وصندوق الودائع والأمانات التونسيCDC و expertise France
مشروع «وطني – Watani، وهو برنامج بقيمة 5 ملايين يورو يهدف إلى دفع ريادة الأعمال، وتعزيز الابتكار، ودعم الإدماج الاقتصادي في تونس، بالاعتماد على الديناميكيات المحلية وكفاءات التونسيين المقيمين بالخارج.
ويأتي هذا المشروع في سياق البحث عن مقاربات تنموية أكثر شمولًا وعدالة، ترتكز على تثمين رأس المال البشري، وتقليص الفوارق الجهوية، وتحويل الهجرة من تحدٍّ اقتصادي واجتماعي إلى رافعة للاستثمار ونقل الخبرات.
في ظلّ التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها تونس، تتقدّم ريادة الأعمال اليوم كأحد أهم الخيارات الاستراتيجية القادرة على خلق الثروة، وتوليد فرص العمل، والحدّ من الفوارق الجهوية. وفي هذا السياق، تم بعث مشروع «وطني – Watani» ، بهدف دفع الابتكار، وتعزيز الإدماج الاقتصادي، وتثمين كفاءات التونسيين المقيمين بالخارج ضمن رؤية تنموية متكاملة.
لا يأتي مشروع «وطني» كآلية معزولة أو مبادرة ظرفية، بل يندرج ضمن مسار وطني تراكمي عملت تونس على بنائه منذ أكثر من عقد، تولد عنه نسيج ريادي متطوّر نسبيًا، قاده تفاعل متواصل بين الدولة، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني. ويعتمد المشروع على تمويل من الوكالة الفرنسية للتنمية، فيما تتولّى خبرة فرنسا التنفيذ العملي، مستندًا إلى الدور المحوري الذي يلعبه صندوق الودائع والأمانات في دعم التنمية الاقتصادية الشاملة وضمان اتساق المبادرات مع الأولويات الوطنية.
وتراكمت خلال السنوات الماضية نتائج ملموسة للشراكة التونسية–الفرنسية في هذا المجال، من خلال برامج هيكلية مثل EnLien وFAST وMEET Africa 2 وInnov’i وGreenov’i، حيث تمّت مرافقة أكثر من 3 آلاف رائد أعمال، إلى جانب تعزيز قدرات أكثر من 30 هيكل دعم، ما أسهم في رفع مستوى الاحترافية داخل المنظومة الريادية الوطنية. وقد لعبت هذه الديناميكية دورًا مباشرًا في تهيئة المناخ لإصدار قانون الشركات الناشئة (Startup Act) سنة 2018، الذي وضع تونس في مصافّ أكثر النظم البيئية ابتكارًا على المستوى الإقليمي.
يرتكز مشروع «وطني» على مقاربة جديدة نسبيًا في السياسات العمومية، تقوم على الربط العضوي بين ريادة الأعمال والتنمية الجهوية وتعبئة الجالية التونسية بالخارج. ويتولّى صندوق الودائع والأمانات الإشراف الوطني على المشروع، الذي يستهدف دعم أنشطة ريادية في عدة جهات، بالاعتماد على هياكل قائمة وفاعلة مثل The Dot وELIFE، من أجل توفير مسارات مرافقة ملائمة للشباب، ولا سيما الفئات الأكثر عرضة للهجرة، والنساء، والمهاجرين العائدين.
ولا يقتصر تدخل المشروع على مرافقة أصحاب المشاريع في مراحل التأسيس الأولى، بل يشمل كذلك تدعيم المنظومة الداعمة نفسها، عبر إحداث نافذة تمويل مخصّصة لهياكل المرافقة، واعتماد أدوات دعم مبتكرة من شأنها تسريع نمو المؤسسات ذات الإمكانات العالية. كما يُعَوَّل على المشروع في ضمان استدامة النموذج الاقتصادي لمنصة The Dot، التي باتت تُعدّ مرجعًا وطنيًا داخل منظومة ريادة الأعمال التونسية.
وتحظى الجالية التونسية المقيمة بالخارج بمكانة مركزية في فلسفة مشروع «وطني»، باعتبارها رصيدًا استراتيجيًا في مجالات الاستثمار، ونقل المعرفة، والابتكار. وفي هذا الإطار، سيتم تطوير منصة مخصّصة لتعبئة الادخار، إلى جانب توفير مرافقة نوعية عبر برنامج The Dot Landing، لفائدة روّاد الأعمال التونسيين بالخارج الراغبين في الاستثمار أو الانخراط في مشاريع اقتصادية داخل تونس، بما يعزّز الروابط الاقتصادية بين الداخل والخارج.
ويُدار المشروع من خلال لجنة قيادة يرأسها صندوق الودائع والأمانات، وتضم فاعلين وطنيين محوريين، بما يضمن تنفيذًا منسجمًا مع السياسات العمومية، ويعزّز الطابع التشاركي في الحوكمة. ويأتي هذا التمشي ليعزّز الجهود المتواصلة منذ سنوات لتنشيط الجهات، ودعم الابتكار الشامل، وتثمين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لحركية الأشخاص والأفكار، سواء تعلق الأمر بالتونسيين العائدين، أو بكفاءات الجالية، أو بتبادل الخبرات العابرة للحدود.
وبينما تراهن تونس على الابتكار كرافعة أساسية للخروج من الأزمات المتعددة، يقدّم مشروع «وطني – Watani» نموذجًا عمليًا لكيفية تحويل ريادة الأعمال إلى أداة تنمية فعلية، قادرة على خلق فرص مستدامة، وترسيخ الاستثمار الجهوي، وإعادة ربط تونس بكفاءاتها في الداخل والخارج، ضمن رؤية تقوم على الشمول، والعدالة، واستدامة الأثر.