التكهن بمعرفة صاحب هذه المقولة والتي لا تخلو من شعبوية ومزايدة. ودون مزيد من التشويق وحتى لا تذهبوا بعيدا بخيالكم أعلمكم أنه السيد حمادي الجبالي في تصريح شهير بضع سنوات بعد تحول السابع من نوفمبر 1987. وقد سار على هذا النهج القائم على الشعبوية والمزايدة والظهور في ثوب «الملكي أكثر من الملك». وكانت تلك المواقف تجد صدى واسعا عند البعض من التجمعيين الذين كانوا يعتبرون أية عملية نقدية أو حتى متحفظة حول بعض الاختيارات أو السياسات بالخصوص في مجال الحريات وحقوق الانسان ومكافحة الفساد ’ بمثابة ضعف في الانتماء والالتزام الحزبي وضربا من التواطؤ مع المعارضة.
ودون الرجوع الى الماضي الكل يعرف ما سببته هذه العقلية من مآس وكوارث على أداءالحزب والدولة وآثارها الوخيمة على صورة تونس. وقد رافقت ثقافة المزايدة والشعبوية كذلك مسار الانتقال الديمقراطي بعد 14 جانفي 2011 وبرزت شخصيات بخطابات ثورجية رغم انعدام الصدقية والمصداقية. ولَم تخل الأحزاب السياسية في هذه المرحلة من هذه الظاهرة وهيمن عليها هذا الصنف من الانتهازية السياسية الذي يستهوي القيادات السياسية وأضحى يتقرب اليها رهط من السياسيين الذين يتقنون فن الموالاة والتطبيل. والنتيجة المؤلمة ابعاد الكفاءات الحريصة على التعامل الواعي النقدي في اطار الحرص الدائم على ارساء قواعد التسيير الديمقراطي واحترام التعدد والتنوع داخل الأحزاب.
والمتابع للحياة السياسية في بلادنا يدرك جيدا ان الأزمة التي تتخبط فيها اغلب التشكيلات يعود بالأساس الى سيطرة هذه المقاربة الشعبوية على اغلب قياداتها.وطبيعي والحالة تلك، ان لا يسلم نداءتونس وربما حتى التنظيمات التي تفرعت عنه من الوقوع في هذا الانحراف .لذلك وقع ذلك الحزب وما تفرع عنه من المصاعب الراهنة على الرغم من ارتفاع عديد الأصوات داخل النداءوخارجه للتنبيه للمخاطر التي تهدد مستقبل الحزب نتيجة هيمنة الانتهازية السياسية عليه .ومما يشير الى ان هذا الداء اصبح ظاهرة عامة في الحياة السياسية انه مما لاشك فيه اليوم أن جماعة «الاسلام هو الحل» لم تسلم هي أيضا من تلك العوارض والظواهرالمرضية.
إشترك في النسخة الرقمية للمغرب
ورغم التكتم والتستر و«الانضباط الحزبي» فان تلك الجماعة واقعة اليوم تحت ضغط المزايدات والزبونية. ونلمس ذلك من خلال لغة الاعلام الذي أصبح يتحدث عن المحيط المقرب من «المرشد الاعلى» وعن المتمردين على البعض من اختياراته وسرعان ما بدأ الحديث عن الحمائم والصقور ولا ندري كيف سيكون مستقبل الحركة عند ولوجها مرحلة ما بعد «المرشد الاعلى».
