مصر وقطر وتركيا والولايات المتحدة موجة من النقاشات في الأوساط السياسية والإعلامية، بعدما تضمن ملامح أولية للمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، واضعا تصوّرا لإدارة ''اليوم التالي'' للحرب، في وقت لا تزال فيه التحديات الميدانية والسياسية تلقي بظلالها الثقيلة على أي مسار مستقبلي. وتحدث البيان، الذي جاء في إطار جهود دبلوماسية متواصلة لاحتواء الخروقات الصهيونية للهدنة، عن ترتيبات انتقالية تشمل إدارة مدنية مؤقتة للقطاع المحتل، إلى جانب بحث إمكانية نشر قوة استقرار دولية .
وفي خضم هذه الطروحات الدولية، يؤكد كثير من المراقبين أن أي تصور لـ''اليوم التالي'' في غزة لا يمكن أن يتجاهل جوهر القضية المتمثل في معاناة الشعب الفلسطيني وحقه المشروع في الحرية وتقرير المصير. فغزة، التي أظهرت صمودا في مواجهة حرب مدمرة وحصار طويل، لا تحتاج فقط إلى ترتيبات إدارية أو أمنية، بل إلى مسار سياسي عادل يعالج جذور الصراع وينهي الإحتلال، ويضمن رفع الحصار، وإعادة الإعمار، وحماية المدنيين. ويرى هؤلاء أن إرادة الفلسطينيين وصمودهم، بكل أشكال المقاومة ، ستبقى عنصرا حاسما في أي معادلة مستقبلية، وأن تجاهل هذا البعد سيجعل أي حلول مفروضة عرضة للفشل مهما حظيت بدعم إقليمي أو دولي.
واعتبر محللون سياسيون أنّ أهمية البيان لا تكمن فقط في مضمونه، بل في أطرافه الموقعة، إذ يجمع بين قوى إقليمية فاعلة وأخرى دولية، ما قد يمنحه زخما سياسيا وقدرة أكبر على التأثير. في المقابل، عبّر مراقبون عن تشككهم في قابلية هذه التصورات للتطبيق العملي، محذرين من أن أي إدارة انتقالية أو قوة استقرار دولية ستواجه عقبات معقدة، في مقدمتها الرفض الفلسطيني لأية مساس بحقهم في إدارة غزة وحساسية مسألة الوجود الدولي على الأراضي المحتلة باعتباره وصاية خارجية من نوع جديد لا تنهي عقود الاحتلال المستمرة لفلسطين بل تزيد من تكريسها.
كما يلفت خبراء إلى أن نجاح المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار يظل مرهونا بمدى صمود المرحلة الأولى، وبقدرة الوسطاء على ضمان التزامات واضحة من جميع الأطراف. ويؤكدون أن التجارب السابقة أظهرت أن الاتفاقات الجزئية غالبا ما تتعثر عند الانتقال من التهدئة المؤقتة إلى الحلول السياسية طويلة الأمد حيث تستمر ''إسرائيل'' في خرق كل الاتفاقات وعدم الالتزام ببنود وقف إطلاق النار مما يهدد بعودة الحرب التي لم تتوقف من منظور الاحتلال.
ويعكس البيان الرباعي محاولة لرسم إطار أولي لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، لكنه في الوقت ذاته يفتح الباب أمام أسئلة صعبة حول آليات التنفيذ، وحدود التوافق الدولي والإقليمي، ودور الأطراف المحلية. وبين التفاؤل الحذر والتشكيك الواقعي، يبقى ''اليوم التالي'' في غزة رهين توازنات معقدة لم تتضح معالمها النهائية بعد.
تمدد الاستيطان
من جهته أعلن وزير الأمن في حكومة الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل كاتس، صباح أمس الثلاثاء، أنّ ''إسرائيل'' لن تنسحب أبداً من كامل قطاع غزة وستقيم نوى استيطانية في شمال القطاع. وأضاف كاتس، بحسب ما نقلته وسائل إعلام: "عندما يحين الوقت، سنقيم نوى ناحال (مجموعات استيطانية) في شمال غزة بدلا من المستوطنات التي أُزيلت"، في إشارة إلى الانسحاب من غزة، وإخلاء مستوطناتها في إطار خطة فكّ الارتباط أحادية الجانب عام 2005.
