بشأن تولي مصر إدارة قطاع غزة مقابل سداد ديونها الخارجية. جاء هذا الرد من وزارة الخارجية المصرية على لسان المتحدث الرسمي، الذي وصف الاقتراح بـ"المرفوض وغير المقبول". مع هذا الرد القوي، تسلط القاهرة الضوء على موقفها الراسخ من القضية الفلسطينية، مشددة على عدم قبول أي حلول التفافية لا تلتزم بالثوابت العربية والفلسطينية.
وقال المتحدث الخارجية المصرية تميم خلاف، "رداً على استفسارات صحفية حول المقترحات المتداولة بشأن الحوكمة خلال المرحلة المقبلة في قطاع غزة، وآخرها مقترح تولي مصر إدارة قطاع غزة لفترة زمنية"، وفق ما نقلته وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية.وأكد متحدث الخارجية المصرية أن المقترحات المتداولة "أطروحات مرفوضة وغير مقبولة، بوصفها أنصاف حلول تُسهم في تجدد حلقات الصراع بدلاً من تسويته بشكل نهائي".
وقال تميم خلاف إن "أي أطروحات أو مقترحات تلتفّ حول ثوابت الموقف المصري والعربي، والأسس السليمة للتعامل مع جوهر الصراع، التي تتعلق بانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، أطروحات مرفوضة وغير مقبولة، بوصفها أنصاف حلول تُسهم في تجدد حلقات الصراع بدلاً من تسويته بشكل نهائي".وشدد على "الارتباط العضوي بين قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، بصفتها أراضي فلسطينية تمثل إقليم الدولة الفلسطينية المستقلة، ويجب أن تخضع للسيادة وللإدارة الفلسطينية الكاملة".
قراءة في الموقف المصري
ووفق مراقبين يعكس الرد الرسمي المصري حالة من الحذر والرفض الاستباقي تجاه أي مقترحات تهدف إلى إعادة رسم الواقع السياسي والجغرافي في غزة بطرق تتجاوز الحلول المتعارف عليها دوليا. من خلال رفضها لمقترح لابيد، أكدت مصر موقفها الثابت في دعم الحقوق الفلسطينية، وبالتحديد في رفض مساعي تقسيم الأراضي الفلسطينية أو تغيير هويتها الجغرافية. فاقتراح لابيد، الذي يتضمن تولي مصر الوصاية على غزة لمدة تصل إلى 15 عاما مقابل سداد الديون الخارجية للقاهرة، يبدو كحلّ بعيد عن المعالجة الحقيقية للجوهر الفلسطيني للصراع وتجاهلا لهدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ويؤكد متابعون أن هذا الرد المصري يعكس رفضا لأي حلول "أنصاف" قد تؤدي إلى تجدد حلقات الصراع بدلا من السعي إلى تسويته بشكل نهائي. إذ لا ينبع هذا الرفض فقط من معارضة المبادئ السياسية التي يتضمنها المقترح، ولكن أيضا من مخاوف إستراتيجية تخص الأمن الإقليمي ككلّ.
ولطالما أكدت مصر ارتباط غزة بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، باعتبارها جزءا من الأراضي الفلسطينية التي يجب أن تخضع لإدارة فلسطينية كاملة. هذه الرؤية تتماشى مع المبادئ الأساسية التي تلتزم بها مصر في إطار دعم الدولة الفلسطينية المستقلة، التي تعتبرها القاهرة جزءا أساسيا من إستراتيجية طويلة الأمد لضمان الأمن الإقليمي وتعزيز الدور العربي في حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وسبق أن رفضت القاهرة مقترحات مشابهة تتعلق بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى دول مجاورة، واصفة هذا الخيار بـ"الخط الأحمر"، بعد مقترح أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير الغزاويين إلى مصر والأردن وأثار جدلا واسعا . ويرى خبراء أن هذا الموقف يعكس حقيقة أن مصر لن تتسامح مع أي خطة يمكن أن تؤدي إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم أو خلق واقع جغرافي جديد.
التداعيات والأبعاد
وعند الحديث عن المقترح من ناحية اقتصادية، يعتبر لابيد أنه في حال تولت مصر الوصاية على غزة، فإن ذلك سيكون بمثابة اتفاق يتيح سداد جزء من الديون الخارجية المتراكمة على القاهرة. وبالرغم من ذلك أعلنت الحكومة المصرية رفضها بشكل قاطع، مدفوعة باعتبارات اقتصادية وسياسية.
