وحكاية التونسي مع محيطه المباشر وبيئته العامة لم تغلق بقوس الممارسات المخلة التي شابت الصور وعكرت صفو تونس الخضراء
تدل على ذلك العود للأصل بالمئات من المبادرات والتجارب الجماعية في الأحياء والمدن، ومحاولات محو القبح وإزالة الأذى ووقف النزيف البيئي
فعلى طول البلاد وعرضها حركات جمعياتية وحملات تطوعية ومشاريع بيئية تجمع قدرات الأفراد ومجموعات المتساكنين حول برامج تنظيف وتشجير وتوعية بموارد ومنظومات وتدريب على ممارسات صديقة للبيئة والطبيعة
وفي جل هذه المحطات أكثر من حملات نظافة عرضية ، وسعي لتشريك واسع للمواطنين وانخراط جمعي فعلي في مجهود مستمر يرمي لوضع حد لمظاهر التلويث وإهدار المقدرات البيئية بأصنافها وترسيخ مبدإ تقديس الحق العام في حماية الملك الطبيعية المشترك
كما تشكل هذه المبادرات شيئا فشيئا قطعا متكاملة ضمن لوحة تبرز نتاج إرادة عامة للقطع مع نزوات الإفساد ومظاهر الأنانية والعبث بالبيئة، ومأسسة السلوك البيئي الفردي والجماعي الرشيد
ومع بؤس مشاهد التلويث المستمر، رغم كل شيء للمساحات العامة، تؤشر جهود الناشطين في بناء مشاريع تتراوح من تحويل نقاط سوداء لساحات خضراء، كما في المروج و قليبية مثلا، وتشريك الأسر في التكفل بالفرز الانتقائي للنفايات والتهيئة للتثمين كما في تونس الرسكلة بالضاحية الشمالية، والتصدي لرواسب التلوث الخطير كما في صفاقس وقابس، والمناداة بالقطع مع أسباب الإضرار بتوازنات منظومات الجزر كما في جربة وقرقنة، والعزم على المشاركة الجادة في تقوية الموقف البيئي الرسمي والمدني للتصدي لمخاطر التلوث وتغير المناخ، وبلورة مشروع الهيئة الدستورية العليا للتنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة
كما تبين نجاحات المنظمات في اقتراح وتنفيذ مشاريع نوعية بتمويلات دولية من صناديق البيئة والطبيعة واتحاد صون الطبيعة، ومشاريع جمعياتية تمولها وفق معايير مدققة الجهات الأوروبية، ومن بينها الجانب الفرنسي ضمن مشروع تنموي بمحيط الشعانبي،كلها تؤكد مدى نضج الفعل الجمعياتي وتطوره المتواصل نحو الاستجابة لمتطلبات تحقيق التنمية المستدامة ومجابهة شتى التحديات من إزالة التلوث وتأقلم مع تمظهرات تغير المناخ وتأسيس اقتصاد أخضر
وتسهم عديد الجمعيات عبر برامج وزارة البيئة والمؤسسات تحت إشرافها في توفير ضمانات حقيقية لنجاح تلك المشاريع والبرامج الهامة والحيوية ومنها البرنامج الوطني للنظافة الذي تشكل الجمعيات المحلية ومساهمتها الفعلية ضمانا لنجاحه وديمومة نتائجه
وفي ذات السياق سيشكل لقاء الجمعيات قريبا ضمن مبادرة وطنية جامعة للبلديات والنخب والفاعلين حول وزارة البيئة وشركائها مناسبة لتثمين مستوى المنجز، والسعي لإثرائه وتطويره عبر أشكال مبتكرة ذات طابع مواطني واتصالي ، مناسبة فريدة لرصد مدى استعداد التونسيين لإنجاح هذا المشروع الضخم، وإكساب العمل البيئي العمق والنجاعة بتوسيع دائرة إشعاعه وفاعليه لتشمل جل التونسيين ، من رسميين وناشطين ومثقفين ومشرعين وسياسيين وغيرهم..
إنها فرصة أخرى ليدرك الجميع أن التونسي، مواطن بداخله ضمير يعلن في فخر واعتزاز..تونسي وبلادي نظيفة