بيان مجلس إدارة البنك المركزي التونسي وتدهور المالية العمومية: ناقوس الخطر الاقتصادي والمالي يدق بشدة.. وأغلب المؤشرات حمراء سالبة

شغل امس بيان مجلس إدارة البنك المركزي التونسي اثر اجتماعه الدوري يوم 6 أكتوبر 2021 اغلب المنابر الاعلامية والرأي العام على حد سواء وتداولته

اغلب وسائل الاعلام والمواقع الالكترونية كما اثأر جدلا واسعا في اوساط المهتمين بالشان الاقتصادي والمالي في علاقة بوضعية المالية العمومية في البلاد التي تعيش ظرفا دقيقا ومعقد .

لئن اكد مجلس ادارة البنك المركزي على أن تدهور المالية العمومية التي تعاني وضعية هشة علاوة على تداعيات ارتفاع الاسعار العالمية للنفط التي من شأنه المساس باستدامة الدين العمومي إلى جانب التأثيرات السلبية لارتفاع مديونية القطاع العمومي تجاه القطاع البنكي خاصة على قدرته على تمويل المؤسسات الاقتصادية، و أن استمرار هذه الوضعية ستكون له تداعيات جدّ سلبية على التوازنات الخارجية وسعر صرف الدينار، وشدد المجلس من جهة اخرى على ضرورة التعجيل في إعطاء إشارات واضحة للمستثمرين المحليين والأجانب بخصوص استرجاع نسق النشاط الاقتصادي والتوازنات الكلية والمالية وتعزيز حوكمة القطاع العمومي وتحسين مناخ الأعمال والرفع من المجهود الاستثماري.
كيف ذلك وعن أي اشارات يتحدث البنك المركزي ؟ وهل ان المناخ الاستثماري في تونس قادر على جلب مستثمرين يتوجسون خيفة من وضح اقتصادي حرج ومخيف بامتياز؟ وهل ان التشريعات والقوانين الموجهة للاستثمار والمستثمرين قادرة على طمأنة وجلب رؤوس اموال باتت تعتبر تونس وجهة غير امنة وليست بالأرض الواعدة الجالبة للثروة ؟؟

الوضعية الاقتصادية
عكس ما تم فهمه او الاشارة اليه فان الوضعية الاقتصادية لم تتحسن وكل المؤشرات حمراء سالبة فبالنظر الى ما قدمه البنك المركزي من ارقام تتعلق بنسبة النمو ولئن تمت الاشارة الى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي خلال الثلاثي الثاني من سنة 2021، بـ 16,2 ٪ مقارنة بنفس الثلاثي من السنة المنقضية فذلك ليس مؤشرا مطمئنا ليس من شانه ان يكون حافزا لمزيد التحفيز على العمل وخلق الثروة وليست له أي معنى مقابل الركود الاقتصادي الذي شهده الاقتصاد العالمي برمته وتونس لم تكن بمعزل عنه بل كانت من اكثر الدول المتأثرة سلبا بفعل تداعيات ازمة الكوفيد 19 التي ضربت كل مفاصل الاقتصاد ومحركات النمو والثرة وما يجب الاشارة اليه والتأكيد على خطورته وأهميته هي التراجع الذي بلغ 2 ٪ مقارنة بالثلاثي السابق نتيجة خاصة للتأثير القاعدي لانخفاض النشاط الاقتصادي خلال نفس الفترة من السنة السابقة، وهو مؤشر يعتبره المختصون في الشأن الاقتصادي، خطيرا ستكون له انعكاسات سلبية لاحقة وجب تفاديها من خلال اليات عمل محددة .

اما فيما يتعلق بتطورات القطاع الخارجي اشار البنك المركزي الى تقلّص العجز الجاري، خلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2021، ليصبح في حدود 3,5 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 4,8 ٪ قبل سنة بالنظر الى تطور مداخيل الشغل التي عرفت ارتفاعا بـ +42,8 ٪ وهي ليست عائدات ثروة ولا ناتجة عن حركية اقتصادية في البلاد او نتيجة استثمارات وموارد نفعية متأتية من النشاط الاقتصادي في البلاد وبالتالي يصعب اعتبارها احدى ركائز الاقتصاد الاساسية بل هي من المحركات الاستثنائية للثروة والنمو وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها كمداخيل اساسية او دائمة في غياب محركات الانتاج والنمو الفعلية، وهو ما ينسحب ايضا على العائدات التي حققتها المداخيل السياحية التي عرفت نموا نسبيا ب +5,2٪ لكنها مازالت بعيدة كل البعد عن المستوى العادي للسنوات المرجعية .

استقرار التضخم
لاحظ البنك المركزي استقرارا في نسبة التضخم، بحساب الانزلاق السنوي، في حدود 6,2٪، في شهر سبتمبر 2021 مقابل 5,4٪ خلال نفس الشهر من السنة الماضية، غير ان ما يمكن ان نشير اليه في هذا الشأن ان هذه النسبة سيكون لها تأثير مباشرا على نسبة الفائدة المديرية حيث لا يمكن التخفيض في نسبتها مادامت نسبة التضخم في هذا المستوى بما يعني ان المستثمر او المستهلك في غياب الموارد الذاتية سيتوجه مباشرة الى الاقتراض لتوفير حاجاته الاستهلاكية من البنوك والتي ستكون نسبة فائدتها مرتفعة ويتحكم فيها مستوى التضخم المسجل في الفترة ذاتها، وبالتالي مادام مستوى التضخم مرتفعا فسيقابله بالضرورة ارتفاعا في نسبة الفائدة المديرية او استقرارا في مستوى معين دون امل في تخفيضهن وفي كلتا الحالتين سيكون المستهلك المتضرر الاول .

