في ندوة مغاربية بتونس خبراء وحقوقيات يناقشن التحديات في مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي

في سياق الاحتفال باليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة

نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس ندوة علمية مغاربية تحت عنوان "العنف القائم على النوع الاجتماعي في المنطقة المغاربية: المقاربات، السياسات والتحديات". وحرصت هذه الندوة على تعميق النقاش حول قضايا المرأة والنوع الاجتماعي في دول المغرب العربي، واستكشاف سبل تعزيز الحماية القانونية والحقوقية للنساء. وأمن عدد من الحقوقيات والباحثات من الجزائر وليبيا والمغرب وتونس سلسلة مداخلات تتناول السياسات العمومية والمقاربات الحقوقية والتحديات المتصلة بمكافحة العنف ضد النساء. كما جاءت هذه الفعالية ضمن إطار الحملة الدولية لمناهضة العنف ضد المرأة 2025، الممتدة من 25 نوفمبر إلى 10 ديسمبر، تاريخ اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
شهدت الندوة العلمية المغاربية التي انعقدت بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس إجماعا بين المشاركات على أنّ تنامي العنف ضد النساء في دول المغرب العربي يعود بالأساس إلى منظومة اجتماعية ترى في بعض أشكال العنف ممارسة طبيعية، وإلى قوانين غير قادرة على حماية النساء أو محاسبة المعتدين بصرامة.
وقد اعتبرت الباحثة المغربية لطيفة البوحسيني أنّ التجربة في المغرب تكشف بوضوح هذا التناقض بين الجهود التشريعية وبين الواقع الميداني. وأوضحت أنّ تسعينات القرن الماضي شهدت حراكا حقوقيا نسويا ساهم في بروز وعي جماعي بضرورة مكافحة العنف، ما أفضى إلى وضع إستراتيجية وطنية سنة 2003 لإسناد النساء المعنّفات، ثم إصدار قانون خاص بمناهضة العنف ضد النساء سنة 2018. غير أنّ هذا القانون – وفق قولها – ظل محور جدل اجتماعي واسع، بين من اعتبره تهديدا لـ"تماسك الأسرة" وبين المدافعين عن حماية المرأة، وهو ما أسهم في تعطيل تنفيذه. وأضافت أنّ تضييق الدولة على الإعلام والمنظمات النسائية حدّ لاحقا من قدرة المجتمع المدني على لعب دوره، مما أدى إلى إعادة إنتاج أنماط العنف ذاتها، خصوصا مع تركز الحركات النسوية على العنف الأسري دون التعمق في أشكال أخرى مثل العنف السياسي والاقتصادي والجنسي.
ومن جانب آخر، تناولت المحامية والباحثة القانونية منية العابد الوضع في تونس، مشيرة إلى أنّ القانون الأساسي عدد 58 ورغم أهميته، يعاني من ثغرات كبيرة، أبرزها عدم التنصيص على تجريم مستقل لظاهرة قتل النساء، باعتبارها أشد أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي. وانتقدت العابد ضعف أداء المركز الوطني لمكافحة العنف المحدث في إطار هذا القانون، مؤكدة أنه وضع دون توفير الإمكانيات الضرورية التي تسمح له بالعمل الفعلي، سواء من حيث الكفاءات البشرية أو أدوات الرصد والمتابعة. واعتبرت أنّ الإشكاليات التطبيقية لا تقل خطورة، إذ تواجه الهياكل المكلفة بتنفيذ القانون صعوبات تشمل بطء تدخل النيابة العمومية، ومحدودية أداء الوحدات المختصة، وغياب آليات تقييم الخطر، إلى جانب هشاشة منظومة الوقاية وضعف التنسيق القطاعي والجهوي وغياب المتابعة الحقيقية للنساء ضحايا العنف.
أما الباحثة الليبية عبير أمنينة، فقد عرضت واقعا اكثر تعقيدا في بلادها، مؤكدة أنّ السياق السياسي والأمني المتأزم في ليبيا فاقم مستويات العنف المسلط على النساء، حيث تُسجّل حالات قتل على يد جماعات مسلحة، وتزويج قسري، واعتداءات جنسية. وأوضحت أنّ غياب قانون شامل لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي يزيد من هشاشة وضع المرأة الليبية، فالتشريعات المعتمدة تستند إلى قانون عقوبات قديم لا يعترف بالعنف كظاهرة اجتماعية، بل يبرر بعض أشكاله، مثل ضرب الزوجة باعتباره "تأديبا" مشروعا. ولفتت إلى ثغرات أخرى على غرار غياب آليات إثبات التحرش الجنسي وإسقاط عقوبة المغتصب في حال زواجه من الضحية، معتبرة أنّ هذه الممارسات تُكرّس ثقافة الإذلال وتمنع أي تقدم تشريعي حقيقي، خصوصا في ظل ذهنية ذكورية مسيطرة داخل المؤسسات التشريعية تعطل كل محاولة لإصدار قانون يحمي النساء في مناطق النزاع.
وابرزت الندوة أنّ العنف ضد النساء في المنطقة المغاربية ليس مجرد ظاهرة فردية أو سلوكية، بل هو نتاج بنى اجتماعية وثقافية وقانونية متشابكة، تتطلب إصلاحا عميقا للسياسات العمومية، وإرادة سياسية حقيقية، وتمكينا فعليا للمؤسسات والمجتمع المدني من أجل ضمان حماية النساء ورفع أشكال العنف المسلّط عليهن.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115