إثر انقضاء موسم الحجّ... التقييم الصادق وجرأة القرارات ...

بالصدق أساسا دون غيره يكون تقييم أي عمل ..فما بالنا حين يتعلّق الأمر بمناسك

وفريضة دينية حبلى بالمعاني والثمرات والمواجيد والانعتاق والصفاء ألا وهي شعيرة الحجّ ...ما تعودّنا عليه غياب التقييم -وذلك من سيئ العادات لدينا -وإن قيّمنا في السابق - فغالبا بالارتجال والمداراة - وعليه لا بدّ من القطع مع هذه الصورة حتّى لا نبقى نجترّ نفس الإسطوانة وندندن بنفس الأغنيات الممجوجة ونحوّل عبادة جليلة –الحج- إلى قضيّة صاخبة ومعركة تبعدها عن قدسيتها ومقاصدها المتعدّدة ..., وقد لوحظ مع الوزير الحالي للشؤون الدينية الحرص على التقييم وتعدّد الإجتماعات قبل موسم الحجّ وبعده مع جلّ الأطراف ذات الصلة الوثيقة وتواجده بنفسه في مواقع المناسك واقترابه من الحجيج التونسيين لكن السؤال هل هذا وحده كفيل بالتقييم السليم والإصلاح الفعلي الأسلم..؟؟؟
وهل أعدّ فريق الإرشاد والمتابعة والإداريون ومصلحة الحجّ التقارير التقييمية لهذا الموسم 2018 لتقرأ وتعالج وتناقش وأن لا تضمّها الرفوف والأدراج كما سلف ؟

لا بدّ أن تكون تقارير صادقة تذكر الإيجابي وتؤكّد على تطويره والحفاظ عليه وتذكر خاصة السلبي لمعالجته دون خجل فموسم الحجّ ونجاحه هو صورة تونس بكاملها فالحجّاج إلى جانب رحلتهم التعبّدية هم سفراء الوطن كلّ سنة لدينا قرابة 11.500 حاج وزد على ذلك فالمؤسسات المتداخلة في هذه الفريضة تنظيميا وخدماتيا وإداريا عديدة جدا انطلاقا من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ووزارات الشؤون الدينية ّ  والنقل والداخلية والصحّة والمالية .... فالمسؤولية جماعية ومشتركة في النجاح وفي الفشل .. 

وعملية التقييم تبدأ منذ الآن – دون اللجوء إلى التنصّل من المسؤوليات والتراشق بالتهم مع إشراك جمعيات المجتمع المدني ذات الصلة بالقطاع مع الحذر بأن لا يسمح لها بتجاوز دورها ومهمّتها -  بدءا بمراجعة منظومة التسجيل عن بعد وتجاوز نقائصها  فالتجربة حديثة العهد مع حتمية توفير وسائل العمل لوعاظ وزارة الشؤون الدينية في كامل مراكزهم ....مرورا بعملية تقييم كامل الخدمات – التي هي من مشمولات -الشركة الوطنية للإقامات والخدمات- من إسكان وإعاشة ونقل وكذلك مسألة الصحّة وما أدراك ما الصحّة علما وأنّ نسب كبار السنّ والمرضى من حجيجنا تبقى مرتفعة دائما وهذه من أكبر المعضلات ..وصولا إلى اتخاذ قرارات جريئة حسب مقتضيات الأمور تجنّبا لكثير من النقائص والتجاوزات .. 
ودون الخوض في التفاصيل وحتى نكون دائما في دائرة الإسهام بالبناء  نسوق جملة من المقترحات علّها تكون ذات جدوى لتطوير منظومة الحجّ :

1 - تقوية حضور وزارة الشؤون الدينية في ملف الحجّ باعتباره من مشمولاتها كاملا وعلى بقية المتدخلين الإنضواء تحت إشرافها الفعلي وربّما لمَ لا يتمّ التفكير بعد دراسة شاملة في إنشاء الديوان الوطني للحجّ والعمرة ليكون الجهة الوحيدة المنظّمة .ومقترح إنشاء هذا الديوان يكون بعد تدارس الجوانب القانونية والتشريعية ..

2 - تحديد سنّ قصوى للحجيج ك70 سنة مثلا لتجنّب كلّ إشكاليات الضياع والإصابات ومشاكل التأطير وغيرها..

3 - ربط عملية التسجيل في المنظومة الالكترونية  بدفع معلوم مالي كبقية عمليات التسجيل في بلادنا  وتوظّف المبالغ المرصودة في التخفيف من كلفة الحجّ وتحسين الخدمات وإضافة عدد المرافقين والمرشدين فمبلغ 15 د عن كلّ عملية تسجيل يوفّر 3 مليارات إذا علمنا أن عملية تسجيل ترشّحات الحجّ تصل إلى 200 ألف مترشّح سنويا..

