إضاءة: مقومات لبيب..الواقي، المتابع والرقيب

تشهد الساحة الوطنية من حين لآخر إطلاق مبادرات وتدابير جديدة في اتجاه تقليص مظاهر التلوث، وضبط السلوك الفردي والجماعي

في اتجاه ضمان أوفر حظوظ التوازن والمعادلة بين البيئة والتنمية، ومن بين تلك الخطوات ما أطلق السنة الماضية من دوريات وفرق تابعة لجهاز الشرطة البيئية، واتخاذ قرار قانوني في اتجاه المنع التدريجي لاستعمال أكياس البلاستيكية شديدة الضرر بالبيئة..
خطوات هامة، ولكن كم تحقق في طريق القطيعة مع ذهنية الإخلال دون عقاب، وثقافة الأنانية وانتهازية الاستباحة اليومية للمكتسبات البيئية الجماعية في واضحة النهار؟

يلاحظ كثيرون أن البون ما يزال شاسعا والهوة سحيقة بين شكل تعاطي الناس في الغرب، وفي بلادنا تجاه البيئة ، والفروق الماثلة في أشكال التفاعل مع ابجديات الخضرة والنظافة والسلوك المدني والمتحضر حيال العمومي المشترك وفي مقدمته مكونات الفضاء العام ومقوماته البيئية.
يلتقي كثير من المهتمين بالشأن البيئي مع المربين وأخصائيي علم الاجتماع والقانون في تأكيد حقيقة أساسية تعتبر أن التدابير القانونية وحدها لا تكفي، ونشر التعليمات والإشارات كذلك لا يغني في تعميم السلوك البيئي القويم وبناء مواطنة بيئية يتبناها كل الأفراد والمجموعات.
وينتهي المفكرون والمحللون غالبا إلى أنها في الغالب إشكالية وعي، وأزمة ضمير، وخلل قائم في مستوى النفس والبنية الذهنية ونمط التصور ومنظور المقاربة، المرتبط بطبيعة التبنية وفقا لمسار تنشئة وتربية ومن ثم ثقافة سائدة في المجتمع.

وموازاة مع تلك القضية الأصلية الجوهرية، وفي انتظار حسمها جذريا عبر بناء منظومة وطنية للتنشئة على المواطنة البيئية وفقا لخصوصيات المجتمع وبمشاركة خلاياه ومؤسساته المختلفة بدءا من الاسرة وصولا لأجهزة الدولة، يتحمل الفاعلون في الدولة والمجتمع مسؤولية بناء مقاربة عامة ومأسسة ترمي لتحقيق متجهات تلك التنشئة وتمهد لها عبر تشكيل عدد من الضوابط والمعالم والمؤسسات الساهرة على رسم مناهج الانتقال البيئي، والتهيئة لتوجه البلاد تدريجيا نحو مستويات من الوعي والالتزام بمتطلبات سلامة البيئة وتجسيم خيار التنمية المستدامة.

لا مفر من بناء المقاربة البيئية لمؤسسات المجتمع والدولة على مقومات أساسية من بينها دعائم ثلاث كانت قبل عقدين الدعائم المركزية لسياسات الدولة المعلنة في المجال البيئي، وتتركز حول الوقاية والمتابعة والرقابة.
فمن المفترض أن تنبني استراتيجية وطنية جامعة تشترك في صياغتها الأطراف المجتمعية الفاعلة مركزيا وجهويا ، وتقترح خططا عملية لتكريس مبادىء العمل البيئي وتحقيق متجهاته ومقاصده وفقا للمحاور الفرعية الثلاثة.
ففي غياب الاستراتيجية ، تخبط الجهات المعنية خبط عشواء.

وفي انعدام أحد تلك المقومات الثلاث، تسير البرامج خطوات عرجاء.

ولا مجال لتأجيل واحد منها بدعوى الأولوية وإكراهات الظروف ومنطق الإمكانات، فالمشروع البيئي الجامع يفترض تناسقا في الأبعاد، ومعادلة منهجية تولي الوقاية بالتربية وبالتشريعات الملائمة وغيرها والتـأسيس المستقبلي لفادي الإخلالات من الجذور، كما توفر عبر المتابعة، قدرا من المراصد لتشخيص الأوضاع البيئية تمهيدا لتحسينها.
وتتوفر الاستراتيجية على منحى علاجي،و ما يلزم من أجهزة وآليات لتقويم الاعوجاج ورفع المضرات وإزالة النقاط السوداء وردع المخالفات وغيرها.

فالمقاربة البيئية ثلاثية الأبعاد، أو لا تكون، وتتراوح مقدرتها بين التوقي والتحصين للمستقبل ، والمعالجة واستئصال الداء، مرورا بالمتابعة وتنفيذ البرامج المثبتة للمبادىء والمرسخة لمسار الحماية والاستدامة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115