القاصر لهذه الآية نيرا على ظهور النّساء ورقابهنّ من التسلّط وقد غاب عنهم أنّ المقصود بالقوامة غير ذلك كلّه فقد جاء في تفسير العلاّمة الشيخ الطاهر بن عاشور لهذه الآية قوله:" تشريع في حقوق الرّجال وحقوق النساء والمجتمع العائلي. وقد ذُكر عقب ما قبلَه لمناسبة الأحكام الراجعة إلى نظام العائلة، لا سيما أحكام النساء، فقوله " الرّجال قوّامون على النساء " أصل تشريعي كُلِّيّ تتفرّع عنه الأحكام .... والحكم الذي في هذه الآية حكم عامّ جيء به لتعليل شرع خاصّ. فلذلك فالتعريف في " الرجال "
و " النساء " للاستغراق، والقَوَّام الذي يقوم على شأن شيءٍ ويليه ويصلحه، يقال قَوَّام وقَيَّام وقَيُّوم وقَيِّم، وكلّها مشتقّة من القيام المجازي، لأنّ شأن الذي يهتمّ بالأمر ويعتني به أن يقف ليدير أمره، فأطلق على الاهتمام القيامُ بعلاقة اللزوم. أو شُبِّه المهتم بالقائم للأمر على طريقة التمثيل. فالمراد من الرجال من كان من أفراد حقيقة الرجل، أي الصنف المعروف من النوع الإنساني، وهو صنف الذكور، وكذلك المراد من النساء صنف الإناث من النوع الإنساني، وليس المراد الرجال جمعَ الرجل بمعنى رَجُل المرأة، أي زوجها لعدم استعماله في هذا المعنى، بخلاف قولهم امرأةُ فلان، ولا المراد من النساء الجمعُ الذي يطلق على الأزواج الإناث ..وقيام الرجال على النساء هو قيام الحفظ والدفاع، وقيام الاكتساب والإنتاج المالي"
وذكر الشيخ محمد متولي الشعراوي في "خواطره التفسيريّة "ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ.. "النساء: 34، أوّل ما نلتفت إليه أنّ بعضهم لم يفسّروا الآية إلاّ على الرجل وزوجته على الرغم من أنَّ الآية تكلّمت عن مطلق رجال ومطلق نساء، فليست الآية مقصورة على الرجل وزوجه، فالأب قوّام على البنات، والأخ على أخواته. بعد ذلك في قوله: " بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ. "النساء: .34 فما وجه التفضيل؟ إنّ وجه التفضيل أنّ الرجل له الكدح وله الضرب في الأرض وله السعي على المعاش، وذلك حتى يكفل للمرأة سبل الحياة اللائقة عندما يقوم برعايتها.
ونلحظ أنّه ساعة التفضيل قال: " ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ. " النساء: 34 لقد جاء بـ " بَعْضَهُمْ. " النساء: 34 لأنّه ساعة فضّل الرجل لأنّه قوّام وفضّلت المرأة أيضاً لشيء آخر وهو كونها السكن حين يستريح عندها الرجل وتقوم بمهمتها. ثمّ تأتي حيثية القوامة: " وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ.. " النساء: 34. والمال يأتي نتيجة الحركة ونتيجة التعب، فالذي يتعب نقول له: أنت قوّام، إذن فالمرأة يجب أن تفرح بذلك لأنّه سبحانه أعطى المشقّة وأعطى التعب للجنس المؤهل لذلك. ولكن مهمتها وإن كانت مهمة عظيمة إلا أنها تتناسب والخصلة المطلوبة أولاً فيها: الرقة والحنان والعطف والوداعة. فلم يأت بمثل هذا ناحية الرجل لأن الكسب لا يريد هذه الأمور، بل يحتاج إلى القوة والعزم والشدّة، واليوم صارت المرأة قوّامة على الرجال على ولدها وعلى أبيها وعلى زوجها حين درست وترقّت واشتغلت فصارت القوامة مشتركة وبناء السرة متكافيء..
