حسب الأرقام والمؤشرات: سنة 2020 ستكون سنة الصعوبات بامتياز

بكثير من التفاؤل والنرجسية السياسية المعهودة يستقبل اغلب ابطال السلطة سنتهم الجديدة على أمل أن تخرج البلاد من النفق المظلم

الذي طالت مدته وعلى امل ان يصل تأثير العصا السحرية فتحول البلاد من بلد يتخبط في ازمة خانقة الى بلد يتلمس الضوء. غير ان الحقيقة ابعد ما يكون عن ذلك والسنة الجديدة ستكون حسب الارقام والمؤشرات سنة الصعوبات بامتياز.

كيف ستكون سنة 2020 ؟ وماهي ملامحها وكيف ستسدل سنة 2019 ستائرها وبأي لون ستكون ؟؟

وسط تعثرات كبيرة عاشتها البلاد منذ سنوات عديدة وخاصة بعد الانتخابات التشريعية والسياسية ووسط خلافات وصراعات إيديولوجية واستعراض للإمكانيات الفكرية والنرجسية تخيب توقعات التونسيين الاجتماعية والاقتصادية ويكثر اللغط حول حقيقة وثقل الملفات الحارقة التي تنتظر الحكومة الجديدة منذ يومها الأول، وكيفية معالجتها بين امل اصلاح الوضع ومقاومة الفساد وتكريس دولة القانون، وبين صعوبته وتفشي ظاهرة الفساد وسوء الحوكمة الذي كبد اغلب المؤسسات العمومية خسائر مالية جسيمة .

عدة نقاط محورية عمقت ضبابية المشهد الاقتصادي في البلاد اولها نسبة النمو التي اصبح يشار اليها بكثير من الدقة والاهتمام حيث بلغت خلال الاشهر التسعة الاولى لسنة 2019 نحو 1.1 % وهي نسبة ضعيفة مقارنة بـ 3.1 متوقعة في قانون المالية سنة 2019 وعلى اقصى تقدير لن تتجاوز 1.4 مع نهاية السنة وهي نسبة حسب ما يتوقعه الكثيرون بعيدة تماما على سقف الانتظارات وما تم الاعلان عنه وهنا نقطة استفهام كبيرة يطرحها المتابعون كيف سيتم تغطية الموارد وتمويل التعهدات المبرمجة لسنة 2020 ؟ وما التحديات المنتظرة ومن اهمها 19 مليار دينار حجم الاجور 11.7 مليار دينار خدمات دين و4.180 مليار مصاريف الدعم؟ مقابل موارد ضعيفة مقارنة بنسبة النمو المحققة لسنة 2019 وهي نسبة متأتية بالأساس من الانتاج الفلاحي والعائدات السياحية مقابل تراجع مؤشر الانتاج الصناعي الذي تهاوى لينخفض بـ 3 % وهو ما يشير الى وجود صعوبات كبيرة جدا على مستوى انتاج الصناعات المعملية وجب التفطن اليها ومعالجتها بما يعيد إليها إشعاعها ومساهمتها الايجابية في النمو الاقتصادي.

من الواضح ان سنة 2019 ستغلق بنسبة مديونية تقدر بـ 75 % من الناتج المحلي الاجمالي أي ما يمثل تقريبا 86225 مليون دينار حسب ماورد في تقرير ميزانية الدولة لسنة 2020 و ينتظر أن يرتفع حجم الدين العمومي في السنة المقبلة ليصل الى 94068 مليون دينار .

ويبدو ان ارتفاع حجم المديونية والأموال التي وقع ضخها في الاقتصاد الوطني لم تعط أكلها لا على مستوى النمو ولا على مستوى خلق الثروة ومواطن الشغل علاوة مع ما سيفرزه هذا الوضع الاقتصادي الدقيق من صعوبة في التفاوض مع صندوق النقد الدولي المقرض الآخير والأساسي للبلاد والذي يشير الى تعثر الاصلاحات في البلاد خاصة في ما يتعلق بإصلاح كتلة الاجور وهو ما يطرح تساؤلات عديدة من بينها كيف سيتم تعبئة الموارد المطلوبة؟ واذا اهتزت ثقة صندوق النقد الدولي في البلاد كيف سيتم معالجة هذه المعضلة؟ خاصة وان الخروج للاقتراض على السوق العالمية سيكلف البلاد كثيرا وتكون نتائجه وخيمة إذا علمنا ان آخر خروج على السوق المالية كانت كلفته 6.35 % مما يعني ان الخروج القادم سيفوق 7 % بنسبة المخاطر العالية في صورة وجود مقرض غير الصناديق وبالتالي تظل مسالة المديونية عنصرا محيرا يرافق مسار البلاد في السنة المقبلة والمطلوب ايجاد الحلول السريعة لمعالجته بدل تعميقه .

