و الذي كان متداعيا للسقوط منذ فترة طويلة. و قد طرح هذا الحادث الأليم معضلة الآليات البيروقراطية و المعقدة لصيانة المنشات العمومية. إذ هناك صعوبات كثيرة تعترض عملية إصلاح مبنى إداري في منطقة بعيدة عن مركز الوزارة في العاصمة وبعيدة عن مركز الولاية مقر المندوبية الجهوية للتعليم في سيدي بوزيد.
و إن إحدى الدروس المستخلصة هي أن المركزية المفرطة التي تميز نظامنا الإداري هي معضلة خطيرة يجب علاجها. و أن الحل هو في تفعيل مؤسسات القرب و مؤسسات الحكم المحلي مثل البلديات لتتعهد بالمؤسسات التربوية و الإستجابة لحاجيات المواطنين.
في البلدان الأوروبية : البلديات تتعهد بالمؤسسات التربوية
لقد تخلت البلدان الأوروبية منذ فترة طويلة عن المركزية المفرطة و استبدلتها بأدوات الحكم المحلي و مؤسسات القرب للتعهد بشؤون المواطنين.
ففي فرنسا تتعهد البلدية بمؤسسات التعليم التحضيري و التعليم الإبتدائي من حيث إنشاء المؤسسات و صيانتها و توفير مستلزماتها. أما التعليم الإعدادي فهو من مهمات الجهة département و التعليم الثانوي من مهمات الإقليم la région. و في جميع هذه المراحل فإن تقسيم الصلاحيات واضح. ففي حين تتعهد الجماعات المحلية ( بلدية أو جهة أو إقليم) بالبنية التحتية من منشات و صيانة و مستلزمات فإن وزارة التربية هي التي تنتدب المعلمين و تحدد المناهج البيداغوجية.
أما في ألمانيا فإن البلديات هي المسؤولة عن مؤسسات التعليم بجميع مستوياته ابتدائي و تحضيري و ثانوي سواء من حيث إنشاء المؤسسات أو صيانتها و توفير مستلزماتها. و مثل فرنسا فإن السلطة الفدرالية في ألمانيا هي التي تحدد الجوانب البيداغوجية من برامج و أساتدة و مناهج.
و في إيطاليا فإن البلديات هي المسؤولة على المدارس التحضيرية و الإبتدائية في حين تتكفل الجهات les provinces بالإعداديات و المعاهد الثانوية. و يبقى تحديد المناهج البيداغوجية و انتداب الأساتدة من اختصاص وزارة التربية.
و حتى في انقلترا و رغم خصوصيات التعليم فيها مقارنة ببقية الدول الأوروبية فإن الهيئات المحلية local authoritis هي المسؤولة عن بناء المنشآت و صيانتها في المدارس العمومية و التقليدية.
و الفلسفة التي اتبعتها تلك الدول واضحة. فالبلدية هي الهيكل الأقرب للمواطن في الجهة و الأقدر على تحديد حاجياتهم في تلك المنطقة مما يسهل تحقيق تلك الحاجيات بطريقة أسرع و أنجع . ناهيك بان ميزانية المجالس البلدية يتم تمويلها من الضريبة البلدية على السكن أو المنشاة الاقتصادية. و هكذا تعود بالنفع على مواطني تلك المنطقة.
قانون الجماعات المحلية لسنة 2018 : الصلاحيات المشتركة و المنقولة
في سنة 2018 صدر قانون أساسي للجماعات المحلية يعد حسب رأيي من ابرز القوانين التي عرفتها بلادنا.
و قد عدد القانون الصلاحيات و الواسعة و الثقيلة للبلدية بما فيها النظافة و تعهد الطرقات البلدية و الحدائق و الشواطئ و الملاعب ( أغلب الملاعب على ملك البلديات) و الساحات العمومية و الحدائق...
و في الفصل 243 حدد الصلاحيات المشتركة بين البلديات و السلطة المركزية مثل تنمية الإقتصاد المحلي و دعم التشغيل و النقل و إنجاز التجهيزات الجماعية. كما ورد في هذا الفصل و في باب الصلاحيات المشتركة صيانة مدارس التعليم الأساسي و المستوصفات و مراكز الصحة الأساسية.
و في الفصل 244 تم تحديد الصلاحيات المنقولة و هي صلاحيات يمكن نقلها من السلطة المركزية إلى السلطات المحلية مثل بناء المؤسسات الصحية و صيانتها و بناء المؤسسات التربوية و صيانتها و بناء المبيتات الرياضية و صيانتها. و قد نص القانون على ضرورة أن يتم انجاز المشاريع في إطار اتفاق بين السلطة المركزية و البلدية.
و من الناحية العملية فلو أن بلدية المزونة مثلا كانت مكلفة بصيانة المعهد الثانوي لتدخلت سريعا و بدون تعقيدات إدارية و بيروقراطية لإصلاح الحائط المتداعي للسقوط. فالبلدية لديها من الإمكانيات المالية و التجهيزات ما يمكنها من التدخل في أسرع وقت. كما أن سلاسة الإجراءات التي تميز التسيير البلدي يجعلها تتدخل بصورة ناجعة. فالبلدية لديها الاستقلالية المالية و الإدارية و ليست مطالبة بالرجوع إلى أي هيئة عليا للتدخل على عكس الإدارات الجهوية. كما أن لديها جهاز إداري و مالي و فني ( مهندسون و فنيين و عملة) يمكنها من التدخل في اقرب الأوقات.
و بوجود قانون الجماعات المحلية بالإمكان إصدار أوامر ترتيبية تجعل صيانة المؤسسات التربوية من ضمن صلاحيات البلديات.
إن الحادث الأليم في المزونة يبين بما لا يدع للشك أن المركزية هي أسوأ مظاهر البيروقراطية الإدارية. و أن الحكم المحلي يساعد المجتمعات على التطور و التقدم.