فبعد سلسلة زيارات أداها مسؤولون أوربيون بينهم وزيرة الخارجية الألمانية إضافة الى زيارات مسؤولين عرب على غرار رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي، جاء اجتماع الرياض في سياق بحث المسار الانتقالي السياسي في سوريا . اذ لا يخفى ان الوضع الداخلي السوري يثير مخاوف وهواجس دول الإقليم ، فالعراق تخشى من عودة تنظيم داعش الإرهابي وتسارع الخطى لإتمام إقامة الجدار الحدودي على الحدود مع سوريا .
أي دور عربي ؟
كل هذه المخاوف تم بحثها خلال اجتماع لجنة الاتصال العربي الخاصة بسوريا على مستوى وزراء الخارجية، وذلك في تطوّر يواكب الأحداث السياسية الكبرى في المنطقة. حيث بحث الاجتماع الآراء حول دعم سوريا في مسارها السياسي المقبل، كما ركّز على تقديم المساعدة الإنسانية وإعادة بناء الدولة السورية من جديد. كما تناول الاجتماع العديد من القضايا الإقليمية والدولية المتعلقة بالأزمة السورية، وأبرزها مسألة دعم عملية انتقالية سياسية شاملة ومتوازنة.
ويرى مراقبون أن اجتماع الرياض يمثل خطوة نحو تحقيق تسوية سياسية في سوريا تدعمها الدول العربية، لكن هذا المسار لا يخلو من التحديات السياسية والاقتصادية. فمع استمرار الضغوط الدولية، خاصة العقوبات المفروضة على سوريا، يبقى السؤال حول مدى قدرة الحكومة السورية على تنفيذ إصلاحات شاملة تلبي تطلعات الشعب السوري وتحقق الاستقرار في البلاد. ومع ذلك، فإن هذا الاجتماع يعكس الإرادة العربية في الحفاظ على وحدة سوريا، وضمان أمنها وسلامة أراضيها في ظل بيئة إقليمية معقدة. فموازين القوى اليوم في سوريا هي لصالح تركيا والولايات المتحدة ، اما ميدانيا فقد باتت سوريا دولة منزوعة السلاح بعد الضربات الصهيونية التي استهدفها جيشها وثكناتها العسكرية . وظلت الدول العربية تلعب دور المتفرج أمام بركان الأزمات المنفجر في المنطقة. لذلك جاء الاجتماع لمحاولة أخذ دور عربي في المشهد الراهن في سوريا.
دعم الحكومة السورية
وأكد البيان الختامي على دعم الحكومة السورية الجديدة ، فقد أعرب الوزراء المشاركون في الاجتماع عن ترحيبهم بالجهود المبذولة من جانب دمشق ، مؤكّدين على أهمية الوقوف إلى جانب خيارات الشعب السوري واحترام إرادته في تحديد مسار مستقبله.وفي هذا السياق، شدّد المشاركون على ضرورة دعم سوريا في جهودها لتحقيق عملية انتقالية سياسية تكون شاملة لجميع القوى السياسية والاجتماعية السورية، بما في ذلك القوى المعارضة بمختلف تشكيلاتها ومكوناتها الاجتماعية وفق نفس البيان .
ورغم تأكيد الدعم العلني للنظام السوري، فقد كانت هناك إشارات واضحة في البيان الختامي للاجتماع حول التحديات التي تواجه سوريا، وفي مقدمتها انتشار الإرهاب في بعض المناطق السورية، حيث تمّ التأكيد على ضرورة إزالة هذه الظاهرة التي تهدد أمن واستقرار البلاد. كما تمّت الإشارة إلى ضرورة دعم جهود سوريا لإعادة بناء نفسها كدولة ذات سيادة كاملة، مع الالتزام بحمايتها من أي انتهاكات لسيادتها أو اعتداءات على وحدة أراضيها.
دعوات لرفع العقوبات
وفي سياق آخر، أبرز الاجتماع الدعوة لرفع العقوبات المفروضة على سوريا، والتي اعتبرها العديد من المشاركين في الاجتماع بأنها تشكل عائقا أمام طموحات الشعب السوري في تحقيق الاستقرار والتنمية وإعادة الاعمار. وفي ذات السياق، أبدت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، استعداد التكتل الأوروبي لمراجعة العقوبات المفروضة على سوريا، لكن هذا التخفيف مرتبط بتطوّرات سياسية محددة على الأرض، في مقدمتها إشراك جميع فئات الشعب السوري في العملية السياسية بما في ذلك المرأة، كما يجب أن تتجنب الحكومة السورية الجديدة السياسات التي قد تعزز التطرف أو تعرقل عملية المصالحة الوطنية.