ويؤكد خبراء أنه بدلا من الحلول المؤقتة أو الالتفاف حول جوهر القضية الفلسطينية، تظل مصر حريصة على دعم الحلول الشاملة التي تستند إلى قرارات الأمم المتحدة ومرجعيات السلام المعترف بها دوليا. إذ تركز القاهرة على ضرورة تحقيق تسوية نهائية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي تضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وهو ما يتماشى مع الموقف العربي والدولي.
ومن خلالا بيانها الأخير سعت مصر تسعى إلى التأكيد على أمر بالغ الأهمية:وحدة الأراضي الفلسطينية وعدم قابلية تقسيمها أو التفريط في أي جزء منها. فالموقف المصري لا يقتصر فقط على رفض المقترحات الحالية، بل يتمحور حول تأكيد السيادة الفلسطينية الكاملة على كل الأراضي المحتلة، بما فيها غزة. وهي مسألة تُعتبر في غاية الحساسية بالنسبة للقاهرة، إذ لا يمكن لها أن تقبل بأي صيغة تضمن استمرار الاحتلال أو تفرض وصاية خارجية على الشعب الفلسطيني. ه
بالمقابل، يطرح المقترح الإسرائيلي من يائير لابيد تساؤلات كبيرة حول حسابات بعض القوى الدولية والإقليمية في التعاطي مع الأزمة الفلسطينية. لابيد، الذي اقترح تولي مصر إدارة القطاع لمدة 15 عامًا، يأتي مقترحه في إطار محاولات فرض حلول شبيهة بالوصاية، وهي حلول يرفضها الفلسطينيون.
في هذا السياق، يكشف هذا المقترح عن محاولة إسرائيلية جديدة لتصفية الحسابات المالية والسياسية على حساب الشعب الفلسطيني، وهو ما ترفضه مصر تماما، حيث ترى فيه محاولة لتغيير طبيعة الصراع إلى صراع اقتصادي، بدلا من كونه صراعا على الحقوق والسيادة.
وفي الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل المواقف الفلسطينية على الأرض، وخاصة موقف حركة حماس التي لطالما أكدت أن أي ترتيبات تتعلق بمستقبل قطاع غزة يجب أن تكون بتوافق فلسطيني شامل. فقد رفضت حماس، مرارا وتكرارا، أي محاولات لنزع سلاح الفصائل الفلسطينية أو تغيير الوضع القائم في غزة دون موافقة وطنية. هذا الموقف يعكس حقيقة أن فلسطين لا يمكن أن تُحكم من الخارج، وأن أي خطوة نحو إعادة بناء أو إعادة إعمار غزة يجب أن تتم وفقًا للقرارات الفلسطينية المستقلة.
ووفق مراقبين يبقى الموقف المصري أحد الأعمدة الأساسية في السياسة العربية تجاه فلسطين. وفي وقت تتوالى فيه محاولات فرض حلول ملغومة أو غير مكتملة، فإن مصر تُجدد تأكيدها على أن السلام لا يمكن أن يتحقق إلا عبر الاعتراف الكامل بحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة، تكون غزة جزءا أساسيا منها.
مصير المحادثات
من جهتها قالت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس أمس الخميس إنها مستعدة لبدء محادثات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بعد إطلاق سراح عدة مئات من الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية الليلة الماضية مقابل رفات أربعة رهائن إسرائيليين.
وكانت هذه هي عملية التبادل الأحدث والأخيرة ضمن المرحلة الأولى من الاتفاق ومدتها ستة أسابيع. ودخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 19 جانفي. ولم تبدأ المحادثات بعد بشأن المرحلة الثانية، والتي من المفترض أن تؤدي في نهاية المطاف إلى نهاية دائمة للحرب التي دمرت أغلب مناطق القطاع.
وتواجه الحكومة الإسرائيلية ضغوطا شعبية للالتزام باتفاق وقف إطلاق النار لإطلاق سراح الرهائن المتبقين، بينما يريد البعض داخل الحكومة اليمينية العودة إلى الحرب لتحقيق هدفهم المتمثل في القضاء على حماس.
وأدت الحالة المتدهورة للرهائن الذين سُلموا في الأسابيع القليلة الماضية، بمن فيهم بعض الذين بدا عليهم الوهن والبعض الآخر تقول "إسرائيل" إنهم قُتلوا ومن بينهم طفل، إلى تأجيج الغضب العام في "إسرائيل"، مما قد يؤثر على المحادثات لتمديد اتفاق وقف إطلاق النار.وقالت حماس أمس الخميس إن السبيل الوحيد لتحرير الرهائن المتبقين في غزة هو الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار.
