الدستورية بالقسم على المصحف كعرف دستوري لا يخوّل للمسؤولين ممارسة مهامهم وصلاحياتهم قبل أدائهم لليمين الدستورية المقدّسة ..علما وأنّ هذا العرف مشترك في عديد الدساتير على غرار الدستور اللبناني في المادة 50 منه و الدستور السوري في المادة 90 منه و الدستور الأردني في المادة 29 منه و الدستور المصري في المادة79 منه وكذلك الدستور الجزائري في المادة75منه..
وكان الأمر يمرّ عاديا في كلّ مناسبة تحوير وزاري أو تنصيب حكومة لكن بعد التحوير الوزاري الأخير ظهر إشكال بروتوكولي تعلّق بالتساؤل عن كيفية أداء ريني الطرابلسي الذي أختير لمنصب وزير السياحة باعتباره وزيرا تونسيا يهودي الديانة لليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية استنادا للقانون المقارَن..فقد جرت العادة أن يضع الوزير يده على المصحف لأداء اليمين وهذا بالنسبة للمسلمين، وفي القانون المقارن عرفت بعض الدول مثل هذه الأوضاع على غرار الولايات المتحدة الأمريكية حيث كان أحد أعضاء الكونغرس مسلما وأدى اليمين على القرآن، أيضا في الأرجنتين الوزير المكلّف بالبيئة كان يهوديا وأدى اليمين على التوراة .
من حيث المبدأ الشرعي الفقهي فإنّ مسألة القسم على القرآن لا معنى لها بل هي مجرّد وسيلة من باب التغليظ والتأكيد على الحالف حتّى يتحرّى الصدق فالأصل أنّه ليس هناك حاجة إلى الحلف على القرآن، فإحضار المصحف هذا لا أصل له، ولا حاجة إليه، فالواجب على الحالف أن يصدق أينما كان سواء وضع يده على المصحف او غيره من الكتب المنزّلة ولا يحتاج الدخول للجامع والقسم في محرابه ولا يجوز له الكذب لا مع القرآن ولا مع غير القرآن..
الأصل التشريعي أن لا يكون القسم و الحلف إلاّ بالله - تعالى - دون شيء آخر لقول الرسول ، - صلى الله عليه وسلم - ، « من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت».
ووضع الحالف يده عند القسم على المصحف أو التوراة أو الإنجيل أو غيرهما ليس بلازم لصحة القسم ، لكن يجوز إذا رآه الحاكم لتغليظ اليمين ليتهيب الحالف من الكذب.
والخوف أن تأخذ هذه المسألة منحى جداليا آخر فقد يثير البعض مسألة الحلف على التوراة وهي نسخة محرّفة ، وليست الأصل المنزل على موسى عليه السلام.
ما نحتاجه اليوم من المسؤولين في وطن جريح يحيا مرحلة هشّة الصدق وتغليب المصلحة العامة والالتزام بالوفاء بما أقسم عليه حتّى لا يقعوا في اليمين الغموس التي هي اليمين الكاذبة، التي يحلفها صاحبها وهو عالمٌ بكذبها، ويقصد بها التدليس وتضييع الحقوق، وإثمها أكبر من أنْ يُكفَّر عنها، فاليمين الدستورية تنعقد بالتّلفظ بها فقط ولا يُعدّ وضع اليد على المصحف شرطاً في انعقاد اليمين، وإنّما وضع اليد على المصحف يأتي من باب التّأكيد، وتغليظ مهابة اليمين في نفس الحالف.
ما نحتاجه اليوم بعيدا عن القسم وعن الجعجعة الولاء للوطن بالمفهوم العميق الشامل، الذي ضعف إلى درجة تثير القلق على مستقبل الوطن، وأن الشعور بالانتماء قد ضمر ونزل إلى مستوى ينذر بالخطر، وأن الإحساس بالمسؤولية الوطنية التي يتحملها من تمّ تداولهم على المناصب والكراسي فحب الوطن نراه قد ضعف على نحو يصل أحياناً درجة الوهن والهزال، مما بات يهدد النسيجَ الوطنيَّ ..