بمختلف أنواعها (مواد بناء وأتربة ونفايات بلاستيكية ومعدنية) وغياب مصبات مهيأة لتجميع نفايات الوحدات الصناعية وعدم توفر قطعة أرض لإحداث محطة ضخ المياه المستعملة بالمنطقة الصناعية بجندوبة والنقص في المساحات الخضراء بفضاءات المناطق الصناعية وتردي وضعية الطرقات الداخلية والممرات وركود مياه الأمطار في عديد الأماكن داخل المناطق الصناعية وغياب منشآت حماية المناطق الصناعية من الفيضانات الى جانب تكاثر الأعشاب الطفيلية في المقاسم الشاغرة والتي تمثل أماكن للرعي من قبل متساكني الأحياء القريبة وتصريف المياه الصناعية الملوثة دون القيام بالمعالجة الأولية مباشرة في الوسط الطبيعي المباشر أو في شبكة التطهير.
التلوّث على مستوى قطاع المسالخ
اما التلوّث على مستوى قطاع المسالخ فيمثل أهم المشاغل التي يتسب فيها هذا القطاع في عدم التجهز بمحطات التصفية الأولية حيث تقدر كميات المياه الملوثة سنويا بـحوالي 9000 م3 يتم سكبها في المحيط الطبيعي المباشر للأودية أو في شبكة الديوان الوطني للتطهير.
قطاع المواد الإنشائية
اما بالنسبة الى قطاع المواد الإنشائية فتعتبر ولايـة جندوبة من الجهات الثرية بالمواد الإنشائية نظرا لطبيعتها الجيولوجية المتكونة من مجموعة السلاسل الجبلية ذات الصخور القابلة للاستغلال والتحويل والمتمثلة في عدة خامات (حجارة رخامية وحجارة كلسية ورمل سيليسي وطين) ويبلغ عدد المقاطع المستغلة حاليا 12 مقابل 31 موقعا غير ناشط كما تسلط عديد الضغوطات على هذا القطاع حيث توجد بعض المقاطع أحيانا في أراض فلاحية وغابية أو محاذية لهذه الأراضي مما يتسبب في تدهور حالتها و يضر بالمظهر الجمالي والبيئي لها خاصة على إثر تصاعد الغبار كما تتطلب أغلب المقاطع عملية تهيئة كاملة لإدماجها من جديد في محيطها الطبيعي ويلاحظ كذلك عدم إلتزام مستغلي المقاطع بتطبيق مقتضيات كراس الشروط البيئية بالنسبة الى المقاطع التقليدية أو دراسة المؤثرات على المحيط بالنسبة الى المقاطع الصناعية وفي أغلب الأحيان لا تستجيب المقاطع التي هي بصدد الإستغلال إلى الشروط المعمول بها ولا تعتمد على استعمال المدارج رغم العلوّ الهامّ للواجهة الوحيدة وهو ما يشكّل خطرا على البيئة والمحيط وعلى سلامة العاملين في المقطع.
قطاع المعاصر ومصبات المرجين
أما بالنسبة الى قطاع المعاصر ومصبات المرجين فتوجد في الجهة 9 معاصر موزعة ترابيا على معتمديات جندوبة وجندوبة الشمالية وبوسالم وبلطة-بوعوان ووادي مليز وغار الدماء ويتسم هذا القطاع ببعض النقائص والإخلالات المسجّلة التي وجب العمل على تلافيها بما يسهم في تحسين جودة المنتوج من ناحية والمحافظة على سلامة البيئة والمحيط من ناحية أخرى ومن الاشكاليات المسجّلة في هذا الاطار النقص في صيانة وتهيئة الأحواض المستغلة حاليا لتجميع مادة المرجين طبقا للمواصفات الفنية المعمول بها وخاصّة من حيث التسييج واعتماد الإسمنت المسلّح في عملية البناء وعدم تبليط مكان تجميع مادة الفيتورة والنقص في تنظيف وجهر بالوعات وقنوات تصريف مادة المرجين ومياه غسل الزيتون ومياه سيلان الفيتورة وربطها بأحواض تجميع المرجين.
تحرير محاضر للمخالفات البيئية
بعد هذا العرض للوضعيات البيئية على مستوى مختلف القطاعات الحيوية في ولاية جندوبة بات من الأكيد والضروري اليوم وعلى بلديات الجهة المعنية وضع إستراتيجياتها الخاصة بآليات مقاومة التلوّث وذلك من خلال برنامج طويل المدى يقوم على دراسة المؤثرات على المحيط ذلك ان هذه الدراسة تعتبر أداة وقائية أساسية لحماية البيئة من التلوث والحد من استنزاف الموارد الطبيعية ومن المضاعفات السلبية للأنشطة البشرية في المجالات الصناعية والفلاحية والتجارية الى جانب العمل وفق آلية المراقبة البيئية بمراقبة كل المؤسسات الصناعية المنتصبة في ولاية جندوبة مع تحرير محاضر للمخالفات البيئية ووضع كراسات الشروط البيئية وذلك في إطار تقريب الخدمات من المواطن وبالتنسيق مع الإدارات الجهوية للوكالة الوطنية لحماية المحيط وبما يتطابق مع مقتضيات حماية البيئة مع تفعيل دور صندوق مقاومة التلوث مما يمكّن من إسناد منحة مالية من قيمة الاستثمار في المجال البيئي وخاصة للصناعيين كما بات على البلديات المعنية وضع منظومة للتصرف في النفــايــات المنزلية الصلبة والمشابهة واحداث وبعث مركز جهوي لمعالجة النفايات المنزلية الصلبة والمشابهة بما يمكّن من السيطرة كليا على عملية التخلص النهائي من النفايات على ان يتم بالتوازي مع ذلك غلق واستصلاح كافة المصبات العشوائية المتواجدة في ولاية جندوبة مع استصلاح المصبات العشوائية في الجهة وتحسين وضعيتها وخاصة في المصبات التابعة لبلديات جندوبة وطبرقة وبوسالم وذلك للحدّ من تأثيراتها السلبية على البيئة والمحيط الى جانب العمل على دعم منظومة جمع واستعادة وتثمين النفايات البلاستيكية.
النقاط السوداء
وإذ عرضنا من خلال هذا الملف النقاط السوداء لمختلف اشكاليات التلوّث البيئي في ولاية جندوبة فإن مقترحنا لبلديات الجهة وفي ظلّ الحوكمة المحلية لوضع استراتيجيات بيئية من شأنه ان يساهم في تثمين وتفعيل المخزون الطبيعي والايكولوجي المميّز للجهة ويدعم استثمار الشباب في البيئية البديلة والقطاعات الحيوية المتجدّدة وهو ما يتطلّب وعيا وارادة بلدية محلية للقيام بدورها التاريخي في هذا المجال.