في قطاعات متنوعة تتصاعد وتيرتها وتتنوع هياكلها في ظرف اقتصادي وسياسي صعب تعيشه البلاد. وبين مطالب ترفع تباعا وتلحّ في تأكيد تنفيذها واستعداد الحكومة للاستماع لمطالب المحتجين توتّر واختلافات وصراعات تتزامن مع اقتراب زيارة وفد صندوق النقد التي ستنطلق منتصف شهر جانفي المقبل لمتابعة تنفيذ الإصلاحات المتفق بشأنها.
اضرابات متواترة عاشتها البلاد في غضون اسبوع فقط حيث نفذ امس سواق شاحنات نقل المحروقات اضرابا فجئيا تسبب في تعطل تزود مختلف محطات الوقود بالمحروقات واثار تساؤلات وردود فعل مختلفة تزامنا مع تعطل انتاج الفوسفاط الذي يعيش اسوا حالاته بعد ان اغلق المعطلون عن العمل في شركات البستنة والغراسة ، مداخل المناجم واصيبت حركة القطارات والشاحنات المتوجهة الى مصانع التحويل بشلل شبه تام رغم وعود الحكومة وبرنامج استثماراتها في قطاع الفوسفاط لاحقا بقيمة 140 مليون دينار من بين 180 مليون دينار مخصصة للمناجم. من جهته ينظم الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بجندوبة مسيرة احتجاجية يوم الاربعاء 19 ديسمبر الجاري لفلاحي الولاية تعبيرا عن استيائهم وغضبهم تجاه الوضع المتردي الذي الت اليه اوضاعهم. كما ينظم الاتحاد بقفصة يوم الثلاثاء 18 ديسمبر وقفة احتجاجية تعبيرا عن مشاغل الفلاحين وتراكم خسائرهم وخطورة الاوضاع التي تمر بها مختلف منظومات الانتاج على غرار الالبان واللحوم الحمراء والدواجن والخضروات وزيت الزيتون.
هذه القطاعات تتزامن مع وقفات احتجاجية اخرى بسبب قانون المالية الذي يثير بدوره استنكار العديد من الفاعلين في الملف الاقتصادي والجبائي دون اعتبار احتجاج بعض القطاعات الاخرى مثل قطاع التعليم والمحامين والأطباء والخبراء المحاسبين التونسيين، الذين يحتجون بدورهم على فصل رفع السر المهني على المهن الحرة المضمن في قانون المالية لسنة 2019.
ولئن تعددت الاحتجاجات في مساراتها واختلفت قطاعاتها لتترجم وجها ديمقراطيا اكثر عمقا اكتسبته البلاد بعد الثورة فإنها ايضا تثير جدلا واسعا وتخوفات كبيرة من اعادة بعض السيناريوهات المقلقة التي عاشتها البلاد في مرحلة ما ونحن قاب قوسين أو أدنى من اقتراب إعداد تقرير زيارة وفد صندوق النقد الدولي الخامسة.
في واقع الامر فان المطالب المطروحة في مواقع الاحتجاجات على اهميتها وحاجة تنفيذها الملحة وضرورتها تأتي حسب ما يؤكده خبراء الاقتصاد في وضع اقتصادي دقيق يتميز بتعقيد المالية العمومية الذي جعل البلاد تلجا الى مؤسسات التمويل الخارجي و تواصل توسع عجز الميزان التجاري الذي ناهز الـ16 مليار دينار خلال الأشهر العشرة الأولى من السنة الحالية نتيجة تدهور عجز ميزان الطاقة وتوقع بسقف ديون يناهز 73.7 % مع نهاية سنة 2018 و ارتفاع مخاطر انخفاض سعر الصرف وهذا ما يضاعف القلق والانتظار الحذر.