أمنتها في جدول أعمال سنة 2023: تونس تودع سنة 2022 بكثير من المخاطر الاقتصادية والمالية

تودع تونس سنة 2022 بكثير من المخاطر الاقتصادية والمالية التي أمنتها في جدول أعمال سنة 2023 وذلك دون أي خطط بديلة للخروج من ازمة ضاقت

منافذها وتوارثتها الحكومات المتعاقبة منذ الثورة الى اليوم دون التوصل الى سبل للخروج والتماس ضوء أخر النفق. ويواصل النشاط الاقتصادي في ظل الضغوطات التضخمية غير المسبوقة، تدارك الركود الذي تبع أزمة الكوفيد، ويظل الحدث الأبرز الذي ختم السنة هو قرار صندوق النقد الدولي إرجاء ملف تونس، إلى أجل غير مسمى، بعد ان تم الاتفاق بين الخبراء ، للحصول على قرض بحوالي 1.9 مليار دولار على مدى 4 سنوات.
اثار قرار صندوق النقد الدولي ردود فعل متفاوتة لدى الفاعلين في الأوساط المالية والاقتصادية في تونس وجدلا واسعا بين من أرجع ذلك إلى عدم توافق الأطراف الاجتماعية والحكومية، حول مضمون الإصلاحات المطلوبة من الصندوق، وأن ذلك قد يؤخر خروج تونس أزمتها المالية الخانقة، وبين من ساند مطالب صندوق النقد خاصة وان الوضع الاقتصادي في البلاد سيئ جدا ويتطلب تضحيات جساما من قبل الحكومة والشعب وان برنامج الإصلاح،الذي اشترطه الصندوق يهدف إلى دفع النمو والاستثمار وتحسين مناخ الأعمال، و إعادة هيكلة المؤسسات العمومية والتحكم بكتلة الأجور، وهي حلول مؤلمة لكنها اكيدة.
سنة صعبة جدا على التونسيين
ونحن نستقبل سنة قال عنها وزير الاقتصاد التونسي سمير سعيد، أنها ستكون صعبة جدا على التونسيين، متوقعا صعود نسبة التضخم إلى 10.5 بالمائة في المتوسط خلال 2023 ارتفاعاً من 8.3 بالمائة متوقعة في 2022 و9.8 % في نوفمبر الماضي، مع استمرار زيادة الضغوط التضخمية، ومع ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية الذي يؤدي إلى زيادة عجز الميزانية، و يتسبب في تفاقم العجز المزدوج، وسط مسار معقد ومحفوف بالمخاطر التي يغذيها عدم اليقين بما يحدث في الساحة العالمية من جهة والمحلية من جهة أخرى، حصر صندوق النقد الدولي نسبة نمو الاقتصاد التونسي لسنة 2023 عند مستوى ضعيف لا يتجاوز 1.6 % وهو ما يعني ان السنة ستكون صعبة بامتياز، على غرار السنوات السابقة التي لم تكن أكثر ارتياحا، بل إتسمت بنسب فقر وبطالة مرتفعة علاوة على ارتفاع نسبة التضخم وانهيار المقدرة الشرائية وارتفاع مستوى المديونية وتآكل الطبقة الوسطى.
وقد عولت تونس كثيرا على صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بحوالي 1.9 مليار دولار على مدى 4 سنوات و فتح أبوابًا إضافية للتمويل والدعم المالي، بأقل التكاليف ، وبعد ان تم الاتفاق على مستوى الخبراء إلا أنه مع منتصف شهر ديسمبر تم سحب ملف تونس وإرجاءه إلى أجل غير مسمى بعد ان استهلكت تونس تدريجيا رصيدها من الثقة لدى صندوق النقد الدولي. بدات تونس تفقد رصيدها من الثقة لدى صندوق النقد الدولي الذي عرفت معه سابقات ايقاف تمويل نذكر جيدا ان الصندوق سنة 2015 لم يصرف اخر قسط من قرض تحصلت عليه تونس سنة 2013 بقيمة 1.74 مليار دولار رغم انتهاء الآجال في 31 ديسمبر 2015 وبسبب عدم استكمال بعض الإصلاحات المتفق حولها مع الصندوق وهو ما من شانه ان يؤثر في مصداقية تونس وقدرتها على الايفاء بتعهداتها، وهو ما اشار اليه الصندوق عندما اشترط مبدا التوافق حتى لا يظطر الصندوق الى اعتماد قرار التوقف مما يعقد مسار المفاوضات .
الدول تحت مراقبة المعايير
من جهتها أزالت وكالة «فيتش رايتنغ» للتصنيف الائتماني تونس من قائمة الدول تحت مراقبة المعايير under criteria observation uco، ورفعت تصنيفها من CCC الى CCC+ وربطته هذا بنجاح تونس في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي الا انها في فترة ما لم تنف تواصل وجود مخاطر حقيقية تهدد استمرار البرنامج، رغم أنها قد خفضت تصنيف تونس في شهر مارس الفارط من B- الى CCC وهو الترقيم الذي مخاطر ائتمانية كبيرة وهامش منخفض جدًا للسلام مع وجود خطر حقيقي في مدى تسديدها لديونها، وقالت فيتش أن برنامج صندوق النقد الدولي يهدف الى معالجة نقاط الضعف الهيكلية للترفيع في العائدات والتحكم في فاتورة الأجور وإصلاح المؤسسات العمومية، وهي نقاط مازالت حيز البحث في آليات تطبيقها التي قد تواجه صعوبات وتعقيدات كبيرة بين المؤيد والرافض لها مع تمسك صندوق النقد بقراراته وبما التزمت به الحكومة التونسية من إصلاحات خلال المفاوضات .
