بعد أن تراجعت مداخيلها بـ47 %: كل من تداولوا على حقيبة السياحة يعلمون مكمن الداء لقطاع منكوب أضعفته عوامل داخلية..

تراجعت مداخيل القطاع السياحي في تونس بـ47 %، خلال النصف الأول من السنة الحالية مقارنة بالفترة نفسها من 2019 وفق ما كشفته

اخر البيانات الاقتصادية وذلك بسبب تداعيات تفشي فيروس الكوفيد 19 الذي اتى على جميع مفاصل النسيج الاقتصادي وشله تقريبا. وقد أشارت أرقام البنك المركزي إلى أن عائدات القطاع في البلاد، وصلت إلى ما يقارب 695 مليون دولار خلال نفس الفترة، وهو ما اعتبره الفاعلون في المجال السياحي نتيجة كارثية لقطاع منكوب لم يتعاف بعد من أثار العمليات الارهابية التي صنفت في العديد من المرات تونس وجهة خطرة ينصح بعدم المخاطرة بالتوجه إليها مما كان له أثر سلبي على العائدات والأداء.

طبيعي جدا ان يتأثر القطاع السياحي بتداعيات الكوفيد 19 وما خلفته من أثار سلبية ضربت كل دول العالم ولم تستثن قطاعات دون أخرى غير أن العين المراقبة للواقع السياحي منذ سنوات طويلة تلاحظ أن الدولة تعول كثيرا على هذا القطاع الذي يوفر 10 % من الناتج المحلي في البلاد، ويشغل ألاف اليد العاملة المباشرة وغير المباشرة الا انها لم تطوره وكل من تداولوا على حقيبة السياحة يعلمون مكمن الداء جيدا ويعرفون بما لا يدع مجالا للشك أن السياحة ولئن تأثرت بفعل عدة عوامل خارجية فإنها تراجعت في ادائها بسبب العديد من العوامل الداخلية التي زادت في تعميق خسائرها. فماهي هذه العوامل.
نتائج سلبية
الوضع سيء ورديء والنتائج سلبية بكل المقاييس لكن الحالة لن تكون دائمة على اعتبار زوال مسبباتها في سنة أو في سنتين أو أكثر المهم ان سبب الداء سينتهي بشكل أو يآخر هذه جمل يتداولها المسؤولون في القطاع السياحي على المنابر الاعلامية لطمأنة النفوس متجاهلين ان ضعف العصب النابض للاقتصاد التونسي يكمن وراءه أسباب أخرى.  

ويرجع اغلب الخبراء في المجال السياحي تدني مستوى النشاط السياحي في تونس إلى عدم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية التي شهدتها تونس في مرحلة ما وتشهدها حاليا بعض الدول المجاورة بالاضافة الى الانعكاسات السلبية لوباء الكورونا لكنهم ايضا يشيرون الى تواضع وسائل تطوير السياحة الداخلية وانخفاض مستوى اداء البنى التحتية في كل البلاد علاوة على ضعف الخدمات الفندقية، وغياب آليات التسويق السياحي في الخارج بما يقوي صورتها كوجهة امنة ومريحة.
هنات عميقة
ورغم كل ما تتمتع به تونس من امكانيات بشرية وثروات طبيعية تجعل منها وجهة سياحية راقية بامتياز الا انها لم تنجح وعلى مدار عقود طويلة في افتكاك موقعها كوجهة سياحية مثالية للسياح من مختلف انحاء العالم كما فشلت في تطوير نفسها وتحسين جودة فنادقها وإعادة تأهيل طواقم خدماتها التي تعاني في أغلب الأحيان من هنات عميقة، فلم تتجدد خلاياها منذ زمن بعيد، وتراجعت خدماتها خاصة في المنتجعات والفنادق وخلال فترة الذروة وتغافل الفاعلون عن تاهيل الطواقم بما يجعلها كل سنة تعاني من نفس النقائص وتتراجع بخطئ حثيثة الى الخلف.

يشكو منوال التنمية السياحية في تونس منذ الستينات من نقائص عديدة بل لنقل أنه بنية من الاساس على خطا فادح اعطى كل الاهتمام الى سياحة الكم «tourisme de masse» عوض سياحة الجودة والسياحة الراقية وبناء عليه تم تنفيذ خطط واستراتيجيات هدفها جلب اكثر عدد من السياح دون التركيز على النوعية بما جعل تونس رهينة ازمة اقتصادية او صحية تعصف بسياحتها ومن ثمة كل مؤشراتها الاقتصادية تنهار، وبدل اعداد منشات ومنتجعات سياحية راقية ومن فئة يؤمها الأثرياء على غرار بعض الدول مثل ماليزيا والخليج واسبانيا التي تمتلك منتجعات سياحية وفنادق من طراز عالي لا تتاثر بالازمات على اعتبار نوعية حرفائها، بالاضافة إلى نوعية الخدمات المقدمة اقتصرت السياحة التونسية وعلى مدار السنين على البحر والشاطئ ما يعبر عنه «بالسياحة البحرية tourisme balnéaire «وجزء صغير من الجبال والصحراء وبعض المعالم التاريخية التي تآكلت بفعل التهميش والتغافل خاصة تلك المرتكزة في المدن البعيدة التي يصعب العبور اليها لمسالكها الوعرة وغير الامنة، وبقي التركيز بالاساس على امتداد الخط الساحلي «الحمامات سوسة المنستير وجربة» دون التوسع في اجزاء اخرى من البلاد ودون تطوير عناصر اخرى قادرة على جلب الحرفاء والثروة مثل السياحة الثقافية والسياحة البيئية والجبلية. والاعتماد بصورة كبيرة على سياحة الأجوار حيث تبين المؤشرات أن 25 % من السياح الوافدين على تونس من الجزائر وهو رقم تراجع بسبب الوباء، ولم يتوفر البديل له.

وحتى الوحدات الفندقية التي تم انشاؤها في الجنوب التونسي بنيت لاستقطاب الفئة المتوسطة عوض بعث وحدات فندقية ضخمة في قلب الصحراء والمناطق القريبة منها مثل الشبيكة وتمغزة وميداس وعنق الجمل وهي مناطق مصنفة سياحية بدرجة اولى كان من باب اولى وأحرى تطوير كل المنطقة المحيطة بها لتكون وجهة جالبة للسياحة الراقية والفاخرة بدل اختزال السياحة في الفنادق والبحر وبدل الاكتفاء بالاف الوافدين بعائدات متواضعة كان يمكن تحقيق ارقام قياسية بنوعية سياحة من درجة عالية وطبقة ميسورة هذا دون اعتبار النقائص الاخرى المتعلقة بالبنى التحتية والنقل والنظافة والفضاءات الترفيهية والتي تمثّل العوامل الاصلية الحقيقيّة لانجاح الموسم السياحي،

بدا من الواضح ان السياحة التونسية تتخبط في براثن التهميش منذ سنوات طويلة وتعاني من ازمة موجعة عمقتها العديد من العوامل والظروف الاستثنائية غير ان البحث عن الحلول امرا ممكنا إذا توفرت الارادة السياسية وتقدمت المصلحة العامة على المصالح الشخصية وتصفية الحسابات الضيقة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115