صعوبات كبيرة تتعلق اساسا بقلة المياه، حيث من المتوقع أن تصل كمية الموارد المائية المتوفرة لكل ساكن في تونس في افق 2030 إلى حوالي 360 مترا مكعبا، ماذا تعني هذه الارقام ؟ماهي انعكاساتها ؟ ماذا يعني ان تستورد تونس 50 بالمائة من احتياجاتها من المواد الغذائية وأزمة المياه لم تتعمق بعد؟؟
تعتبر مشكلة الامن الغذائي من بين اكبر واهم وابرز المشاكل العالمية التي تطرح تباعا ويشار اليها علنا وسرا في جميع الملتقيات والمناسبات الدولية على اعتبار انها تمس مباشرة استهلاك المواطنين وحياتهم اليومية وأمنها الغذائي فكيف يمكن التعامل مع هذه المسالة في بلد مثل تونس ما زال يعاني من مخلفات ثورة لم تزد الفقير إلا فقرا والغني غنى وعمقت التفاوت الجهوي بين اكثر المناطق المحرومة وغيرها التي انتفعت منذ سنوات مضت بالتنمية والاستثمار ؟ ماذا يعني ان تستورد بلاد ما نصف حاجياتها الغذائية وهي قادرة على ان تنتج ما يغنيها عبء صرف آلاف الدولارات وتعميق ازمة الميزان التجاري؟
تعتمد السياسات الغذائية في أي بلد مهما كانت تركيبته السياسية او العرقية والاديولوجية بالأساس على ثنائية العلاقة الانتاجية والاجتماعية وتأثيرها على محركات النمو وهو ما نلاحظ تراجعه في تونس خاصة في سنوات ما بعد الثورة حيث توجه الاهتمام وخاصة من قبل الحكومات المتعاقبة على طمأنة المطالبين بالزيادة في الرواتب والمنح والترقيات وفي الانتفاع بما وفرته ثورة الحرية والكرامة وفي المقابل ازداد حجم المطالب وبدأت خزينة البلاد تنضب من ميزانية الانقاذ لتمتلئ بميزانية الجباية والضرائب التي يزداد حجمها يوما بعد يوم وتتعالى اصوات المناهضين لها وهي في الحقيقة لم تكن إلا نتيجة لسياسة اقتصادية غير مدروسة اعتمدت على النفقات والصرف بدل الاستثمارات والخلق والإنتاج ، مسؤولية مشتركة يتقاسمها كل من الحكومات المتعاقبة والمسؤولين عن الانتاج وخلق الثروة في البلاد فكانت نتيجتها تراجعا في نسب النمو والإنتاج من جهة وارتفاع وتيرة الاحتجاجات والرفض من جهة أخرى هذا بالإضافة الى إنفلات رؤوس أموال الاقتصاد الموازي عبر الحدود دون ادنى ضوابط او مراقبة ولا التزامات جبائية وهو ما يساهم في نمو حركة الأسواق المالية الموازية بدل تطوّر الإقتصاد الحقيقي، اضف الى تفاقم معضلة الديون الخارجية.
لئن تؤكد الارقام الرسمية بأنّ الجفاف الذي تعيشه تونس للسنة الثالثة على التوالي اثر سنة 2017 التي سجّلت أعلى درجات حرارة في تاريخ تونس خلال الخمسين سنة الفارطة على كمية المياه بالسدود والتي شهدت نقصًا كبيرا يقدّر ب 375 مليون متر مكعب وهو ما يجعل الموضوع يزداد اهمية سنة بعد اخرى فان وزارة الفلاحة من واجبها العمل على ايجاد حلول ملائمة لتخفيف حدة هذا النقص الذي سيزداد تدريجيا مع حث الشركاء على معاضدة مجهودات الدولة لتامين الامن الغذائي والنهوض بالفلاحة المستدامة.. هذه الارقام على جديتها وتخوف اغلبية المختصين في الشأن الفلاحي من نتائجها التي ستنعكس سلبا على مستقبل الاجيال وحياتهم وسوء التغذية تبقى مؤشرات قابلة للتغير اذا ما تم تنفيذ كل الخطط المرصودة بلا تهاون وإذا ما انتشر الوعي في البلاد بأهمية الامن الغذائي والعمل وخلق سياسة العمل بدل سياسة التراخي وزرع قيم العمل الكونية، علاوة على وجوب تغيير السياسات الفلاحية المنتهجة واعتماد خطط واستراتيجيات تكون قادرة على تحقيق الأمن الغذائي في تونس.
هذه مؤشراتنا وهذا ما ينتظرنا اذا تمادينا.