بيت القصيد أو علة الوجود كما يحلو لأستاذنا الكبير عبد السلام المسدي التعبير عنه بعد هذا الاستعراض يتمثل في الواجب الاخلاقي والمنهجي المفروض اتباعه الْيَوْمَ بعد كل هذه الخيبات وبعد ان تبخر جانب هام من آمال التونسيين وانحصر رصيد الثقة لديهم تجاه الطبقة السياسية حتى يستعيدوا الأمل ويتصالحوا مع نخبهم وقادة الرأي فيهم ويتقلص عدد المنقطعين عن الشأن العام ونعيد للسياسة عناوين نبلها وفضائلها. فلا مجال الْيَوْمَ الى إعادة انتاج نفس الانحرافات والسقوط في ذات الأخطاء لان ببساطة عقوبة صندوق الاقتراع ستكون أقسى. ولهذه الأسباب التزمنا التعامل النقدي والمشروط مع مختلف العروض السياسية وقطعنا مع عقلية القطيع والمناشدة والشخصنة والمهدي المنتظر ومنطق «الي ما عندوش شاهد كذاب؟» أو الي موش «حافظ» يشد دارو أو الي موش دستوري «ماهواش وطني» و«سحقا سحقا للرجعية دساترة وإخوانجية» والي موش مع الإصلاحات الكبرى لينيني وتروتسكي.الخ
لا شيء يضاهي الحس النقدي والتساؤل الدايم وإعمال العقل وتجنب منح الصكوك على بياض والقطع نهائيا مع مناخات المناشدة والمبايعة فلا بد من مساءلة قادة الرأي عن افكارهم وبرامجهم وبشكل عام عن هويتهم الفكرية والسياسية ومقترحاتهم لتغيير اوضاع الناس والارتقاء بهم نحو الأفضل وزرع بذور الأمل والثقة في المستقبل وتحسين نوعية الحياةوادخال البهجة عليهم والتعلق بحب وطنهم. لا حياد عن هذه المبادئ ونحن في غمرة البحث عن بديل أو بدائل للاستعداد للمواعيد الانتخابية القادمة والتوفق في إيجاد أقوم المسالك لتجاوز انخرام توازن القوى السياسية الذي يمثل في اعتقادنا أولى الاولويات ومن دونه لا استقرار ولا ضمان للانتقال السلمي للسلطة ولحماية تجربة الانتقال الديمقراطي ببلادنا. استخلاص الدروس وإيجاد الصيغ والاليات لتجنب السقوط في المتاهات هو الأساس. لا جدوى للتحالفات دون تحديد المضامين والاهداف من ذلك سياسة «اركب لا تمنك» ؟؟ دون بوصلة ودون شروط دنيا ضمانا لمصداقية العملية السياسية ستؤدي الى نتائج كارثيةلا محالة وهذا هو جوهر اختلافنا مع الجيل الجديد من «الملكيين اكثر من الملك «وكل واحد منهم يعتبر نفسه «شاهد» على
عصره ومبشرا ونذيرا والذين انطلقوا يهرولون لا ايمانا بمشروعه ( الذي لم يتبلور بعد ولَم يعلن عليه صاحبه) وإنما نكالة (الخطيئة) في ما يعتبرونه غريمه وخصمه اللدود ابن «صاحب الباتيندة». هؤلاء القوم أساءوا ليوسف و لصورته و اعطوا رسالة سلبية مفادها : اذا أردت ان تحمي نفسك وتفلت من العقاب اركب لا تمنك وإذا أردت ان تضمن مكانا في الظل في قيلولة غدوة اركب لا تمنك إذا كنت تبحث عن عذرية جديدة اركب لا تمنك ونحن مازلنا على عقيدتنا ما هكذا تورد الإبل فالأحزاب في العالم قاطبة تشكو من العزوف ومن انحسار المشاركة الشعبية في الشأن العام و شهدت اعتى الديمقراطيات انهيارا مدويا لأحزاب عريقة وتاريخية ولَم يعد اَي طرف في مأمن من العقوبة ومن مخاطر الانقسام والتشتت وحتى الاندثار
وعليه يقتضي الواجب اليقظة وإعمال العقل وتوضيح الرؤى والسبل والاهداف وبشكل ملموس الإجابة على الأسئلة الحارقة أية هوية سياسية أي مشروع سياسي وأي مشروع تنموي أية تحالفات وفِي كلمة أية علاقة بالتونسيين وبمشاغلهم وبالمشروع الوطني العصري واية علاقة بمشروع الاسلام السياسي واية علاقة بالمال وبالمال الفاسد تحديدا واية علاقة بقضايا الفساد بالأمس واليوم عندها يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ويصبح الحلال بينا والحرام بينا وعندها فقط تسقط الولاءات الرخيصة ويظهر بحق الانتماء الواعي الصادق بنبض الوطن وهو اناؤه الخالص: الإنقاذ الإنقاذ.