العملة المشفرة « Cryptomonnaie » في تونس: إشكاليات قانونية .. عدم وضوح التشريعات.. وتعقيدات بالجملة

أعلنت دولة السلفادور يوم الثلاثاء 07 /09 /2020 عن اعتمادها رسميا لعملة «البيتكوين» Bitcoin كعملة رسمية الى جانب العملات الأخرى،

وبذلك تكون أول دولة في العالم تعتمد قانونيا هذه العملة التي أصبحت تشغل بال المهتمين بالمجال المالي والرقمي في العالم وفي تونس خاصة وتثير جدلا واسعا حول فرص ومخاطر استخدامها وانعكاساتها على الاقتصاد وفصول القوانين التي تنظمها وتضبط كيفية التعامل بها.
«البيتكوين» هو أشهر أنواع العملة المشفرة المتداولة واحد اهم المواضيع المطروحة على طاولة الدرس في تونس منذ فترة خاصة بعد ان تم ايقاف احد المتعاملين بها بتهمة استعمال هذه العملة، بين رافض لها على اعتبار ان تداولها وصعوبة تعقب ومراقبة مصادرها قد يكون وسيلة لتمويل الارهاب ونشر عمليات تبييض الأموال المحظورة، وبين مشجع على تداولها خاصة منن فئة الشباب لسهولة اعتمادها وانتشار ثقافتها حول العالم.
مالذي يمكن ان نعرفه عن Bitcoin وسعرها وحدود التعامل بها؟ وماهي القوانين التي تضبطها في تونس ؟

المفاهيم وحدود التداول
Cryptomonnaie هو صنف من العملات الرقمية المتاحة للجميع ويعمل كوسيلة للتبادل داخل شبكة واسعة من المستخدمين فيما بينهم عبر العالم دون اللجوء إلى وسيط، على عكس الأنظمة المصرفية الكلاسيكية، ويتم تتبع هذه المعاملات وأرشفتها في blockchain بمجموعة أرقام مشفرة لا توجد على أرض الواقع ولا يفهمها الا من يملك مفتاح السر الخاص بها. وقد تم تقديم هذه العملة سنة 2009 بهدف إنشاء نظام دفع إلكتروني مستقل يعتمد على الأدلة الرياضية والتشفير.

في واقع الامر اغرى استخدام ال Bitcoin العملة المشفرة والأكثر شهرة في التشفير القوي لتأمين المعاملات المالية ، والتحكم في إنشاء عملات إضافية والتحقق من نقل الأصول دون وسيط (حكومة، بنك)، بالإضافة إلى إخفاء الهوية لعدد كبير من المستخدمين مما ساهم في مضاعفة حجم واستعمالات العملات الالكترونية المتعددة مثل exemple l’Etherum, le Dogecoin, le Litecoin, le Ripple, Peercoin هذه العملات التي لكل منها خصائصها وآلياتها ويقدر حجمها المالي حول العالم بمليارات من الدولارات الأمريكية، ويشير المتعاملون انه وعلى عكس اغلب العملات الاخرى التي يقودها التضخم والتجاذبات السياسية وتكون عرضة للتنافس الشديد ما يجعلها مهددة بالتراجع والانهيار فان البيتكوين استطاع ان يحافظ على مكانته بين النشطاء في المجال الرقمي والالكتروني في المعاملات الحسابية والتحويلات الإلكتروني

الاطار القانوني في تونس
مع التداول السريع لهذه العملة Cryptomonnaie كثر اللغط والحديث ودخلت بعض النظم الالكترونية في خانة التشكيك لمدى نجاعتها وما يمكن ان تعكسه على الاقتصاد خاصة في بعض الدول الفقيرة او التي تعاني من صعوبات هيكلية متعلقة بالبرمجيات المتطورة عبر الإنترنت مثل تونس وصعوبة مراقبتها ومتابعة من يتورط في استخدامها عكس ما بعثت من اجله.