وبالنظر إلى قلة الموارد المالية وصعوبة التفاوض مع المؤسسات المالية المانحة واجهت تونس سنة صعبة جدا على جميع المستويات زاد تعقيدها عدم اليقين السياسي بين مؤيدين ومعارضين وبين من يتفائل خيرا ومن يتوجس خيفة من سنة مقبلة ثقيلة الإرث صعبة الاحتمال، حيث تقدر موارد الاقتراض لسنة 2023 وفق الميزان الاقتصادي 24.1 مليار دينار أي 13.8 %من الناتج المحلي الإجمالي وينقسم إلى 8.1 مليار دينار اقتراض داخلي ليمثل 34 % من جملة الاقتراض و 15.9 مليار دينار اقتراض خارجي أي 66 % من الناتج المحلي الإجمالي.
فتح باب الاستثمارات
يعتبر اغلب الخبراء والمتابعين للشأن الاقتصادي ان تونس مجبرة بطريقة او بأخرى على فتح باب الاستثمارات وتطوير أساليب النفاذ الايجابي الى النسيج الاقتصادي عبر بعث منشات واستثمارات تساهم في التخفيف من حجم البطالة والضغط النفسي الذي يعيشه التونسيون بسبب البطالة وارتفاع التضخم وتدهور مستوى المعيشة الا ان هذه السنة لم تكن سنة الفرص والامتيازات حيث سجلت وكالة النهوض بالصناعة والتجديد في نشرية الظرف الاقتصادي للأشهر 11 الأولى من العام الحالي انخفاضا بـ 4.6 % على مستوى الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي وتراجع عدد المشاريع المعلن عهنا بنسبة 11.3 % وتبعا لذلك تراجع عدد مواطن الشغل بـ3.1 %، كما انخفضت الاستثمارات المصرح بها في مناطق التنمية الجهوية بنسبة 12.6 %.
من جهته قال البنك الدولي في أحدث عدد أصدره من تقرير «المرصد الاقتصادي لتونس» أن بطء وتيرة تعافي الاقتصاد من جائحة كورونا، والتأخير في تنفيذ الإصلاحات الرئيسية بما في ذلك إصلاح منظومة الدعم، سيؤديان على الأرجح إلى ضغوط إضافية على المالية العمومية للبلاد وزيادة عجز الموازنة والميزان التجارين ويتوقع البنك بأن يبلغ معدل النمو الاقتصادي 2.7 % في عام 2022، ويُرجعُ ذلك إلى حد كبير إلى انتعاش السياحة والتجارة فيما بعد جائحة كورونا، بالإضافة إلى الأداء القوي لقطاعي المناجم والصناعات التحويلية الخفيفة ومع ذلك من المتوقع أن يظل آداء الاقتصاد في سنة 2022 أقل كثيراً عمّا كان عليه في فترة ما قبل الجائحة. وتعليقاً على هذا التقرير قال ألكسندر أروبيو، مدير مكتب البنك الدولي في تونس خلال لقاء إعلامي ان تونس واجهت تحدياً مزدوجاً يتمثل في ارتفاع أسعار السلع الأساسيّة والحرب في أوكرانيا، والتي خلقت ضغوطاً هائلة على إمدادات القمح والطاقة العالمية. وإدراكاً من البنك الدولي لهذه التحديات غير المسبوقة، فقد منح في نهاية جوان قرضاً بقيمة 130 مليون دولار لتونس للمساعدة على تخفيف تأثير الحرب في أوكرانيا على الأمن الغذائي للبلاد، وسيتيح ذلك للحكومة تمويل مشتريات الحبوب مع البدء في تنفيذ الإصلاحات المعلنة.
كل ما أورده صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من تقارير خلال الأشهر الأخيرة من سنة 2022 يظل مجرد مفاوضات على ورق رهينة ما ستقرره الحكومة التونسية من إجراءات لتنفيذ ما تم الاتفاق حوله سابقا ورهينة ما سيتم التوصل إليه من توافقات مع الأطراف الفاعلة في البلاد على غرار المنظمة الشغيلة، علما وان وزير الاقتصاد يؤكد انه لا بديل عن صندوق النقد الدولي وأنه لا توجد خيارات أخرى سوى القبول بخطة الإصلاح المتفق عليها من أجل تعبئة الموارد المالية اللازمة لتمويل الميزانية وتوفير السيولة الكافية لنفقات التسيير.
لئن كانت سنة 2022 سنة المصاعب والإرث الثقيل فان سنة 2023 ستكون سنة القرارات الحاسمة التي إما أن تخرج بالبلاد إلى مرفأ الأمان أو أن تزيد في عوامل إغراق السفينة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115