وزعم كاتس: "سنفعل ذلك بالطريقة الصحيحة وفي التوقيت المناسب. هناك من يتظاهرون، لكن نحن وزراء"، وأضاف كاتس خلال مراسم توقيع اتفاق لبناء 1200 وحدة استيطانية في مستوطنة بيت إيل، شمال رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة: "هذه الحكومة هي حكومة استيطان... وإذا كان بالإمكان فرض السيادة (الإسرائيلية على الضفة) سنفرض السيادة. نحن الآن في فترة السيادة العملية، وبسبب المواقف والقوّة التي أظهرتها إسرائيل بعد الكارثة المروّعة في السابع من أكتوبر ، توجد فرص لم تكن متاحة منذ زمن طويل".
وكان سموتريتش قد توعّد، في شهر أكتوبر الماضي، بـ"الاستيطان اليهودي في قطاع غزة"، مؤكداً أنه "بعد عودة الأسرى، يجب على إسرائيل الاستعداد للمرحلة التالية وهي الاستيطان اليهودي في قطاع غزة"؛ إذ قال إنه "من الفرح العظيم الذي حلّ علينا جميعاً بعودة جميع الأسرى الأحياء إلى ديارهم، كما قلت هنا قبل عام: لن تكون هناك حماس في غزة، ولن يكون هناك تهديد على مواطني إسرائيل من غزة لعشرات السنين المقبلة. نعم، يجب أن نقول ذلك أيضاً: سيكون هناك استيطان يهودي في غزة" وفق زعمه .
في السياق، اقتحم نحو 20 مستوطناً ، قطاع غزة بسياراتهم الخاصة، وابتعدوا بضع مئات من الأمتار عن الحدود، إلى منطقة أطلقوا عليها اسم "خرائب كفار داروم"، إذ رفعوا هناك العلم الإسرائيلي. وبحسب جيش الاحتلال الإسرائيلي، عاد بعض المستوطنين بأنفسهم إلى داخل إسرائيل، فيما أعادت القوات الآخرين.
كندا تدين
من جانبها أعلنت كندا أمس الثلاثاء، إدانتها "الشديدة" قرار إسرائيل بناء 19 مستوطنة جديدة غير شرعية في الضفة الغربية المحتلة.وقالت وزيرة الخارجية الكندية أنيتا أناند بتدوينة على منصة شركة "إكس" الأمريكية: "تدين كندا بشدة قرار إسرائيل الموافقة على خطط إنشاء 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية".
وذكرت أناند أن هذه الإجراءات "تقوض حل الدولتين ".وأضافت أن استمرار إسرائيل بتوسيع مستوطناتها في الضفة الغربية يُعد انتهاكا للقانون الدولي، ويهدد خطة السلام.
وفي وقت سابق وافقت حكومة الاحتلال الإسرائيلية على 19 مشروعا جديدا لبناء مستوطنات غير شرعية، قدمها وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش ووزير الدفاع يسرائيل كاتس. ويقيم نحو 750 ألف مستوطن إسرائيلي في مئات المستوطنات بالضفة الغربية المحتلة، بينهم 250 ألف بالقدس الشرقية، ويرتكبون اعتداءات وجرائم يومية بحق المواطنين الفلسطينيين بهدف تهجيرهم.
ومنذ عقود تطالب السلطة الفلسطينية المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لإنهاء الاستيطان في الأراضي المحتلة، والذي تعتبره الأمم المتحدة "غير قانوني".ومنذ أن بدأت الإبادة الجماعية بقطاع غزة في 8 أكتوبر 2023، تكثف إسرائيل جرائمها لضم الضفة الغربية إليها، لا سيما بهدم منازل فلسطينيين وتهجيرهم وتوسيع الاستيطان.ومن شأن ضم إسرائيل الضفة الغربية رسميا إليها إنهاء إمكانية تنفيذ مبدأ حل الدولتين ، المنصوص عليه في قرارات صدرت عن الأمم المتحدة.
وأدى التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، إلى استشهاد ما لا يقل عن 1102 فلسطيني، وإصابة قرابة 11 ألفا، واعتقال ما يفوق 21 ألفا، وفقا لمعطيات فلسطينية. فيما خلّفت الإبادة الإسرائيلية بغزة نحو 71 ألف شهيد و171 ألف جريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، فضلا عن دمار ضخم، مع تكلفة إعادة إعمار قدرتها الأمم المتحدة بنحو 70 مليار دولار.
اقتحام مخيم
ميدانيا اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي،أمس الثلاثاء، مخيم قلنديا وبلدة كفر عقب شمال مدينة القدس المحتلة، وأصاب فلسطينيا بمحيط المخيم. وقالت محافظة القدس في بيان وفق الأناضول، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي اقتحم بشكل واسع وبمشاركة جرافات عسكرية وعشرات الجنود، شمالي القدس خاصة مخيم قلنديا وبلدة كفر عقب.