وعلاوة على الدعم السياسي والاقتصادي، ناقش وزراء الخارجية المشاركون في الاجتماع التهديدات التي تواجه سوريا من قبل ''إسرائيل''. فقد أعرب المشاركون عن قلقهم العميق بشأن التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، مؤكدين على ضرورة احترام سيادة سوريا وحدودها الوطنية في جميع الأوقات. ويعكس هذا الموقف تنامي الوعي العربي بضرورة دعم سوريا في مواجهة التحديات الخارجية، وحماية أمنها القومي في وقت تشهد فيه المنطقة توترات متزايدة.
ورغم هذا الموقف المشترك، يبقى التساؤل حول مدى قدرة الدول العربية على ضمان استقرار سوريا في ظل استمرار التوترات الإقليمية والدولية. إذ يبدو أن الدول العربية تسعى في هذا السياق إلى بناء موقف عربي موحد في إطار استراتيجيات دعم سوريا سياسيا واقتصاديا، خاصة وأن هذه الدول تعلم أن استقرار سوريا لا يعد فقط مصلحة وطنية للشعب السوري، بل مصلحة إقليمية تتعلق بالأمن العربي بشكل عام.
وفيما يتعلق بالمواقف الدولية، لفتت الأنظار تصريحات كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، التي أفادت بأن الاتحاد سيعقد اجتماعات نهاية جانفي لبحث إمكانية تخفيف العقوبات على سوريا. لكن في نفس الوقت، أكدت أن هذا الأمر مشروط بتطورات ملموسة على الأرض تتعلق بنهج الحكومة السورية في عملية الحكم، حيث يجب أن يشمل ذلك إشراك مختلف الأطراف السياسية والمجتمعية، مع التركيز على حقوق المرأة وإبعاد التطرف عن الحياة السياسية.أما مصر، التي كانت حاضرة في هذا الاجتماع، فقد تركّزت مواقفها حول مسألة الإرهاب. فقد شدّد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي على ضرورة تكاتف المجتمع الدولي للحيلولة دون أن تصبح الجماعات الإرهابية تهديدا لأمن واستقرار المنطقة بأسرها.
وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية التي سادت الاجتماع، تظل الإدارة السورية الجديدة تواجه العديد من التحديات الجسيمة. ووفق مراقبين ورغم التقدم الذي تم إحرازه، يرى مراقبون أنّ ما يجري في الرياض ليس مجرّد اجتماع عادي، بل هو بمثابة إعادة تشكيل واقع سوريا على الساحة الدولية. إذ يعكس الاجتماع الأخير يعكس إرادة جماعية من الأطراف المعنية لإنهاء عزلة سوريا وتقديم الدعم الضروري لبناء دولة مستقرة وآمنة.
البيان الختامي
وجاء في بيان صادر عن رئاسة اجتماعات الرياض بشأن سوريا: "بدعوة من وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، واستكمالا للاجتماعات الوزارية التي استضافتها المملكة الأردنية الهاشمية في مدينة العقبة في تاريخ 14 ديسمبر 2024، اجتمع في مدينة الرياض، وزراء خارجية وممثلي كل من مملكة البحرين وجمهورية مصر العربية والجمهورية الفرنسية وجمهورية ألمانيا الاتحادية وجمهورية العراق والجمهورية الإيطالية والمملكة الأردنية الهاشمية ودولة الكويت والجمهورية اللبنانية وسلطنة عمان ودولة قطر ومملكة إسبانيا والجمهورية العربية السورية والجمهورية التركية ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة وايرلندا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية والأمين العام لجامعة الدول العربية والممثلة السامية للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسات الأمنية والأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ومبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا".
وأضاف البيان: "جرى خلال الاجتماع بحث خطوات دعم الشعب السوري الشقيق وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة المهمة من تاريخه، ومساعدته في إعادة بناء سوريا دولة عربية موحدة، مستقلة آمنة لكل مواطنيها، لا مكان فيها للإرهاب، ولا خرق لسيادتها أو اعتداء على وحدة أراضيها من أي جهة كانت".
