حادث وحديث: أهلا بريني الطرابلسي وزيرا للسياحة

سمّي ريني الطرابلسي وزيرا على السياحة. أثارت تسميّة الرجل جدلا. بعضهم، يقول، من يدري، لعلّه من أتباع اسرائيل. لعلّه صهيونيّ. بعضهم

يضيف هناك تضارب في المصلحة. للرجل وكالة سياحيّة فكيف التوفيق بين الوزارة والوكالة؟ قلّة من الناس أثارت مسألة أداء القسم وعلى أيّ كتاب سوف يكون القسم... نسي الناس بسرعة السؤال هذا بعد أن أدركوا أنّ أداء القسم ترتيب شكليّ، لا نفع فيه ولا رجاء منه يرجى. انحصر الجدل، أوّلا، في ما كان للوزير الجديد من علاقة بإسرائيل وثانيا، بما قد يحصل من تضارب في المصلحة...

* * *

قبل النظر في النقطتين، أودّ الاشادة بالتسميّة هذه. في تسميّة ريني الطرابلسي على رأس وزارة السياحة وهي وزارة اقتصاديّة مهمّة، تفتح تونس ذراعيها لأبنائها من المسلمين وغير المسلمين، وهذه بادرة شجاعة، حسنة. فيها اشارة الى أنّ تونس ليست بلدا منغلقا وأنّ الأهمّ هو القدرة على التسيير والدفع، أمّا سوى ذلك فهو ريح ولغو...
كثيرا، ما رأيت، ومازلت أرى كلّ يوم، ما يحصل في تسميّات الوظائف الكبرى من مخاتلة، من محسوبيّة. عندنا، كثيرا ما تقع التسميّات بحسب علاقات القربى أو الجهويّة أو غيرها من العوامل الذاتيّة الأخرى. في حكومة الشاهد هذه، أرى في بعض التسميّات اعتباطيّة مضرّة... في تسميّة الطرابلسي هناك اشارة مهمّة. سمّي الرجل لا، لاعتبار ما كان له من قربى بل أساسا لما كان له من كفاءة وقدرة. في هذه التسميّة اشارة أخرى مهمّة. بتعيين الطرابلسي، نقول الى العالم أن لا فرق في تونس بين الذكر والأنثى، بين المسلم وغير المسلم. المعيار هو الكفاءة وماعدا الكفاءة لا شيء له معنى. هذا التمشّي أناصره. هذا المنهج، أودّ أن أراه في تونس كلّ يوم. كلّ مرّة.

* * *

بعض المعارضين لتسميّة الطرابلسي يقولون ان الرجل يهوديّ وله علاقات وطيدة مع اسرائيل. يضيف آخرون: في زمن بن عليّ، كان اجتهد في التقريب بين تونس واسرائيل وسعى الى التطبيع وكادت تونس أن تطبّع. بعضهم يذهب به الظنّ فيقول هو من أنصار الصهيونيّة مثله مثل كلّ اليهود في الأرض...
أوّلا، هو يهوديّ وله الحقّ في مناصرة اسرائيل ومن شاء من البلدان الأخرى. لكن، هل حبّه لإسرائيل يعني ضرورة عداوته لتونس؟ لا أعتقد. هذا خور.
أمّا حرصه على التطبيع مع اسرائيل فهذه اشكاليّة فيها آراء مختلفة... أن تطبّع تونس مع اسرائيل هو اشكال قائم اليوم وعلينا النظر فيه واعتبار ما فيه من ضرر ومن نفع. أهل القضيّة الفلسطينيّة هم اليوم طبّعوا. عرب الخليج يجرون الى التطبيع جريا... في تونس اليوم، هناك من لا يرى مانعا في التطبيع وهناك من يعارضه. هناك، من يرى في التطبيع فوائد جمّة. هناك من يرى في التطبيع عارا وخزيا... دون غلوّ، في هدوء، علينا أن ننظر في المسألة.

يقول بعضهم: انّ وزير السياحة الجديد صهيوني. أقول لهؤلاء: هل من اثبات لهذا الادّعاء؟ هل من أدلّة؟ عند بعضهم، كلّ اسرائيليّ هو صهيوني ضرورة. عند بعضهم أيضا، كلّ مسلم هو ارهابيّ ضرورة... مثل هذا الحكم المطلق فيه مغالطة وتطرّف. فيه خور وجهل.
النقطة الأخيرة. هل من الممكن التوفيق بين وكالة الأسفار ووزارة السياحة؟ اعتقد أن الرجل مدعوّ الى اختيار أحد السبيلين: امّا الوزارة أو الوكالة. وهذا بديهيّ... ثم لو نظرنا في وزراء تونس اليوم، لرأينا الكثير منهم في نفس الوضع. يحيون تضاربا في المصالح. الكثير من الوزراء هم رجال أعمال. هذا في الفلاحة والآخر له صناعة متمكّنة والثالث له قدم وساق في قطاع المال... دون أن يحصل خلط أو ضرر. لنا اليوم من القوانين ومن التراتيب ومن المراقبين ما يمنع مثل هذا الخلط...

يجب أن ندرك أنّ الرجل (أو المرأة) «الصفر»، ذاك الذي لا علاقة له في الأرض ولا تضارب له في المصالح، هو ليس من البشر ولا أخاله يحيا. لكل فرد عائلة وعلاقات وميولات وقد تسكنه أنانيّة وقد يشدّه خبث. حتّى نتفادى غلبة المصلحة، حتّى يستقيم السلوك ونتجنّب التهافت والسطو، يجب أن نظلّ في يقظة. أن نتابع الفعل. من تجاوز الحدّ واستأثر فله عقاب أقصى...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115