جدلا واسعا لا يمكن ان ينهيه أي قرار او أية نقطة فاصلة. ولم تتخلله الا التساؤلات التي يثيرها تباعا الخبراء والفاعلون في الوسط المالي والاقتصادي لتعبر عن تخوفاتهم من غموض الشكل والمضمون وطريقة جمع الموارد في وضعية اقتصادية حرجة بامتياز تقابلها قلة وعي بخطورة وضعية المالية العمومية وضبابية في الرؤية القادمة بما سيعمق العجز ويضاعف من القلق.
أمام تعمق انعكاسات ازمة كوفيد-19 على النسيج المؤسساتي وانهيار النتائج المالية لأغلب المؤسسات وتهاوي الأنشطة الإقتصاديّة، وتداعياتها المباشرة على الماليّة العموميّة مما تولد عنه تراجع موارد الدولة مقابل الزيادة في النفقات التي اندرجت في خانة التدابير الاستثنائية ذات البعد الاجتماعي والمالي والجبائي، وفق تسميتها ... ومع تراجع ثقة المستثمر وغياب الارقام الواضحة التي تترجم كلفة الاجراءات التفصيلية لدعم المؤسسات وما تحصلت عليه الدولة من هبات وتبرعات وطريقة صرفها ومآلها بالأرقام والمليمات، ومع غياب تشخيص فعلي للوضعية الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد وأمام عجز الحكومات التي تربعت على سدة الحكم عن تقديم حلول ناجعة وغياب وضوح في الرؤية والاستراتيجيات القادمة، يطرح الفاعلون في المشهد الاقتصادي والمالي في تونس فرضيات عديدة وقراءات تشوبها تخوفات من صعوبة الظرف القادم، خاصة في غياب التصورات والاستراتيجيات وخطط العمل الواضحة والمقنعة بما يتماشى وحساسية وضع تتحمل الحكومة الجديدة وحدها مسؤولية اقناع الرأي العام بحساسيته. وبث رسائل الارتياح لدى المواطنين الذين اصبح اغلبهم اليوم يعون جيدا خطورة الوضع العام ويتابعون بالارقام الدقيقة وضعية المالية العمومية مما سيفند نظرية تخديرهم الى اجل غير مسمى وسيجعل عملية اقناعهم بالصبر وانتظار ساعة الانفراج مهمة صعبة ان لم نقل مستحيلة..
اختلال التوازنات المالية
صرحت الحكومة في مقدمة مشروع قانون المالية التعديلي لسنة 2020 أن الواقع الاقتصادي يتميز باختلال التوازنات المالية بسبب النقص في الموارد مقابل ارتفاع النفقات بسبب جائحة كورونا مقدرة نسبة العجز بـ 13.4 ٪ من الناتج المحلي الاجمالي وفي الواقع فان الحكومة الحالية تنتظرها تحديات اخطر في هذا الوضع تجعلها غير متفائلة بما ستواجهه في مسارها تتعلق في جزء كبير منها بسبل تمويل الميزانية ودفع المالية العمومية.
لقد بات واضحا ان تعمق اختلال التوازنات المالية بسبب نقص الموارد الجبائية التي تراجعت ب 11.1 % وارتفاع حجم النفقات مع تراجع نسبة النمو ب -11.9 بالمائة خلال السداسي الاول من السنة الحالية سيضاعف ضبابية المشهد القادم، والاخطر من صعوبة الوضع الاقتصادي وحدته، والاخطر من ضبابية الخطط القادمة ووعورة الطريق التي ستسلكها الحكومة في مسيرة اصلاحها الاقتصادي هو حجم التداين الخارجي الذي سيكون في مستويات عالية جدا ستتبعها شروط واكراهات لا سيما في وضع تدهور الدينار الحالي مما سيشكل ضغطا كبيرا على ميزانية الدولة .
خطورة الدين العمومي
سيبلغ الدين العمومي مع نهاية 2020 نحو 99.942 مليار دينار أي ما يعادل 90 %من الناتج اغلبها دين خارجي و سيتطلب الوضع تعبئة تمويلات اضافية في حدود 10.3 مليار دينار دون اعتبار خدمة الدين التي ستبلغ رقما قياسيا مرعبا يقدر 11.825 مليار دينار من اين للدولة بها ؟ ؟ وكيف ستقنع المقرضين بيد فارغة واخرى لا شيء فيها .. خاصة في عملية خروجها على الاسواق العالمية في ظل ترقيم سيادي متدهور.
يبدو ان مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2020 وحتى قانون المالية لسنة 2021 وفق متابعي الشأن الاقتصادي لن يكون افضل حالا من سابقه لسنة 2019 الذي اثار حين طرحه رفضا واسعا و جدلا كبيرا اثناء مناقشته بمجلس النواب وتمت المصادقة عليه وسط رفض أغلب الأطراف الفاعلة في البلاد، وهو ما يوحي بتواصل سياسة التعقيد التي تتالت منذ سنوات ما بعد الثورة والضبابية التي طغت على المشهد الاقتصادي والمالي في البلاد وسط مخاوف من تعمق الازمة التي غذتها الصراعات السياسية والحزبية الضيقة التي خرجت من اطار دورها الاساسي في خلق مناخ سياسي مستقر يحدد ملامح دولة جديدة تضمن القانون والمؤسسات وحصرها داخل دائرة قاتمة ضيقة تزيدها نيران التناحر السلطوي كل يوم نارا على فتيل .. والوضع العام لا يحتمل مزيدا من التعقيد.
أمام تراجع ثقة المستثمر وغياب أرقام كلفة الإجراءات التفصيلية لدعم المؤسسات: مشروع الميزانية التكميلي لسنة 2020 يواجه انتقادات وتخوفات شديدة..
- بقلم زمردة دلهومي
- 08:51 22/10/2020
- 1004 عدد المشاهدات
ثار مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2020 وما تضمنه من زيادة بـ 9.5 % في قيمة الميزانية لتصبح في حدود 51،699 مليار دينار،