إن تأخر الاصلاحات وتراكم نتائجها وتداعياتها على الميزانية وعلى التوازنات المالية والقطاعات والوضعيات الدقيقة التي تعيشها اغلب المؤسسات العمومية من بين اهم النقاط المحيرة في مسار الاصلاح الاقتصادي رغم ما يتم طرحه والحديث حوله ضمن مشروع إصلاح المؤسسات العمومية وحوكمتها والذي يعتبر من بين الاصلاحات الخمس المبرمجة وهي اصلاح الوظيفة العمومية وإصلاح المؤسسات العمومية والإصلاح الجبائي وإصلاح منظومة الدعم وإصلاح الصناديق الاجتماعية وهنا ايضا يمكن الحديث عن سبب تعطل هذه الاصلاحات التي تم تخصيص مبالغ مالية ضخمة من صندوق النقد الدولي للتقدم فيها والانتهاء منها رغم انها اصلاحات عاجلة وضرورية.

الاستثمار ومناخ أعمال متدهور مع غياب عنصر الثقة لدى الفاعل الاقتصادي الذي يعاني من جهة من ارتفاع نسبة الفائدة ومن جهة اخرى الضغوطات الاجتماعية التي أدت إلى انخفاض الاستثمار والمس من قيمة الاستهلاك وعدم وضوح الرؤية في ما يتعلق بالاستشراف والبرمجة الاقتصادية المقبل مع ارتفاع عدد احكام القوانين المالية والجبائية حيث تم تقرير تقريبا 700 حكم جبائي من سنة 2015 إلى 2018 وهي احكام متواترة تزيد في ضبابية الرؤية لدى المستثمر وتراجع ثقته في الحوكمة والجباية وهو ما يعمق صعوبة تنفيذ استثمارات الفاعلين الاقتصاديين ويزيد في نفور المستثمرين وعدم تشجيعهم على مواصل العمل او بعث مشاريع جديدة مما من شانه ان يزيد في تعقيد المناخ الاجتماعي في اغلب المؤسسات ويعود سلبا على المشهد الاقتصادي العام في البلاد

الأحكام الجبائية المتواترة غير واضحة ولا تشجع على الاستثمار وحتى من لديه الخبرة في العمل والتحليل الجبائي لن يكون قادرا على التعامل مع هذا الكم الهائل من الاحكام الجبائية اضف الى ذلك الاحتقان الاجتماعي وتداعياته على المؤسسة وضعف المردودية وخاصة ارتفاع حجم الاقتصاد الموازي وسوء الحوكمة اللذين يقللان من ثقة المستثمر في البلاد.

آخر نقطة يجب الاشارة اليها ونحن نتحدث عن سنة جديدة هي ضعف المنظومات وتعقيد مسارها الاصلاحي ونتحدث بالأساس عن منظومة اللحوم ومنظومة الزيت والدواجن وتربية الماشية والحليب وهي منظومات تعيش صعوبات كبيرة ويتراجع اداؤها تدريجيا بسبب ارتفاع كلفة الانتاج التي عمقتها عوامل كثيرة مثل تراجع سعر الصرف وارتفاع سعر الأدوية والمحروقات مقابل عدم الزيادة في الاسعار للضغط على مسألة التضخم المالي والسيطرة عليه وفي الواقع فان مسالة تهميش هذه المنظومات من شأنه ان يتسبب في عدة مخاطر على مستوى الامن الغذائي وهو ما من شانه ان يعمق حجم الواردات لبضائع كانت البلاد قادرة على انتاجها بامتياز لو تم التفطن الى حلول ناجعة لاصلاحها يكفي ان نشير الى ارتفاع توريد الحليب واللحوم وبعض المنتجات الفلاحية الأخرى مثل البطاطا والفسفاط وهي منتجات يتم الالتجاء الى توريدها بعد ان تلاشى وضعف معدل انتاجها في تونس وهو ما له تداعيات سلبية على الميزان التجاري الذي من المتوقع ان يصل عجزه مع نهاية 2019 الى ما بين 19 و20 مليار دينار وهو رقم قياسي.

تحديات كبيرة جدا تفتتح بها الحكومة سنتها الجديدة بضغوط على المالية العمومية نتيجة إرتفاع كتلة الأجور المقدرة التي تتجاوز 19 مليار دينار، فضلا عن خدمات الدين التي تقدر على امتداد السنة بـ 11.7 مليار دينار.

كيف ستتمكن الحكومة الجديدة من مواجهة هذه الضغوطات والصعوبات؟ والتي تلوح من بعيد بين ضرورة التحكم في الميزانية والتكثيف في نسق الاصلاحات وبين تحقيق الانتعاشة الاقتصادية التي تحتاجها البلاد ومسايرة الضغوطات الاجتماعية وتعقيد المسار السياسي في ازمة اقتصادية بامتياز .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115