في ما يتعلق بالسياسات النقدية المتبعة ومحاربة ارتفاع وتيرة التضخم التي يعتبرها كل الخبراء والمختصين في الشأن المالي والاقتصادي مسالة تزيد الوضع تعقيدا بالنظر الى انعكاساتها ومخاطرها خاصة على الطبقة المتوسطة والفقيرة هذا بالإضافة الى عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق ببرامج الاصلاح المستقبلية وسط اجواء سياسية تتسم بدورها بالتجاذب والتعقيد.
مقابل ضغوطات صندوق النقد الدولي الذي اكدت بعثته في ختام زيارتها الاخيرة إلى تونس على ضرورة أن تتّخذ السلطات التونسية إجراءات حاسمة هذه السنة لمجابهة التضخم وتقليص العجز في المالية العمومية وحماية الفقراء، و الشباب من تحمّل عبء الدين المفرط تعيش البلاد تعيش البلاد موجة من الزيادات في المواد الاستهلاكية بنسب تتعارض مع محاربة الحكومة للتضخم الذي اوصى صندوق النقد الدولي بضرورة التقليص فيه .
ما يدعو اليه وغيره من المؤسسات الدولية المانحة وما تحاول الحكومة التوصل اليه وما يحلم به ألاف التونسيون منذ انطلاق ثورة 2014 لا يبدو الى حدود الساعة على طريق الوجهة الصحيحة ويبدو ان الضبابية التي لفت الجوانب الاقتصادية في جوانب كثيرة منها. ولئن أعربت السلطات التونسية عن التزامها الكبير والجدي بالعمل على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الملحّة، بهدف متابعة المراجعة الثالثة لبرنامج المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، والمقرر مبدئيا مع بداية شهر جويلية المقبل الا ان موجات الزيادة في بعض الاسعار على غرار المحروقات التي تم الترفيع فيها ثلاث مرات على التوالي والذي انعكس في زيادات في اسعار النقل بـ 9.6 % مقارنة بشهر ماي 2017 بالاضافة الى مطالبة الموزعين على اختلافهم بالترفيع في منحة النقل علاوة على ارتفاع أسعار السيارات وأسعار قطع الغيار والمحروقات 11.8 %، من شانه ان يصعب المسائل نوعا ما ويجعل الحكومة تبحث عن حلول جدية وإجراءات كفيلة تحقيق التوازن بين الموجود والمنشود.
تشهد السياسات الاقتصادية والنقدية في تونس خلال هذه الفترة تناقضا كبيرا يدعو الى ضرورة اتخاذ اجراءات حاسمة وتوفير حلول تحقق التوازن السريع في مرحلة انتقالية تتسم بعدم الاستقرار والوضوح بتسارع ارتفاع وتيرة أسعار المواد الغذائية حيث شهدت نسبة التضخم ، سلسلة من الارتفاعات المتتابعة من شهر جانفي 2018 حيث كانت 6.9 % لتستقر خلال شهر ماي 2018 في حدود 7.7% حسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء الذي عزا هذا الارتفاع بالأساس الى تطور أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 9,3% وأسعار النقل بنسبة 9,6% باحتساب الانزلاق السنوي.
وبعيدا عن انعكاسات التضخم وحتى وان أبدى الاقتصاد التونسي بوادر التعافي في الربع الأول من هذه السنة اذ بلغ معدل النمو اعلى مستوياته منذ سنة 2014 ليسجل 2.5 % إلا ان محركات النمو التي اعتمد عليها غير قارة على اعتبار انها لم تتأت من القوة الانتاجية المتنوعة بل وفرتها عوامل اخرى مثل الصادرات الفلاحية،والتي تجعل من مسالة استقرار معدلات النمو غير مضمونة في الاشهر القادمة وتستوجب مراجعة السياسات الاقتصادية واقرار اجراءات جديدة تخرج بالبلاد من النفق المظلم الى افاق اكثر وضوح.