رغم كل الضغوط الصهيونية محطة هامة على طريق العودة الى ديارهم ومنازلهم وذلك في سياق هذا الصراع التاريخي بين الحق الفلسطيني وبين المحتل الغاصب . أسقط الغزاويون أمام انظار العالم مخططات ترامب ونتنياهو وبينوا بأن هناك شعب صامد في غزة مستعد للعودة حتى الى ركام المنازل واقامة مخيمات مؤقتة الى ان تبدأ رحلة الإعمار مرة أخرى ... فلو تدمرت غزة الف مرة ستبقى فلسطينية الهوية والوجدان تماما كما كل ذرة تراب من فلسطين .
نقطة تحول
ولعل التطورات التي شهدتها الأيام الأخيرة في الأراضي المحتلة أضافت أبعادا جديدة للصراع في قطاع غزة، حيث شكلت عملية "طوفان الأقصى" وما تبعها من تداعيات، أبرزها عودة الفلسطينيين المهجرين قسريا من جنوب القطاع إلى شماله، نقطة تحول محورية ألقت بظلالها على المشهد الإسرائيلي الداخلي. وبينما تتواصل الانتقادات الموجهة لرئيس وزراء الإحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تتعمق حالة الانقسام داخل إسرائيل بشأن إدارة الحرب وأهدافها المعلنة وفشل حكومة الإحتلال في هزيمة المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
وكانت عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في أكتوبر 2023 ضربة مفاجئة للنظام الأمني الإسرائيلي، إذ كشفت عن نقاط ضعف خطيرة في منظومة الردع والسيطرة العسكرية. ومع استمرار الحرب، جاء مشهد الزحف الفلسطيني شمالًا ليعيد خلط الأوراق ويؤكّد مجددا تمسك الفلسطينيين بأرضهم رغم كل محاولات اقتلاعه من جذوره بشتى السبل .
هذا التحرك الجماهيري الشعبي ، الذي شمل مئات الآلاف من الفلسطينيين، لم يكن مجرد خطوة ميدانية، بل حمل رسالة رمزية وسياسية تتجاوز حدود القطاع. فقد تحدّى السردية الإسرائيلية التي روجت لأهداف الحرب، أبرزها القضاء على قوة حماس والمقاومة وإضعاف بنيتها التحتية.
الارتباك الداخلي في ''إسرائيل''
أثار المشهد الأخير انقساما حادا داخل الأوساط السياسية والعسكرية في إسرائيل. فاليمين المتطرف، الذي كان من أشد داعمي نتنياهو في قراراته الحربية، بدأ يُحمّله مسؤولية الإخفاقات الميدانية. إذ باتت مطالبات قادة هذا المعسكر بالعودة إلى الحرب الشاملة على غزة تعكس حالة من الإحباط والضغط الشعبي، خاصة بعد ظهور مؤشرات على أن المقاومة الفلسطينية ما زالت قادرة على إدارة الصراع بمرونة وقوة وصمود.
في المقابل، تعالت أصوات داخل المؤسسة الأمنية التابعة للاحتلال الإسرائيلي تحذر من تبعات التمادي في الحرب، مشيرة إلى أن المشهد الحالي يعزز صمود الفلسطينيين ويضعف مصداقية ''إسرائيل'' أمام المجتمع الدولي.
فشل ورقة الضغط الإسرائيلية
ويرى مراقبون أنّ ''إسرائيل'' لعبت على مدى الأشهر الماضية على ورقة منع الفلسطينيين من التحرك بحرية بين شمال وجنوب القطاع، معتبرة إياها وسيلة ضغط رئيسية على حماس. ومع ذلك، فإن عودة هذا الطوفان البشري شمالًا أبرز فشل هذه الورقة، وكشف عن محدودية قدرة ''إسرائيل'' على تهجير الفلسطينيين قسرا من أرضهم وحتى باعتماد ضغوط أخرى لعلّ آخرها تصريحات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب التي طال فيها دول الجوار مصر والأردن باستقبال الغزيين ، وهو مقترح جوبه برفض فلسطيني مصري أردني قاطع .
واعتبر خبراء أن هذا الزحف الجماهيري يشكل ضربة لحكومة نتنياهو، حيث فقدت واحدة من أهم أوراقها التفاوضية.
سواء من خلال طوفان الأقصى أو مشاهد العودة إلى غزة رغم حالة الدمار التي خلفتها الحرب، فإن الفلسطينيين أثبتوا أن لديهم أدوات متعددة لتحدي الاحتلال وتغيير قواعد اللعبة. أما في الداخل الإسرائيلي، فإن ارتدادات هذه التطورات قد تؤدي إلى زعزعة المشهد السياسي بأكمله، وربما إعادة خلط التحالفات السياسية، في وقت تبدو فيه حكومة الاحتلال الإسرائيلية عاجزة عن تقديم أجوبة حاسمة لأزمة تتفاقم يوما بعد يوم.
دلالات الصمود الفلسطيني
ورغم الدمار الهائل الذي طال منازلهم وقراهم بفعل القصف الإسرائيلي المستمر، كانت ملامح الفرح والارتياح واضحة على وجوه العائدين الفلسطينيين إلى شمال غزة، ما يعكس حجم الإصرار الفلسطيني على التمسك بالأرض، حتى في ظل أكثر الظروف قسوة.
واعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" عودة النازحين إلى شمال القطاع انتصارا للشعب الفلسطيني وإعلانا صريحا بفشل المخطّطات الإسرائيلية القائمة على التهجير والتطهير العرقي. وكشفت العودة الجماهيرية بهذا الشكل عن صلابة الموقف الفلسطيني الذي يرفض التهجير القسري، رغم التهديدات العسكرية والمعاناة الإنسانية.
في المقابل، أثارت هذه العودة غضبا داخل الأوساط الإسرائيلية. وزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن غفير وصف الخطوة بأنها استسلام إسرائيلي وانتصار لحركة حماس، بينما أشار وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إلى أن عودة النازحين تجسد ثمن "الصفقة السيئة"، في إشارة إلى التفاهمات التي سمحت بهذا التحرك. أما وزير الأمن الأسبق بيني غانتس، فقد طالب باستغلال المرحلة الثانية من المفاوضات لفرض شروط جديدة، تشمل إزالة حكم حماس ونزع سلاح القطاع.
عودة النازحين جاءت بعد يوم واحد من تصريحات للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، طالب فيها دولا عربية مثل الأردن ومصر باستيعاب سكان غزة بشكل مؤقت أو دائم. وقوبلت تصريحاته برفض قاطع من الأردن ومصر، إلى جانب رفض مماثل من السلطة الفلسطينية وحركات المقاومة. في هذا السياق، جاء تحرك أهالي غزة شمالًا بمثابة رسالة واضحة بأن الفلسطينيين يفضلون البقاء فوق أرضهم، حتى وإن كان ذلك تحت الأنقاض، على الاستسلام لمخططات التهجير.
هذه العودة لم تكن مجرد حركة ميدانية، بل إعلانا سياسيا بأن الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن حقوقه التاريخية، وعلى رأسها حق العودة. كما أن هذا التحرك الشعبي أحبط إحدى أدوات الضغط الإسرائيلية في المفاوضات، والتي حاولت تل أبيب استغلالها لفرض شروط على حركة حماس.
ووفق مراقبين فإنّ عودة النازحين إلى شمال القطاع تعني أنّ إسرائيل فشلت في تحقيق أحد أهم أهداف حربها الأخيرة، والمتمثل في إفراغ المنطقة الشمالية من سكانها. هذا التطور يحمل دلالات خطيرة لإسرائيل، إذ يعزز من ثقة الفلسطينيين بقدرتهم على كسر الحصار والتمسك بمواقعهم، ويعقد حسابات تل أبيب في أي مواجهة مستقبلية.
عملية عسكرية شمال الضفة
ميدانيا وسع جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليته العسكرية المستمرة لليوم الثامن ضد الفلسطينيين شمالي الضفة الغربية المحتلة.وقال شهود عيان وفق الأناضول، إن الجيش الإسرائيلي اقتحم ظهر الاثنين، مدينة طولكرم ومخيمي طولكرم ونور شمس، فيما تعمل قواته منذ 21 جانفي الجاري في مدينة جنين ومخيمها.
وذكر رئيس اللجنة الشعبية لمخيم طولكرم فيصل سلامة، أن الجيش الإسرائيلي "طرد عشرات العائلات من منازلها واستولى عليها بالقوة وحولها إلى ثكنات عسكرية".وأضاف أن القوات الإسرائيلية "اتخذت من الفلسطينيين دروعا بشرية تحت تهديد السلاح".وتابع سلامة، أن الجيش الإسرائيلي "شرع في تدمير البنى التحتية بمخيم طولكرم".
وبالتزامن يواصل الجيش لليوم الثامن، عدوانا على الفلسطينيين وممتلكاتهم في مدينة جنين ومخيمها شمال الضفة الغربية المحتلة، أسفر عن استشهاد 16 فلسطينيا بينهم طفلة، وإصابة 50 آخرين، وفق معطيات فلسطينية رسمية.
من جانبها، طالبت الرئاسة الفلسطينية ، الإدارة الأمريكية الجديدة "بوقف العبث الإسرائيلي الذي سيؤدي إلى استمرار حالة عدم الاستقرار والقلق، وزعزعة الأمن في المنطقة، ولا يسهم بمعالجة مشاكل المنطقة برمتها، وذلك من أجل الوصول إلى سلام مستدام يوقف النزاعات ويمنع الصراعات في المستقبل".
وحذرت في بيان من تداعيات "استمرار الحرب المتواصلة على الشعب الفلسطيني من قبل سلطات الاحتلال التي بدأت بشن المرحلة الثانية من الحرب على الضفة الغربية بالعدوان على محافظة طولكرم، الذي أدى إلى استشهاد مواطنين، وتدمير ممنهج للبنية التحتية وممتلكات المواطنين في المحافظة".
وبموازاة الإبادة بغزة، وسّع الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ما أسفر ، عن استشهاد 880 فلسطينيا، وإصابة نحو 6 آلاف و700، واعتقال 14 ألفا و300 آخرين، وفق معطيات رسمية فلسطينية.وبين 7 أكتوبر 2023 و19 جانفي 2025، ارتكبت إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية بقطاع غزة خلفت نحو 159 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.