إضاءة: المفترق

عوامل ومؤشرات وإكراهات تدفع في اتجاه الحسم واتخاذ قرار واضح في مستقبل البيئة ومن ثم موارد الحياة للأجيال القادمة..

لم يعد في الزمن والمجال متسع لتردد أو ترف لتجريب وتكرار هفوات، وتفادي القرار الصعب والخيار الجريء الآمن,,
فالحال البيئي يحرض على تلبية النداء وتعديل الأوتار، ومن ثم تغيير الوجهة وتبديل الزاوية..
البيئة ليست شكلامظهريا وكمال ديكور، وبعض متممات الراحة، وتقليصا لبعض مصادر الإزعاج

والبيئة بالضرورة أبعد مدى من مجرد معالجة طارئة لمظاهر تلوث، أو تفاقم لأشكال تناثر نفايات، وتداول لأكياس عدوة للبيئة ، واعتداء أحمق على شريط ساحلي وما شابه.
البيئة ، ابتداء، بطاقة هوية، ومحددات لأمان معيش راهن، ومستقبل ومصير.

لذلك، توجب مراجعة التحرك انطلاقا من ضبط المفهوم، الذي بمقتضاه يتصرف الفاعلون ويتحرك المشرعون والمهندسون والمجتمع وأصحاب القرار
فلا يمكن ضمان مسار واضح لحماية البيئة وصونها وديمومة مكوناتها في ظل نظرة قاصرة أو جزئية للبيئة تقوم على جوانب مجاورة للنظافة
فهي عناصر الكيان البيولوجي المشكل للموارد والمنظومات والإرث الطبيعي وما يحف بها من معارف وخبرات وتشريعات.

ولا يشكل التلوث والإفرازات الصناعية والبشرية سوى جانب من هذا الجسم الكبير الذي لا يمكن التعاطي معه بالتركيز على مشاكل إفرازاته الصلبة والسائلة دون غيرها على أهميتها أو البناء عليها باعتبارها المرتكز الأولي والأساسي للمقاربة البيئية.
فالسياسات البيئية المعتمدة والتي لا يمكن عزلها عن سياق المجتمع وتطور وعي أفراده ومجموعاته حيث لا يمكن التفكير في إمكان نجاح وجهة نظر أو رؤية سياسية أو خطة بيئية مسقطة على الواقع ومجانبة لخصائص البنية السوسيو- ثقافية للمجتمع.
فالاستراتيجية البيئية المأمولة مع إلزامية تأسيسها على مفهوم شمولي للبيئة، ينطلق من إقرار أهمية مصيرية للسياسة المزمع انتهاجها، باعتبار وقعها الأأكيد على حقوق الأجيال القادمة، والاستناد لموروث من الخبرات والتجارب والمساهمات المتراكمة لأجيال من الناشطين والسياسيين والأكاديميين وغيرهم من المتدخلين في مختلف القطاعات، كالفلاحة والماء والغابات والطاقة والمناجم وغيرها.

ولعل التوجه نحو تنزيل هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة، المتزامن مع السعي لإنجاح الاستحقاق الانتخابي البلدي، يتيح إمكانية إعادة طرح سؤال البيئة في لحظة مفصلية ومنعرج يتجاوز في دقته وإلحاحيته مجرد الضغوط المتعلقة بتشكيل حكومي أو الاستجابة لمقترحات فئوية أو حزبية أو حتى سياسية مرحلية.
البيئة ليست قطاعا إنها مجال أفقي شامل وجامع لباقي المجالات والقطاعات والتخصصات.

إن خطورة مسألة البيئة، توجب على المجموعة المؤثرة في مسار الأحداث، النأي عن سياقات الراهن واليومي والمعيش، والتحلي بصبغة منهجية تأخذ في الاعتبار معطيات التحديد الشمولي للبيئة، والخطورة المتناهية لأي خيار جزئي أو محدود للتخطيط والقرار والسياسة البيئية، ويفرض تعديل القيادة وإعادة تبويب معالم الرؤية في لوحة القيادة الوطنية بحيث لا يقل اعتبار البيئة عن حقيبة السيادة الوطنية، بما هي متمفصلة مع السلامة الحيوية والأمن الغذائي، وديمومة مصادر التنمية الزراعية والطاقية وغيرها.

ولعل اللحظة الراهنة بما تكتسيه من شحنة الفعل/رد الفعل العاجل لتقليص الضغط وتخفيف العبء على الطبقات السياسية وغيرها في مجابهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المطروحة اليوم وما يمكن أن يستتبعها من محددات ملامح الفريق الحكومي وأولويات عمله تتيح لقادة المركبة إفراد البيئة بمفهومها الشامل والاستراتيجي والحيوي، بلوحة قيادة مستقلة تؤثر ولا تنفعل بباقي اللوحات، وتتدخل في تشغيل باقي المحركات وتطعيم المحركات القطاعية الجانبية بأولويات التحرك وتعليمات السير ومعالم التوجه في مختلف الميادين السياسية والقطاعات التنموية بلا استثناء.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115