يتعلق الاشكال القانوني لهذه العملة في تونس بمجلة الصرف والتجارة الخارجية لسنة 1976 حيث تحدد بمقتضى الفصول الاولى والثانية العمليات الحرة التي يمكن من خلالها تصدير رؤوس الاموال وفوضت للبنك المركزي اختصاص انجاز هذه العمليات او بتفويض منه لوسطاء مقبولين وهم اساسا البنوك، ثم جاء الفصل السادس ليلزم الاشخاص الطبيعيين والمعنويين في تونس بايداع مالهم او لديهم بالتراب التونسي من اوراق نقدية اجنبية ومن كل ماهو محرر بنقد اجنبي من شيكات ورسائل اعتمادات نقدية وكمبالات وسندات تجارية وكل رسوم ديون اخرى لدى وسيط مقبول، وجاء المشرع في الخامس تعريف للعملات واعتبرها وسيلة الدفع المحررة بنقد اجنبي وكذلك كل المكتسبات من العملة الاجنبية المودعة في حسابات تتحت الطلب او لأمد قصير.

كما ورد في قانون الصرف التونسي بالفصل 21 من نفس المجلة ان الدفوعات بين المقيمين يجب انجازها في البلاد التونسية الا اذا رخص البنك المركزي التونسي خلاف ذلك، مما يعني انه لا يمكن الدفع الا في تونس ويحجر على كل مقيم الاخذ بالتزام ازاء مقيم اخر في نقد غير الدينار الا اذا رخص البنك المركزي بذلك بعد استشارة وزير المالية، ويجب ان يكون الدينار في نفس الوقت وسيلة للحساب والدفع بما يعني انه من الصعب اصدار فواتير في تونس بالعملة الاجنبية .

الاشكاليات القانونية
تطرح كل هذه القوانين التي اقرها المشرع التونسي في مجلة الصرف اشكالات متعددة لدى من يتعاملون بالعملة الإلكترونية لان القانون لم يجب صراحة على هذا السؤال ولم تكن فصوله واضحة في هذه المسالة حيث في صورة اعتبار Cryptomonnaie نقد أجنبيا أو وسيلة دفع فانه لا يجوز قانونيا ان يمتلكها المعني بالأمر المقيم في تونس دون احالتها الى وسيط مقبول وهي البنوك، ولا يمكن اعتمادها في الدفع لان من يعتمدها مقيم وفي صورة ما وجدت خارج تونس فانه من الضروري ارجاعها، وهنا يطرح اشكال يتعلق باعتبار «الكريبتوموني» وسيلة دفع ام لا .

وأمام غياب الاجابة القانونية لهذه الأسئلة وصمت المشرع فقد اعتمد المجلس الوطني للمحاسبة في تونس ومنذ سنة 2020 وبشكل رسمي المعايير الدولية للافصاح المالي les normes IFRS والتي تلزم الشركات المدرجة بالبورصة او البنوك والمؤسسات المالية اعتماد هذه المعايير في القوائم المالية المجمعة، وبالتالي يمكن اعتماد هذه المعايير للإجابة عن الإشكال حيث نشر مجلس معايير المحاسبة الدولية موقفا لتوضيح المعالجة المالية لهذه العملة وحدد طبيعتها حيث توصل المجلس الذي يعتمد المعايير الدولية للإفصاح المالي ان Cryptomonnaie لا تعتبر سيولة وإلا أصول مالية أو عملة وأكد أنها لا يمكن أن تكون إلا مخزون او اصول غير مادية .

وبما ان المشرع التونسي لم يتطرق الى هذه المسالة فانه من غير الممكن تطبيق فصول قانون مجلة الصرف والتجارة الخارجية التي تطبق على العملات ووسائل الدفع وبما انها وفق المعايير الدولية ليست وسيلة دفع فانها لا يمكن ان تكون ممنوعة في تونس هذا من وجهة النظر العامة، أما فعليا وما يتم تداوله في تونس عكس ما يشير إليه النشطاء في مجال التعامل المالي والنقدي مما يزيد في تعقيد المسالة بين القانون والاجتهاد وبانتظار تشريعات جديدة وقوانين تنظم كيفية التعامل بالعملات الالكترونية المشفرة تظل هذه المسالة عالقة بين اخذ ورد .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115