يقارب السنتين من الحكم أصبحت فاقدة لجزء هام من الدعم البرلماني وخاصة من عديد نواب كتلة نداء تونس و بعض الكتل الأخرى التي صوتت لها مثل الكتلة الحرة و أفاق و الإتحاد الوطني الحر. كما أنها أصبحت فاقدة للدعم السياسي الذي كانت تحظى به و خاصة من طرف الإتحاد العام التونسي للشغل. وهي متهمة بالفشل من أحزاب المعارضة التي تطالب برحيلها. ناهيك أن رئيس الجمهورية طالب علنا رئيس الحكومة بالإستقالة أو عرض حكومته على ثقة البرلمان. لذلك لم يعد أمام يوسف الشاهد سوى حل واحد و لا غير و هو الذهاب إلى البرلمان لتجديد الثقة فيها أو سحب الثقة منها.
المعارضة = كلمة حق أريد بها حق
تعتبر المعارضة و الجبهة الشعبية جزء أساسي فيها بأن حكومة يوسف الشاهد لم تنجح بعد سنتين من توليها في تحقيق ما وعدت به التونسيات و التونسيين. فكل المؤشرات الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية سيئة. فالبطالة التي هي محور كل السياسات و التي تمثل المقياس الأساسي لنجاح حكومة من فشلها لم تنزل تحت 15 بالمائة منذ سنوات بل و تتفاقم خاصة في الجهات الداخلية حيث تصل إلى 25 و حتى 30 بالمائة. علاوة على غلاء الأسعار و تدهور القدرة الشرائية للطبقات الشعبية. ناهيك عن العجز في التحكم في التضخم وانزلاق الدينار ومقاومة السوق الموازية و تعميق التداين و التبعية للبنوك الاجنبية. و حتى مقاومة الفساد و بعد الخطوات الجريئة الأولى خمد وهج الحرب التي أعلنها رئيس الحكومة ويبدو أننا نسير نحو تطبيع تدريجي مع الفساد و التهريب. ناهيك عن التأخير في إصلاح الصناديق الاجتماعية وما ترتب عنه من عجز لصندوق التأمين على المرض وانعكاساته على سير المستشفيات العمومية و الصيدلية المركزية و غياب عديد الأدوية و صعوبة تامين أجور المتقاعدين.
لذلك فإن المعارضة هي في صميم دورها الوطني عندما تحاسب الحكومة على نتائجها وتطالبها بعرض نفسها على الثقة مجددا و تطالبها بالرحيل.
محاسن النظام البرلماني
من محاسن النظام البرلماني أن الحكومة عند نيل الثقة في أي مرحلة كانت لا تتسلم صكا على بياض وإنما نبقى دائما تحت مجهر البرلمان للمراقبة و المتابعة والمحاسبة وصولا إلى سحب الثقة منها عندما لا تحقق الوعود التي اعلنتها للمواطنين. و من محاسن النظام البرلماني التونسي الحالي أنه لا يسمح لكتلة برلمانية واحدة بالتغول و السيطرة على البرلمان و الحكومة و إنما يجعل أي كتلة برلمانية بحاجة لكتل أخرى حتى تتحصل على الأغلبية على قاعدة برنامج مشترك. لذلك فإنه عندما ينفرط عقد تحالف برلماني يعمل الحزب الفائز في الديمقراطيات على نسج ائتلاف جديد لتشكيل الحكومة و إذا لم يتمكن من ذلك قد يؤدي الامر إلى انتخابات سابقة لأوانها وهو ما شهدناه في عديد الدول الديمقراطية (ألمانيا حيث تم تشكيل تحالف بين حزبين خصمين لدودين و إسبانيا وتركيا حيث تمت الدعوة لانتخابات سابقة لأوانها ).
إن الأزمة الحكومية الحالية نتجت بالأساس عن انقسام حزب نداء تونس ( الحزب المشكل للحكومة ) إلى شقين. شق يساند الحكومة و شق يدعو إلى سحب الثقة منها. ناهيك عن خروج كتل برلمانية اخرى من التحالف ( كتل الحرة و الوطني الحر و افاق) بعد أن انسحبت من وثيقة قرطاج. قد يكون التونسيون غير متعودين على أزمات النظام البرلماني ولكنه أمر عادي وطبيعي في الديمقراطيات البرلمانية. إذ أن هنالك كتلا وأحزابا و شخصيات تفقد مع مرور الوقت ثقتها في الحكومة لأسباب متعددة. و هو ما يفرض على الحكومة طلب الثقة من جديد من البرلمان أو الإستقالة.
فليذهب الجميع إلى البرلمان... محراب الديمقراطية
البرلمان في الديمقراطيات هو محراب الديمقراطية. فهنالك الحل لكل الأزمات السياسية. و الازمة السياسية الحالية حلها برلماني بامتياز. فأمام انفراط عقد التحالف البرلماني المساند لحكومة يوسف الشاهد و أمام انحسار الدعم السياسي ( اتحاد الشغل) و أمام الفشل الذي تتهمها به المعارضة ليس هنالك حل للازمة السياسية سوى للذهاب للبرلمان إما لنيل الثقة من جديد او لسحب الثقة منها لتصبح حكومة تصريف أعمال في انتظار تشكيل حكومة جديدة.
سيكون على يوسف الشاهد أن يحزم أمره و يعيد تشكيل القاعدة البرلمانية لحكومته من كتل برلمانية أخرى و مما تبقى من كتلة نداء تونس على قاعدة أهداف واضحة على مدى الأشهر المتبقية من العهدة الإنتخابية كما يتم في البلدان الديمقراطية التي تتفق بصورة مفصلة و مكتوبة على البرنامج و تمضي عليه و تحاسب من أجل تنفيذه. كفى بلادنا تحالفات مغشوشة لا يدري أحد على أي أساس و على أي أهداف تم بناؤها. فإما أن ينجح في تشكيل قاعدة برلمانية جديدة و إما فليرحل. وكما يقول المثل: أعن نفسك تعنك السماء
Aide toi le ciel t’aidera