عَقْد من الاقتراض.. تغير التوزيع الهيكلي دون أهداف تنموية: تجنّب الاقتراض الخارجي حفاظا على السلم الأهلية والتوجه إلى الاقتراض الداخلي تضحية بتمويل الاقتصاد والأفراد

غيرت تونس السنتين الفارطتين اتجاهاتها للاقتراض وخيرت أن يكون السوق المحلية بديلا للأسواق الخارجية

هذا البديل الذي لم يكن اختياريا بل انه يكاد يكون أحلى الأمرين بعد أن أغلقت الأسواق الخارجية أبوابها في وجه تونس اثر توقف غير متوقع للبرنامج الثنائي مع صندوق النقد الدولي.

في تحول ملحوظ تتضمن ميزانية الدولة 2025 فرضية اقتراض جملي ب 28 مليار دينار تنقسم إلى اقتراض داخلي ب 21.9 مليار دينار و 6 مليار دينار اقتراض خارجي. وبهذا ارتفع الاقتراض الداخلي إلى 78% منتظرة في 2025 من الاقتراض الجملي بعد أن كان في 2015 في حدود 13% في 2015 .
يعتبر الدين العمومي من أهم الآليات المعتمدة لتمويل ميزانية الدولة بهدف تجسيد سياستها الاقتصادية والاجتماعية وتجسيم تدخلاتها عبر إنجاز المشاريع العمومية. وكانت جل القروض التي تم الحصول عليها في السنوات الأخيرة إما لخلاص قروض أخرى أو بتوجيهها إلى خلاص الأجور وفق تصريحات وزراء مالية سابقين.
كان معدل الدين في تونس بلغ 77.9 مليار دينار منذ عام 2009 حتى عام 2024، ووصل إلى أدنى مستوى له 29.2 مليار دينار في عام 2009.