المالية العمومية
بالنسبة للمالية العمومية فان الموارد المالية المتاحة اليوم وخاصة الخارجية غير قادرة على تغطية حاجيات ميزانية الدولة لسنة 2021، خاصة في غياب دعم صندوق النقد الدولي والبرنامج الجديد الذي كان متوقعا في هذه الفترة وهو ما يعكس حسب البنك المركزي تخوّف المقرضين الدوليين في ظل تدهور الترقيم السيادي للبلاد، والذي تقدمه في كل مرة وكالات الترقيم مؤكدة على الترفيع من نسبة مخاطر الاقتصاد التونسي وهو ما من شانه ان يعطي صورة قاتمة على الوضع العام في البلاد ومن شانه ايضا ان يضاعف قلق وتخوف المقرضين في الاسواق المالية الخارجية كما يعقد خروج البلاد على الاسواق المالية، وهنا يمكن اللجوء الى دعم الدول الشقيقة والصديقة عن طريق تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية .
كل ما تم تقديمه من عوائق ومؤشرات سلبية من شانه ان يخلق مشاكل اقتصادية على مستوى المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تمثل 90 ٪ من النسيج الاقتصادي كيف ذلك ؟ اولا سيكون لهذا الوضع انعكاس سلبي على سعر التكلفة ثانيا اعاقة اكبر مستثمر في الاقتصاد وهي الدولة التي لن تكون قادرة لا على الاستثمار ولاعلى سداد ديونها ازاء المستثمرين الشركاء وهو ما سيعود بالضرر على المؤسسات الصغرى والمتوسطة.

غياب الرؤية والوضوح
يعتبر غياب الرؤية والوضوح خاصة على مستوى المناخ الاستثماري اكبر عدو للمستثمر ومن شانه ان يكون عائقا امام جلب المستثمرين، فلن يراهن أي كان سواء أكان اجنبيا او محليا على بلد بهذه التعقيدات السياسية والاقتصادية والمخاطر السيادية.
مع غياب الاستثمارات العمومية وارتفاع نسبة الكلفة و نسبة الفائدة وتوجيه كل الاموال والقروض الى النفقات العمومية،علاوة على التعقيدات الجبائية وترسانة القوانين غير المفعلة في جوانب كثيرة منها تكون ايضا السلط المعنية بتطبيق القوانين وتنفيذها غير قادرة على التحرك والاجتهاد في غياب وضوح الرؤية العامة، خوفا من تحمل المسؤولية وتبعات ما قد ينجر عن ذلك لاحقا من محاسبات ثقيلة بما يزيد في تاخير تحرك المستثمرين واحباط عزائمهم، او ربما تغيير بوصلتهم نحو دول اخرى اكثر استقرار.

ونذكر على سبيل الذكر لا الحصر من بين بعض القوانين التي لم تفعل ولم تصدر النصوص المتعلقة بها قانون المبادر الذاتي الذي أعدّته وزارة التشغيل والتكوين المهني، بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني، والذي يهدف إلى إدماج ما لايقل عن 1 مليون و900 ألف عامل ينشطون في الاقتصاد غير المنظم الذي يستأثر بحوالي 38 ٪ من إجمالي الناتج الداخلي الخام، بالإضافة الى قانون التمويل التشاركي الذي صدر منذ اكثر من سنة ولم تصدر الى اليوم نصوصه التطبيقية وقد تم الحديث عنها بإطناب وقدمت هذه القوانين على اساس جنة موعودة الى اليوم لم يعرف طريقها وأبطلت كل اليات تنفيذها والتمتع بها هذا دون اعتبار الغياب او الشلل التام في اسداء منح الاستثمار الموجهة للشركات التي تتوفر فيها كل شروط الانتفاع، خاصة الموجهة لبعض القطاعات على غرار المشاريع الفلاحية والتنمية الجهوية والاستثمارات اللامادية.
امام تعقيد الاجراءات وطولها وغياب المنح الاستثمارية وضبابية الرؤية لدى المستثمر في مناخ اقتصادي معقد بامتياز وامام كل هذه المؤشرات السلبية خاصة مع تفاقم الصراعات السياسية وغياب اليات البنى التحتية المادية والمعنوية ورسائل النقد الدولي المشفرة وغيره من الجهات المانحة سيكون من الصعب اعطاء اشارات طمأنة للمستثمرين خاصة في غياب واضح لاستثمارات الدولة واليات تعزيز حوكمة القطاع العمومي التي عادة ما تكون اول الرسائل الايجابية التي يتقبلها الباعثون سواء من تونس او الخارج وسيكون البحث عن مناخ استثماري اكثر صلابة ورؤية اكثر وضوح هو احد اهم الشروط الاساسية للانطلاق في البناء الجديد..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115