في جلسة ممتازة في مجلس نواب الشعب وبحضور أعضاء البرلمان ونواب المجلس الوطني للأقاليم والجهات، وقد ألقى بالمناسبة كلمة ذكر فيها بثورة 17 ديسمبر ومحاولات إجهاضها منذ 15 جانفي 2011 والعمليات الإرهابية التي وقعت والقرارات التي اتخذها منها خاصة حلّ البرلمان ومسار 25 جويلية كما تحدث خلالها عن التحديات الكبرى التي سيتم رفعها في العهدة الجديدة، كلمة حافظ خلالها على ذات اللهجة والمعجم اللغوي من السباق ضدّ الساعة والثورة التشريعية ولا مكان للخونة والعملاء والاقتتال الداخلي وصراع الشرعيات وحرب التحرير الوطني والصلح الجزائي ومواجهة الفساد والمؤامرات، كلمات ومصطلحات جدد التأكيد عليها الرئيس في كلمته لتكون أبرز عناوين مسار العهدة الجديدة له.
أكد رئيس الجمهورية أن الشعب التونسي ''صاحب السيادة'' قد قال كلمته الفصل بكل حرية يوم 6 أكتوبر، قائلا ''تحية لكل من اختار بكل حرية ولم يحتكم إلاّ لقناعاته وليس لغيرها ولم يحكم سوى ضميره... و تابع قوله " الشعب يريد الشغل والحرية والكرامة الوطنية"، وذكر بـ"وجود محاولات خفية أو ظاهرة سعت إلى إجهاض الثورة منذ 15 جانفي 2011 بهدف الإبقاء على المنظومة القديمة مع تغيير شكلي لتبقى بلادنا محكومة من قبل من يريد البقاء وراء الستار لمزيد التنكيل بالشعب والتحكم في مقدراته ، ثم بدأت مؤامرة أخرى هي الأخطر وذلك بتقسيم البلاد ولن يقدر احد على أن يغيّب عن الذاكرة أحداث 9 افريل من سنة 2012 حين حاولت مجموعات منظمة ومسلحة قمع المتظاهرين حتى تضفي هذه المجموعات شرعية مزعومة تم إدراج مشروع حكم ربما يذكره كثيرون في نص الدستور الذي تم نشره في شهر افريل من سنة 2013 …حكم ينص على أن الدولة هي التي تحتكر إنشاء القوات المسحلة وقوات الأمن الداخلي وأي قوات أخرى ويكون ذلك بمقتضى قانون ولخدمة الصالح العام.
المخاطر جسيمة
بحسب ما جاء في كلمة رئيس الجمهورية فإن قرار حلّ البرلمان في 25 جويلية 2021 لم يعلم به أحد كما يدعي البعض بل كان قرارا أملته المسؤولية الوطنية التاريخية، قائلا " ليحفظ التاريخ والمؤرخون أن قرار تجميد أعمال البرلمان سيّء الذكر لم يعلم به أحد على الإطلاق..قلت بيني وبين نفسي كيف يمكن أن أقف أمام ربي يوم القيامة وبماذا سأجيب، وكنت في ذلك المساء الحزين أقول كيف أقابل ربي والشعب التونسي، والأوضاع داخل الدولة والمجتمع تزيد تفاقما وتأزما يوما من بعد يوم.. استعاد الشعب ثورته وتم وضع دستور جديد وتم تنظيم استفتاء حسم فيه الشعب أمره بعد استشارة وطنية استهدفها بطبيعة الحال المناوءون ولكنها نجحت بالرغم من كل محاولاتهم البائسة لإفشالها .كما تم انتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب وإثره أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم قبل تنظيم الانتخابات الرئاسية في موعدها ، لم يكن الأمر هينا ولا يسيرا ، كانت المخاطر جسيمة كمن يمشي في حقل مليء بالألغام وكانت فلول المنظومة السابقة منتشرة كالأفاعي تسمع فحيحها دون أن تراها فضلا عن الخيانات ومحاولة تأجيج الأوضاع بكل الطرق "، ليشدد على أنه لا تراجع عن المحاسبة ولا مكان للخونة والعملاء ولمن يرتمي في أحضان دوائر الاستعمار.
