إضاءة: خارطة محلية للانتقال البيئي

«فكّر كونيّا وتحرّك محليّا» طرح هذا الشعار منذ عدة عقود، منذ أن اصبحت العولمة

ظاهرة مهيمنة على حياة ومصائر المجتمعات، المتقدم منها والسائر في طريق النمو. ليس هناك اتفاق على من أطلق هذا الشعار الذي انتشر وأصبح وصفة استراتيجية، فيقال إن أول من طرحه هو ديفيد براور، مؤسس منظمة «أصدقاء الأرض» في عام 1969. كذلك يُنسب هذا الشعار إلى رينيهدوبوس الذي كان مستشاراً لمؤتمر الأمم المتحدة للبيئة الانسانية عام 1972. وينسبه البعض إلى عالم المستقبليات الكندي فرانك فيثر الذي ترأس مؤتمراً في عام 1979، حمل ذات الشعار تقريباً. وهناك روايات أخرى تنسب صك الشعار إلى أشخاص آخرين.

المهم أن «فكر عالمياً واعمل محلياً» بات شعاراً أشهر من نار على علم، وقد تبنته شركات كبرى شهيرة ومنظمات وجمعيات عبر العالم. ويمكن القول انه تحول إلى استراتيجية ضمنية للحركات والمنظمات غير الحكومية في مواجهتها لتحديات العولمة وضغوطها اليومية على حياة الناس.
وهي من المقولات التي تدعو لتعبئة الكوامن والإرادات المحلية للتحرك الجماعي ووفق رؤية مشتركة لتغيير المشهد وإعادة تشكيل الواقع وفقا لمخططا مرن ترسمه طاقات المجموعة وتحدد بوصلته النخب المنتخبة وغيرها من الكفاءات المنتسبة للجهة أو المنطقة أو البلدة أو الجزيرة.

فقد ولى زمن الإسقاط والقرار المركزي، والبرامج المعممة الصالحة لكل التجمعات والمدن ، ولا مفر من تحمل المواطنين و»الساكنة» وفق ما يطلق عليه بالمغرب الشقيق، أي المجموعات السكانية، المسؤولية في أخذ زمام المبادرة ومشاركة اصحاب القرار والمسؤولين السياسيين سواء في الحكومة أو على المستوى الجهوي والمحلي نصيبا من التهيئة والإثراء لإنضاج أنسب الخطط والمشاريع لحاجيات المنطقة ولخصائصها.

ففي التصور الجديد للسلطة، يملك الفاعلون عبر التقسيم المرتب إمكانات هائلة لبناء أقطاب تنموية وتعزيز التفاعل بين مختلف الأطراف والقطاعات والمجموعات لتحريك قطار التنمية وتوفير إجابات قريبة وسريعة لأسئلة المتساكنين والشرائح المختلفة وفقا للمقدرات والسياقات والاختيارات الجماعية.
فقد بات بوسع الجميع توسيع لائحة الخيارات، وتنويع مجالات الفعل والسياسة والتخطيط والتهيئة.

الأمر يتطلب فقط شيئا من الإرادة وروح الالتزام الجمعي بالتكامل والتعاون والتبادل، بين مجموعات التفكير والكفاءات والخبراء والكوادر في المؤسسات العمومية والخاصة، لإنشاء آليات صنع القرار وبناء استراتيجيات تنمية الجهات وتحقيق التوازن وتلبية احتياجات الأجيال الراهنة والقادمة,
تستدعي مجابهة المشاكل المختلفة التي تعانيها المناطق الحرية وغيرها خارطة عمل مدققة ترسم وتحين بمجهود تشاركي، وباقتراح ينبع من ارض المنطقة، وينبعث من تربة الجهات المعنية في لحظة وعي بضرورة التعاون من أجل تجاوز إرث المخلفات السابقة، ومراكمات سياسات المركزة والأحادية والتهميش والإقصاء.

بعيدا عن إلقاء اللائمة على الآخر، وتحميله ما لا يحتمل، يحسن بالمجموعات والفاعلين وقوى المجتمع المدني المتحمسة للمسألة البيئية ولإعادة ترتيب الوضع المحلي وفق التنمية المستدامة، افتتاح صفحة جديدة من المسوؤلية والاعتماد على الذات وتكامل الأفكار والقدرات، وبناء شكل ملائم للقرار الجماعي، يسمح بتهيئة الطريق لرسم وتنزيل الحلم المشترك في مدينة متطورة متوازنة تحمل مقومات جودة الحياة والرفاء والاستدامة.

ببساطة، يشكل الاستحقاق البلدي، القريب فرصة تاريخية لتكريس هذا المنهج وتنزيل تلك المقاربة واعتماد صيغة جديدة في العلاقة بين المواطنين والسلطة تمكن الفئات المشكلة للمجتمع المحلي من حد مناسب من السلطة والقدرة على تحديد خيارات الجهة والمساهمة عبر الندوات الحوارية والجلسات التشاورية والمهيدية للمجالس البلدية من الإدلاء بدلوهم والدفع نحو متجهات القرارات والسياسات التنموية التي تخص مدينتهم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115