إضاءة: الذهب الشفاف أو «أزرقنا الخطير»...

مرة أخرى يقرع الماء بابنا، ويطرح سؤاله القديم الجديد: إلى متى لا نحكم التعاطي معه زائرا غريب الأطوار، وقادما حمالا للأمل وبشائر الخصب والأمان؟

أوليست تونس بين قرابة الخمسة عشر دولة عربية ضمن خط الفقر المائي.

وبعد إشكالات وهواجس طرحتها سوابق اضطراب صيفي في تزويد مناطق بالماء الصالح للشراب، تقتحم غسالة النوادر، بصحبة العصفور المائي النادر،معيشنا اليومي، وتحمل معها رتابة الجفاف، وصمت الصحو، وترحل بعربات وتخسف طرقا، وتغمر مساكن وتحمل أرواحا بريئة جرفتها مياه السيول في سوسة.

هل أن ما عشناه خلال الأيام القليلة مفاجأة غي مرتقبة؟

لقد قرأنا قبل فترة وجيزة افتراضات مقلقة عن مخاطر عطش وشيك وعن احتمالات مضاعفات وخيمة لتواصل شح المياه، من قبيل ، ماذا إذا وصل معدل الموارد المائية للفرد الواحد في الإنخفاض الى أقل من 350 متر مكعب في السنة حسب ما يتوقعه الخبراء، وهو الذي يتراوح اليوم بين 400 و450 متر مكعب؟

وتجدر الإشارة الى أن بعض الدراسات تتوقع أن مشكل نقص المياه في تونس سيتفاقم مع حلول سنة 2030 نتيجة تصاعد نسق الاستهلاك وتراجع منسوب المنابع.

وعلى الصعيد العربي أشارت عديد الدراسات الى أن أصل الداء يكمن في تزايد النمو السكاني وتنامي الحاجات التنموية والهدر المتواصل للماء وسوء استثمار الموارد فضلا عن التصحر وتملح التربة وتلوث البيئة وخاصة الأنهار والبحار وصولا الى الأطماع السياسية الكامنة وراء سرقة موارد المياه العربية في ظل غياب أي اتفاقيات دولية تنظم المياه بين الدول.

وبالنسبة لتونس يشار دائما عند الحديث عن أزمة مياه الى الإستهلاك المنزلي في الوقت الذي يستأثر فيه القطاع الفلاحي بنسبة ٪80 من حجم الإستهلاك، كما أن القطاع السياحي يحتكر نسبة كبيرة من هذا الحجم من خلال تجديد مياه المسابح والإغتسال وري النباتات... فضلا عن المشاكل الأخرى التي تهدد القطاع على غرار التسربات الحاصلة في شبكة الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه والشبكات الداخلية للمؤسسات العمومية والخاصة والمنازل.
كل ذلك ترافق في فترة غير بعيدة، بهاجس الجفاف والضمإ ومخاطر الندرة وما يستتبعها من معضلات تقسيط وتقليص ومراجعة الفواتير و..

نزل المطر وهمى الغيث النافع، وعشنا حالات صعبة في مدننا الصغيرة وأحيائنا التي كادت تغرق بعد دقائق من تساقط الغيث الذي ارتجاه التونسيون وصلوا لأجله صلاة الاستسقاء..
من جديد يطرح سؤال التحكم في الموارد المائية وتعبئة مواردها المحدودة وترشيد استعمالها، وقبل ذلك إدارة التساقطات وحركة الرحمة المنسابة حتى لا تستحيل إلى نقمة..

إنها مسؤولة مشتركة بين دوائر القرار ومصالح مختصة تزخر بالخبرات والكفاءات،تعكف على برمجة مشاريع السدود والبحيرات، وشبكات صرف مياه الأمطار، فضلا عن شبكات الصرف الصحي، وهي مشاريع عالية الكلفة، وتعرف التجديد والتطوير والصيانة الدائمة,
ويبقى المطمح في توفير آليات ، خارج لحظة الكارثة، واستباقا لسويعات انهمار الخير الذي يمن به على بلادنا وعلى أرضنا المتعطشة لأسباب الحياة والنماء، فنتحرك بالنسق المطلوب وبوتيرة لافتة خلال الرخاء والصحو، تخطيطا وتنسيقا بين المتدخلين لضمان تجاوز الثغرات والنقاط السوداء ، وتفادي الإشكالات والعواقب قبل وقوعها.

إن متجه النجاح في التحكم في كل قطرة من الذهب الشفاف، وموردنا الحيوي الأول ، مع إلزام صون أرواح العباد، وتثمين البنى والهياكل والتجهيزات، يفترض التعجيل بصياغة خطة واقعية متناسقة ذات آماد قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، يشترك فيها المعنيون أيا كانت إداراتهم، وإنشاء دليل إجراءات مبسط يضمن التحرك الآلي في كل الوضعيات، تفاديا للتداخل والتضارب و..

لعل الخبرة المهمة التي تختزنها مؤسساتنا وهياكلنا الوطنية، تحمل الجميع مسؤولية بلورة الرؤية ورسم مشروع جامع ييسر الحركة ويتفادي النقائص ويضمن للجميع الفعل الجماعي المركز والمتناسق وفي الوجهة المحددة، بما يضمن التوقي من صدمات حوادث تتكرر وتفقد مسوغات المفاجأة..

على أجنحة الأمل المشروع، وبعيدا عن رمي الكرة في مرمى أي كان، فالمؤسسات الوطنية تجتهد وتتحرك ولدى كوادرها ا يلزم من كفاءة وجد وثقافة التزام بالواجب، جديرة بالإشادة، وحتى ينعم البشر والاقتصاد بآثار الرحمة المتنزلة مع شآبيب المطر، وحتى لا تترافق زخات مطر الخريف مع كوابيس متكررة، في وسعنا الحد من مداها وتقليص مضرتها...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115