ارتفاع الدين الإجمالي للدولة

تضخم الدين الإجمالي للدولة من 52.66% من الناتج المحلي الإجمالي في 2015 إلى 81.2% في 2024 على أن ينزل الى80.5% في العام 2025. علما وان تقديرات ميزانية 2024 أشارت إلى فرضية نسبة دين عمومي ب 79.8%.
التحول الذي شهده توزيع الدين انطلق فعليا منذ 2020 حيث بدأ الدين الداخلي يرتفع مقابل تراجع في الدين الخارجي إذ تراجع الدين الخارجي ن الناتج المحلي الإجمالي من 51.23%في 2020 إلى 46.32% في 2022 وارتفع الدين الداخلي من 26.51 في 2020 إلى 33.51% في 2022.
وبخصوص هذا التحول تجدر الإشارة إلى انه منذ 2020 توقف اتفاق الصندوق الممدد الذي جمع صندوق النقد الدولي والحكومة التونسية في المنتصف ومع انتشار جائحة كوفيد 19 وفي إطار التسهيل المالي قدم صندوق النقد الدولي لتونس قرضا في أثار آلية التمويل السريع للمساعدة في مجابهة أثار الجائحة تتالت بعدها النقاشات لأجل إبرام برنامج آخر على أنقاض البرنامج السابق إلا انه ومنذ نهاية 2022 اختارت تونس عدم المجازفة ببرنامج آخر تخوفا من اضطرابات محتملة نتيجة ما تضمنه البرنامج من نقاط إصلاحية على غرار رفع الدعم عن المحروقات والمواد الأساسية.
تحول نحو الداخل وتضحية بتمويل الاقتصاد
اختارت تونس بعد ذلك التعويل على قدراتها الذاتية لخلاص أقساط ديونها التي تحل آجالها. وقامت في 2024 و2025 بالسماح للبنك المركزي للتمويل المباشر للحكومة حتى تتمكن من استخلاص بعض القروض التي حلت آجالها في السنتين المذكورتين.
كما توجهت الحكومة أكثر إلى التداين الداخلي من خلال التوجه إلى البنوك لتجميع قروض إلى جانب اعتماد الاكتتاب الوطني كآلية لتجميع مبالغ محددة. ما من شك أن التوجه إلى السوق المحلية للاقتراض يخفف على الحكومة تحمل أعباء مخاطر الاقتراض الخارجي وضغط أكثر على نسبة الدين الخارجي إلا أن العديد المخاطر تنشا أيضا عند الاعتماد على الاقتراض الداخلي لتسديد الأقساط التي تحل آجالها.
وكان البنك المركزي قد أعرب في بيان مجلس الإدارة الصادر في نهاية شهر جويلية 2024، عن انشغاله إزاء تباطؤ تطور القروض الممنوحة للاقتصاد خلال سنة 2023 والنصف الأول من سنة 2024، والذي شمل بالأساس القروض المسندة للشركات الصغرى والمتوسطة والأفراد، وبرر هذا التراجع بالسياق الاقتصادي الصعب وتواصل الضغوط التضخمية. مشددا على ضرورة تنسيق جهود جميع الأطراف المعنية لدعم الشركات وضمان ديمومتها والحفاظ على مواطن الشغل.
وتقدر الموارد الذاتية بنسبة 63.9 % من جملة موارد الدولة في العام 2025 مقابل 62.5% منتظرة لسنة 2024.
التوجه إلى الاعتماد على الذات في الاقتصاديات يفترض نمو كل القطاعات خاصة منها القطاعات ذات القيمة المضافة العالية وفي الحالة التونسية مازال النمو ضعيفا ومازالت القطاعات الاقتصادية بعيدة عن أن تلعب محرك اقتصادي قوي ففي العام الماضي سجلت بعض القطاعات الهامة نموا سلبيا على غرار تكرير النفط الذي سجل تراجعا خلال الثلاثي الرابع 65% وبنسبة 3.4% لكامل السنة ويعود تراجع أداء القطاع إلى توقع فني في الشركة التونسية لصناعات التكرير امتد من أكتوبر ويستمر إلى منتصف مارس المقبل. كما سجل المعهد الوطني للإحصاء تراجعا في قطاع استخراج النفط والغاز بنسبة 17% خلال الثلاثي الرابع و18% لكامل السنة . فقطاع الطاقة يمثل عبئا اليوم على جميع المستويات إذ ماانفك العجز الطاقي يتسع وبالتالي مزيد من التبعية إلى التوريد التي تثقل كاهل المالية العمومية. ورغم الصعوبات التي يمكن أن يواجهها خيار التعويل على الذات فان المؤسسات المالية الدولية تؤكد في أكثر من مناسبة على أن تونس تتوفر على إمكانات كبيرة مازالت غير مستغلة إذ يقول البنك الدولي انه على الرغم من التحديات الحاليّة، فهناك فرص كبيرة أمام تونس لإحداث تحول وتقوية اقتصادها. فمن خلال الاستثمارات الإستراتيجية، لاسيما في مجال الطاقة المتجددة، يمكن لتونس أن تعزز بشكل كبير قدرتها على الصمود والاستدامة الاقتصادية.
سعر الصرف ابرز العوامل المساهمة في ارتفاع الدين
وتتعدد العوامل المساهمة في ارتفاع الدين الإجمالي للدولة وكانت مساهمة العجز الأولي للميزانية وتأثير سعر الصرف من ابرز عوامل تطور الدين الإجمالي للدولة وفق وزارة المالية، وبلغت أقصى مساهمة لسعر الصرف في 2018 بنسبة 8.38% وفي 2020 كانت أعلى مساهمة لمساهمة العجز الأولي للميزانية بنسبة 6.27%.
ولئن يعتبر الاقتراض آلية تعتمدها جل الاقتصاديات إلا أن ارتفاعها مقارنة بتراجع النمو الاقتصادي يجعل الوضع أكثر حرجا وتوجه القروض الخارجية بنسب عالية إلى دعم الميزانية ونسبة ضئيلة لتمويل مشاريع الدولة، وهذه المعادلة غير المتوازنة تجعل من الاقتراض عبئا على المجموعة الوطنية .

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115