وأفادت المحافظة أن القوات الإسرائيلية انتشرت بكثافة في الشارع الرئيسي وأحياء المخيم وبلدة كفر عقب.وأوضحت أن الاقتحام رافقه إطلاق مكثف "لقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع والأعيرة المطاطية"، لافتة إلى حدوث حالة من الهلع في صفوف المواطنين.
وأكدت أنّ شابا فلسطينيا أصيب برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في محيط مخيم قلنديا، دون ذكر تفاصيل عن حالته.وأشارت إلى أنها رصدت منذ ساعات الصباح الباكر "تحركات غير اعتيادية، شملت تجمعا مكثفا للآليات العسكرية والجرافات في محيط المنطقة، في مؤشر على نية تنفيذ الاقتحام".
ولفتت إلى أن الجيش الإسرائيلي وزع منشورات في وقت سابق، زعم فيها اعتزامه اقتحام المنطقة بذريعة "إزالة تعديات".وبهذا الصدد، قالت المحافظة إن قوات الجيش استخدمت "القوة المفرطة داخل الأحياء السكنية المكتظة، في سلوك لا يمت بصلة لإجراءات مدنية".وحذّرت من خطورة استمرار الاقتحام وتداعياته على حياة الفلسطينيين وسلامتهم.كما حملت المحافظة إسرائيل المسؤولية الكاملة عن أي تصعيد ميداني قد ينجم عن الاقتحام، في ظل التوتر المتصاعد في المنطقة.
هذه التطورات تأتي وسط تصاعد عمليات الهدم الإسرائيلية لمنازل الفلسطينيين في القدس الشرقية، الأمر الذي يتسبب بتشريد السكان، ضمن ما يشكل جزءا من "مخطط احتلالي لإحلال المستوطنين مكان أصحاب الأرض"، وفق ما أكدته محافظة القدس في بيان الاثنين.
وأفادت محافظة القدس بأنها رصدت منذ ساعات الصباح الباكر تحركات غير اعتيادية، شملت تجمعاً مكثفاً للآليات العسكرية والجرافات في محيط المنطقة، في مؤشر واضح على نية تنفيذ الاقتحام. وبحسب المحافظة، يأتي هذا الاعتداء بعد منشورات وزّعها جيش الاحتلال، زعم فيها عزمه اقتحام المنطقة بذريعة "إزالة تعديات"، في حين بدأ عملياً أعماله بالاعتداء على المواطنين واستخدام القوة المفرطة داخل الأحياء السكنية المكتظة، في سلوك يعكس طابعاً قمعياً لا علاقة له بأي إجراءات مدنية. وحذّرت محافظة القدس من خطورة استمرار هذا الاقتحام وتداعياته على حياة المواطنين وسلامتهم، محمّلة سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن أي تصعيد ميداني قد ينجم عنه، في ظل الأجواء المشحونة والتوتر المتصاعد في المنطقة.
إلى ذلك، أصيب عدد من الفلسطينيين، فجر امس، برصاص قوات الاحتلال بالتزامن مع اعتداءات للمستوطنين، واقتحامات وعمليات اعتقال نفذتها قوات الاحتلال في عدد من المدن والبلدات في الضفة الغربية المحتلة. وأفاد الهلال الأحمر الفلسطيني بأن طواقمه في نابلس شمالي الضفة تعاملت فجر اليوم الثلاثاء، مع ثلاث إصابات نتيجة إطلاق رصاص على مركبة قرب حاجز عورتا المقام على أراضي جنوب نابلس، حيث أصيب أحد الفلسطينيين برصاص حي في اليد، فيما أصيب آخران برضوض مختلفة جراء انقلاب المركبة، وجرى نقل المصابين إلى المستشفى لتلقي العلاج.
وفي سياق متصل، ذكرت مصادر محلية أنّ ثلاثة فلسطينيين أصيبوا، في هجوم شنّه مستوطنون على تجمع واد جحيش في بلدة السموع جنوبي الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة، حيث رشق المستوطنون منزل الفلسطيني محمود الدغامين بالحجارة، ما أدى إلى تحطيم نوافذه وإلحاق أضرار بمحتوياته، إضافة إلى الاعتداء بالضرب على سكانه. وفي حادثة أخرى، أفادت مصادر محلية بإصابة فلسطيني، مساء الاثنين، بجروح، جراء تناثر زجاج مركبته عقب تعرضها لإطلاق نار من قبل مستوطنين عند مدخل قرية مراح رباح، جنوبي مدينة بيت لحم، جنوبي الضفة.