المهرجانات الصيفية و"موضة النوستالجيا": "النسخ الأنيق"... حين يُصفّق الجمهور للتكرار!

إنّ "الموهبة وحدها لا تكفي، يجب أن تكون لديك الشجاعة لاستخدامها"

على رأي "أدغار ألان بو". ومن لا يملك شجاعة الإبداع، سيتحوّل إلى مجرد مؤرّخ للماضي. وهذا ما ينطبق على الكثير من العروض التونسية التي تسجل حضورها على ركح المهرجانات الصيفية تحت اسم "سهرة وفاء إلى فلان أو فلانة" أو تحت عنوان " أغاني الزمن الجميل"... لكن في الحقيقة هذه اللافتات البراقة والشعارات الرنانة تخفي ورائها انعدام الفكرة والمغامرة.

فهل من المقبول اليوم أن نعيد الأغاني نفسها ، والعروض نفسها، والأشكال الموسيقية نفسها، ثم نروّج لها كإنجاز فني جديد؟
هل نتحدث عن فن هنا، أم عن صناعة تكرار تُدار بمقاييس الاستهلاك؟
لقد وّلى زمن تبهر فيه حفلات كاملة قائمة على نوستالجيا جماعية، على أرشيف موسيقي محفوظ عن ظهر قلب يُعاد ترتيبه وتوزيعه وتقديمه بأصوات جديدة. في المقابل ، أصبحت حاجة الأركاح والجماهير اليوم إلى الدهشة الممتعة التي تعقب كل اكتشاف جديد وإلى الجرأة المربكة التي هي جوهر الإبداع.
للأسف، أصبح كثير من الفنانين يتقنون الاحتراف في "إحياء التراث" والنهل من الذاكرة واللعب على أوتار الموروث الموسيقي... مقابل كسل ملحوظ في الإتيان بالجديد وإبراز مواهبهم في الغناء أو التلحين دون استعمال إبداعات الأسماء الناجحة أو الخالدة كطاقية إخفاء .
ليس الإشكال في إعادة أداء الأغاني القديمة بحدّ ذاتها بل في أن تُصبح تلك الإعادة نمطا ثقافيا مهيمنا يحوّل المهرجانات من فضاءات اكتشافات إلى ساحات استعراض مألوف.
لقد أصبح السائد بأنّ الجديد مكلفوأنّ القديم مضمون. فأصبحت العروض لا تغامر في الرهان على المختلف وتسجن نفسها الموجود الآمن؟
إنّ الفن الحقيقي لا يُقاس بعدد المشاهدات، ولا بحجم التصفيق، بل بقدر ما يوسّع أفقنا، ويرجنا، ويضعنا في مواجهة أسئلتنا وأنفسنا.أما ما نعيشه الآن، فهو احتفال صاخب بالفراغ، يُباع فيه الماضي بأغلفة حديثة، وتُدفن فيه الأحلام الجديدة تحت ركام العادة والارتياح الجماعي.
صحيح أننا اليوم أمام مهرجانات تعيد الإعادات وتملأ السهرات بأغنيات السابقين والآخرين... ومع ذلك ، لا يزال هناك أمل. طالما يوجد من يكتب،ومن يلّحن، ومن يبحث، ومن يجدد، ومن يرفض أن يكون مجرد تكرار لما سبق.
وكم نحن في حاجة ماسة إلى موسم ثقافي يأتي بالجديد في كل صائفة ولا يكون مجرد إعادة تشغيل لدولاب الذاكرة !

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115