وهذه الآية أصل في العلاقات الزوجية، قَوَّامُونَ مفردها قوّام، لا نقول: قائم، بل قوّام، فهو قوام دائما على هذه الأسرة ليلا ونهارًا، يسعى لتأمين رزقها، لصيانة زوجته وأولاده من كلّ خلل، يصون علمهم، يصون أخلاقهم، يصون تربيتهم، يصون أولاده. فكلمة قوّام تعني شديد القيام، لا يرتاح إلاّ إذا رأى أولاده في أعلى مقام، لا يرتاح إلا ّإذا رأى زوجته سعيدة.ونفس الشيء بالنسبة للزوجة .
هذا معنى القوامة، لكن مع الأسف الشديد هناك من يفهم القوامة أنّه أعلى منها، وأنه يستطيع أن يذلّها، يستطيع أن يطلقها، يستطيع أن يستهين بها. إن بعض المسلمين فهموا القوامة استعلاء، فهموها تعسّفًا، فهموها قهرًا وإذلالاً واحتقارًا؛
"ففي قول الله تعالى "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء" هناك نقطة دقيقة أشار إليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حينما قال: "لست خيرًا من أحدكم، ولكنني أثقلكم حملاً". فمعنى ذلك أنّ الرجل ليس خيرًا من أحد من أفراد أسرته إلاّ أنه أثقلهم حملاً، وليس معنى ذلك أن الزوجة أصبحت لا شيء كما يفهمه البعض، فقد قال تعالى "وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ" الطلاق: 6 يعني أيّها الرجل القوامة معناها لا تستبدّ بالرأي تأمرها وتأمرك، تستشيرها وتستشيرك، تأخذ وجهة نظرها وتأخذ وجهة نظرك، عن أبي هريرة أنّ رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: "كلّ نفسٍ من بني آدم سيدٌ، فالرجل سيّد أهله، والمرأة سيدة بيتها"صحيح الجامع "4/ 183"
فيا أيتها المرأة: لا تتمني أن تكوني كالرجل، و يا أيها الرجل: لا تتمنّ أن تكون كالمرأة؛ حتى تستقيم الحياة معكما وتعيشان دون منغّصات: "وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ" النساء: 32.
هكذا فالقوامة عبء معنوي ومادي يتحمّله الرجل في الدنيا، ثمّ يُسأل عنه يوم القيامة فالرجل الظالم لزوجته يُدين نفسه عندما يردّد هذه الآية: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء"؛ لأّنها تلزمه تحمّل مسؤولية القوامة، والقيام بأعبائها؛ لذا نقول له: هل قمت فعلاً بأعباء القوامة كما أراد الله؟
من القوامة أن تعاشر زوجتك بالمعروف، فهل فعلت؟!
من القوامة تربية وتنشئة أبناء صالحين، فهل فعلت؟!
من القوامة احترام زوجتك فهل قمت بذلك؟!
من القوامة حماية زوجتك وأولادك من كلّ إيذاء، فهل قمت بذلك؟!
من القوامة أن تفرض احترامك على الزوجة بالمعروف من خلال احترامها، لا من خلال الشتم والضرب والإساءة، فهل أنت كذلك؟! أم أنّك تركت الحبل على الغارب لها ففقدت احترامها لك؛ لأن المرأة لا تحترم الرجل الذي لا يقوم بدوره في القوامة، ولا تحترم الرجل الذي يفهم القوامة على أنها تسلّط واستبعاد وإذلال وعنف وقسوة. ولقد قال بعضهم: "إنّ الرجل باب مغلق ومفتاحه المرأة،"
إننا بحاجه إلى أناس يقومون بواجباتهم لا إلى أناس يطالبون حقوقهم، لو أن الرجال اهتمّوا بمعرفة حقوق زوجاتهم عليهم أولاً لبادرت الزوجات بتأدية حقوقهم عليهن، وحين يعود الرجل إلى طريق الواجبات يصبح جديرًا بالاحترام.