إدخال البلاد في صراع شرعيات
وشدد الرئيس على أن قراراته لم تكن متأخرة بل فضّل التأني في اتخاذها حفاظا على استمرارية الدولة وعلى السلم داخل المجتمع، قائلا ''حتى لا تسيل قطرة دم واحدة وقد تأتي لحظة المكاشفة والمصارحة ليعلم الجميع أن هناك من كان يخطط ويدبر من الداخل والخارج على السواء وآخر توافق إجرامي هو محاولة إدخال البلاد في صراع شرعيات وإدخال تونس في أتون اقتتال داخلي وتقسيمها إلى مجموعة من المقاطعات.. والحمد لله تعالى أن النواب تداعوا فاسقطوا المخططات التي كان عملاء الصهيونية العالمية وأعضاء المحافل الماسونية رسموها وحددوا حتى الموعد بهدف تحقيقها …إن الشعب التونسي آل على نفسه أن يعبر وقد عبر وآل على نفسه أن يواصل حرب التحرير الوطني لتخليص البلاد من هذه الزواحف السامة والأفاعي ..".
فتح طريق جديدة أمام العاطلين عن العمل
هذا وشدد الرئيس على أن من أكبر التحديات التي سيتم العمل عليها دون هوادة هي فتح طريق جديدة أمام العاطلين عن العمل وخاصة أمام الشباب إلى جانب بناء اقتصاد وطني يرتكز على خلق الثروة في ظلّ خيارات اقتصاديّة وطنيّة نابعة من إرادة الشعب، ويمكن بالتالي تحقيق ما كان يعدّ من المستحيل أو الأحلام، ومن التحديات أيضا وفق سعيد، وليس اقلها الحفاظ على المؤسسات والمنشات العمومية بعد تطهيرها تطهيرا يعيد إليها توازنها والكل يعلم أن الذين تسللوا إليها تحت عناوين مختلفة نهبوها ونسفوها نسفا تمهيدا للتفريط فيها مثلما فعلوا وواصلوا منذ نهاية السنوات الثمانين من القرن الماضي. كما تحدث سعيد عن منوال التنمية الذي سيصنعه الشعب المفقر وهو الذي يحدد مسار التاريخ وتحدث أيضا عن الاقتصاد الريعي وعن نسب النمو والمعطيات المغلوطة. وفي المقابل، أكد أن أبواب الصلح الجزائي يمكن أن تفتح من جديد قائلا " لا حاجة أن يبقى من أعاد أموال الشعب كاملة سجينا أو فارا ".
الحرية الاقتصادية والسياسية مضمونة
وفق رئيس الجمهورية فإن ''قوى الردة'' حاولت تعطيل الشركات الأهلية التي كانت حلا في خلق مواطن شغل جديدة، معتبرا أنه أصبح بالإمكان اليوم استنباط حلول أخرى وعدم القبول بأنصاف الحلول والانطلاق بسرعة في ثورة تشريعية تجسم آمال الشعب التونسي، وفق تعبيره. كما أضاف من جهة أخرى أن الحرية الاقتصادية مضمونة في تونس وأن المجال مفتوح أمام المبادرات الخاصة. كما أكد رئيس الدولة أن الحرية مضمونة كذلك في المجال السياسي، مبينا في هذا السياق أن الحرية ليست فوضى وافتراءات وشتم وسب وليست تعديا على الحقوق وخرقا للقانون وفق تعبيره.
"العبور من الإحباط إلى البناء والتشييد"
كما شدّد رئيس الجمهورية إلى حاجة تونس إلى ثورة ثقافية تقوم على تصوّر جديد للحياة داخل المجتمع، يستبطنها المواطن ويثور على مفاهيمها البالية ، جازما أنّ " الشعب التونسي لن يحبط ومصرّ على العبور من الإحباط إلى البناء والتشييد". هذا وأكّد على أنه لا وجود عند التونسيين لمصطلح التطبيع مع الكيان الصهيوني المغتصب المجرم، وأن كل من يتعامل معه يرتكب جريمة الخيانة العظمى للحق الفلسطيني، مؤكّدا أن تونس تقف دون حدود مع كل الشعوب المضطهدة وأولها الشعب الفلسطيني حتى يستعيد حقه كاملا ويقيم دولته المستقلة على كل أرض فلسطين وعاصمتها القدس الشريف. كما تقف دون شروط مع الشعب اللبناني الشقيق.