وأضافت الحركة في بيان "نجدد التزامنا الكامل باتفاق وقف اطلاق النار، ونؤكد استعدادنا للدخول في مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق".ولا يزال 54 رهينة محتجزين في غزة، وتعتقد السلطات الإسرائيلية أن أقل من نصفهم ما زالوا على قيد الحياة.
وقال وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين لهيئة البث العامة الإسرائيلية (راديو كان) إن إسرائيل طالبت الجيش بالبقاء في محور فيلادلفيا (صلاح الدين) الذي يمتد على طول الحدود الجنوبية لقطاع غزة مع مصر.
ومن المفترض أن تبدأ القوات الإسرائيلية الانسحاب من منطقة الحدود بين غزة ومصر يوم السبت، عندما تنتهي المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار.وكان مفترضا أن تبدأ "إسرائيل" وحماس المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق في اليوم السادس عشر من وقف إطلاق النار، لكن لم تظهر أي مؤشرات تذكر على إحراز تقدم.ونجح وسطاء مصريون أمس الأول في إتمام تسليم رفات آخر أربعة رهائن ضمن المرحلة الأولى من الاتفاق، مقابل 620 فلسطينيا ممن اعتقلتهم القوات الإسرائيلية في غزة أو المسجونين في إسرائيل.
ورفض الاحتلال الإسرائيلي إطلاق سراح المعتقلين يوم السبت الماضي بعد أن سلمت حماس ستة رهائن خلال مراسم أقيمت على منصة.وأقامت حماس خلال المرحلة الأولى مراسم تسليم شملت صعود الرهائن الأحياء على منصات وعرض توابيت تحمل رفات الرهائن الأموات أمام حشود في غزة قبل تسليمهم، وسط انتقادات حادة بما في ذلك من الأمم المتحدة.ولم تتضمن عملية التسليم الأحدث مثل هذه المراسم.
وتقول السلطات الفلسطينية إن ما لا يقل عن 48 ألف فلسطيني استشهدوا في الحملة الإسرائيلية اللاحقة على غزة. ودمرت الحرب القطاع الساحلي المكتظ وتسببت في نزوح غالبية سكانه عدة مرات.ووفقا لمصدر في حماس، فإن الفلسطينيين المفرج عنهم الليلة الماضية يشملون 445 رجلا و24 امرأة وقاصرا احتُجزوا في غزة، بالإضافة إلى 151 سجينا كانوا يقضون أحكاما بالسجن المؤبد بتهمة التورط في شن هجمات أسفرت عن مقتل إسرائيليين.
ونقلت حافلة معتقلين من سجن عوفر الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة إلى رام الله حيث تجمعت حشود مبتهجة لاستقبالهم.وقال السجين المفرج عنه بلال ياسين (42 عاما) لرويترز إنه ظل معتقلا في إسرائيل لمدة 20 عاما.وأضاف "لم تذهب تضحياتنا وسجننا هباء... كنا لدينا ثقة في المقاومة".
وذكر مصدر في حركة حماس ووسائل إعلام مصرية أن مصر تسلمت ما يقرب من 100 معتقل فلسطيني آخرين، وأنهم سيبقون فيها حتى تستقبلهم دولة أخرى.
مشاورات بشأن المرحلة الثانية
هذا وأجرى رئيس وزراء الإحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، مشاورات أمنية بشأن المرحلة الثانية من تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة مع حركة "حماس" بوساطة مصرية قطرية أمريكية.
وفي حين ماطل الإحتلال الإسرائيلي بإجراء مفاوضات حول آليات تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق فإنها لا تخفي رغبتها بتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق التي تنتهي مساء السبت.وقالت القناة 12 العبرية: "تسعى إسرائيل الآن إلى تمديد المرحلة الأولى، وقد أوضحت للولايات المتحدة الأمريكية أنها مهتمة بمواصلة المفاوضات".
وأضافت: "أجرى رئيس الوزراء عددا من المناقشات الأمنية، سيتقرر في نهايتها ما إذا كان سيتم إرسال وفد لمواصلة المفاوضات حول المرحلة الثانية، وما هو التفويض الذي سيمنحه له".ومن المقرر عقد قمة عربية يوم 4 مارس المقبل لإقرار خطة عربية لإعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير الفلسطينيين، وتقول واشنطن إنها تنتظر رؤية هذه الخطة.