4 - إشراك المؤسسة الطبيّة العسكرية في عملية الفحوص الطبيّة بتخصيص أطباء من خارج الجهة التي يقطن بها الحاج لتجنّب التأثير عليهم وحتّى تكون التقارير الطبيّة المتعلّقة بصحة حجيجنا أكثر جديّة  – وليس في هذا أي اتّهام لأطبّاء الصحة العمومية أو استنقاص من جهودهم فهم يجدون أنفسهم بين أهليهم وفي مستشفيات مناطقهم فيتحرّجون من حرمان المترشّح من الحجّ رغم يقينهم بعدم قدرته البدنية على ذلك –

5 - التفكير في تغيير صيغة عمل الشبابيك الموحّدة وما تنجرّ عنه من مشاكل وتعطيلات ومصاريف وخطورة السرقة والاعتداءات على أموال الحجيج فأحيانا تجد مئات الملايين نقدا مجتمعة عند الحجّاج في مكان الشبّاك دون حماية كبرى  أو في الطريق أو في وسيلة نقل عمومية في حين يمكن إنزال كلّ تلك المبالغ في شبابيك البنوك في الحسابات البنكية للمؤسسات المستفيدة – وهي شركة الخدمات وشركة الخطوط الجويّة- والإستظهار في الشبابيك الموحّدة بالوصولات دون الحاجة لكلّ مخاطر اصطحاب النقد والتهديدات الكامنة وراء ذلك ..وإتمام عمليات تبديل العملة خارج الشبّاك الموحّد في مكاتب البنوك والبريد دون الحاجة لجلبها لمكان واحد ممّا يخلق عديد الإشكاليات والمخاطر.

6 - تركيز نظام المرافقة والإرشاد الديني بنظام المجموعات الصغيرة فتقسيم قرابة 11500 حاج على مجموعات صغيرة لا تتجاوز 50 حاجا يكون أفضل من الإشتغال على مجموعات كبيرة ذات 800 او أكثر حاج يعسر التحكم فيها وتخصيص مرافق يتكفّل بنقلهم وخدمتهم وتسكينهم ومرشد يتكفّل بالجانب الديني والتربوي التوجيهي السلوكي  في كلّ مراحل الموسم وخاصة في نفرة عرفات وما يصحبها من إهمال في وضعية عصيبة من الإزدحام وارتفاع معدّل الأنانية في تلك اللحظة بالذات   وتتمّ ملازمة المجموعة في كلّ مكان ويتحمّل الثنائي – المرافق والمرشد -  كامل التبعات ويمكن محاسبتهما على أي إخلال لأن طريقة العمل المتوفّرة الآن هي طريقة لا تخوّل تحديد المسؤوليات ومحاسبة المقصّرين وسنحتاج إجمالا إلى حوالي 500 بين مرشدين ومرافقين تتمّ عمليات اختيارهم وفق الضوابط القانونية والمناشير المنظّمة لذلك دون محاباة وولاءات وجهويات وانتماءات وإقصاء كما لا يزال يحدث إلى اليوم مع التركيز على قطاع الوعّاظ أساسا باعتباره القطاع الأكثر التصاقا بالحجيج من بداية عملية التسجيل إلى مرحلة يوم السفر فهل يعقل أن يشتغل الواعظ قرابة الثمانية أشهر كاملة مع المترشحين للحج في معتمديته ثمّ يقصى من مصاحبتهم ومن الإرشاد ويعوّض بالأئمة الخطباء الذين لا صلة لهم البتّة بالحجيج ويحرم الواعظ من هذا الإمتياز الذي هو من صميم عمله ..

7 - التفكير في إشراك وزارة السياحة في عملية مراقبة واختيار النزل وإبرام عقود طويلة المدى – 15 سنة فما فوق وفق كرّاس شروط واضحة - لتخفيض الكلفة على غرار تجارب غيرنا من الدول..

8 - مراجعة عمل الفرق الطبيّة  وحسن توزيعها في النزل خاصة أينما وجد الحجيج ... 

9 - تنظيم عملية التوعية الدينية بدءا من تكثيف الدروس قبل الحجّ مع التركيز شبه الكامل على السلوك والتعايش وتقبّل الآخر وترسيخ قيم التعايش والإيثار والصبر مع الجوانب التعبّدية  ثم التنصيص على الأحكام الفاصلة في النوازل والمسائل الفقهية المتعلّقة بالحجّ بنصوص مكتوبة تجنّبا لكلّ الإختلافات بين المرشدين فيما بينهم ...
من الثابت أنّه توجد ثغرات أخرى يستوجب تطويرها وتجاوز الهنات فيه والأكيد أن موسم الحجّ يزداد تعقيدا من سنة لأخرى..فمنذ الآن نستعدّ بصدق لموسم الحجّ لسنة 2019 وليس بعد الآن ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115