كما بحث المجتمعون دعمهم لعملية انتقالية سياسية سورية تتمثل فيها القوى السياسية والاجتماعية السورية تحفظ حقوق جميع السوريين وبمشاركة مختلف مكونات الشعب السوري، والعمل على معالجة أي تحديات أو مصادر للقلق لدى مختلف الأطراف عبر الحوار وتقديم الدعم والنصح والمشورة بما يحترم استقلال سوريا وسيادتها، أخذا بعين الاعتبار أن مستقبل سوريا هو شأن السوريين، مؤكدين وقوفهم إلى جانب خيارات الشعب السوري، واحترام إرادته.
وعبر المجتمعون عن "قلقهم بشأن توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سوريا والمواقع المجاورة لها في جبل الشيخ، ومحافظة القنيطرة، مؤكدين أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها".
وصرح وزير خارجية المملكة العربية السعودية بأن "الاجتماع يأتي لتنسيق الجهود لدعم سوريا والسعي لرفع العقوبات عنها، مرحبا بقرار الولايات المتحدة الأمريكية إصدار الترخيص العام 24 بشأن الإعفاءات المتصلة بالعقوبات على سوريا"، كما طالب الأطراف الدولية برفع العقوبات الأحادية والأممية المفروضة على سوريا، والبدء عاجلا بتقديم كافة أوجه الدعم الإنساني والاقتصادي وفي مجال بناء قدرات الدولة السورية وتهيئة البيئة المناسبة لعودة اللاجئين السوريين".
وعقد هذا الاجتماع في وقت يسعى رئيس الإدارة الجديدة في دمشق أحمد الشرع، الذي سيطرت قواته مع فصائل معارضة مسلحة على دمشق الشهر الماضي، إلى تخفيف العقوبات عن البلاد، ويشارك وزير خارجية الإدارة الجديدة أسعد الشيباني في محادثات الدوحة.
الشرع يلتقي وفد أوكراني
ميدانيا وصل وفد أوكراني برئاسة وزير الخارجية أندريه سيبيغا إلى العاصمة السورية دمشق، أمس الاثنين، في زيارة هي الأولى من نوعها للقاء أحمد الشرع، زعيم هيئة تحرير الشام، المعروف سابقاً بـ "الجولاني"، وذلك في أعقاب الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد.
وخلال اللقاء، نقل سيبيغا رسالة من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى الشعب السوري، قال فيها: "نحن معكم ومستعدون للمساعدة في استعادة الحياة الطبيعية وتحقيق الاستقرار والأمن الغذائي".وأكد سيبيغا على أهمية احترام سوريا الجديدة للقانون الدولي، بما في ذلك سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، معتبراً أن ذلك "سيمهد الطريق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية واستعادة الحوار السياسي وتعزيز الحضور الدبلوماسي بشكل كامل". وأضاف: "نحن على استعداد لتطوير التعاون في عدة مجالات".
وأشار الوزير الأوكراني إلى أن نظام بشار الأسد السابق، وتحت تأثير موسكو، كان قد اعترف بضم روسيا شبه جزيرة القرم واحتلال أجزاء من منطقتي دونيتسك ولوهانسك، وهو ما دفع كييف إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري في عام 2022. وأوضح الوزير أن أوكرانيا تفترض أن سوريا الجديدة ستحترم القانون الدولي، مما سيتيح استئناف العلاقات الدبلوماسية والتعاون الثنائي.
وأكد سيبيغا أن بلاده مستعدة لمشاركة خبرتها في جمع الأدلة القانونية والتحقيقات والعمل على تقديم مجرمي الحرب إلى العدالة، لافتاً إلى استعداد أوكرانيا لدعم الأمن الغذائي في سوريا.وفي هذا السياق، أعلن أن أكثر من 20 شاحنة محملة بـ500 طن من الطحين الأوكراني ستصل إلى سوريا ، ضمن البرنامج الإنساني "حبوب من أوكرانيا"، مشيراً إلى أن هذه الكمية ستكفي لإطعام أكثر من 33 ألف عائلة سورية، أي ما يعادل 167 ألف شخص، لمدة شهر كامل.
كما شدد الوزير على أهمية فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين، معتبراً أنّ هذه الزيارة، الأولى لوفد أوكراني رسمي إلى سوريا منذ سنوات، تعكس الرغبة في بناء شراكة إستراتيجية.وتطرقت المحادثات بين الجانبين إلى إمكانية إقامة مشاريع مشتركة في مجالات الصناعة والزراعة وتبادل التكنولوجيا، إضافة إلى التعاون في الأمن السيبراني وحماية المعلومات. وأعرب سيبيغا عن رغبة بلاده في زيادة حصة البضائع السورية في الأسواق الأوكرانية.