بعد طي صفحة الإنتخابات آفاق المعالجة الشاملة للأوضاع

النقلة بين الخماسية الإنتخابية المنقضية في تونس و الخماسية الجارية الّتي أسفرت فعالياتها يوم 6 أكتوبر 2024

عن إعادة انتخاب قيس سعيد على رأس الوظيفة التنفيذية العليا للجمهورية التونسية، كانت نقلة مفاجآت «منتظرة «في مناخ خريفي مليء بالتقلبات و الضغوطات.

هذه التقلبات حسمها مبدئيا الإعلان الرسمي عن النتائج النهائية يوم الجمعة 11 أكتوبر الجاري بعد إنقضاء آجال الطعن و هو ما يعني قبول أحكام الصندوق، و لم يبقى لبداية الخماسية الجديدة غير أداء الرئيس المعاد إنتخابه اليمين الدستورية أمام مجلس نواب الشعب و المجلس الوطني للجهات والأقاليم في الأيام القريبة القادمة طبق مقتضيات الفصل 92 من دستور 2022.

خماسية 2019 - 2024 تخللتها الفترة الفاصلة بين 23 أكتوبر 2019 و 25 جويلية 2021 أي حوالي ثلث العهدة الرئاسية، و تميزت بأجواء مشحونة عمّ فيها التسيب والفوضى بسبب التجاذبات التي حرصت فيها حركة النهضة على إستبقاء نفوذها و السعي إلى ممارسة السلطة بواسطة، معتقدة أن الشخص الّذي ساندته خاصة في الدورة الثانية ، سيكون أداة طيعة تفرض عليه ما تريد ، لتواصل تحكمها مع حلفائها ،في الحياة السياسية وفي مختلف مفاصل الدولة .

وقد ثبت خطأ قيادة النهضه و المقربين منها و المتوافقين معها في حساباتهم، و لم يقدّروا تبعات توغلهم في الإعتداد بالنفس إلى حد الغرور،رغم حصيلة سياستهم السلبية .و عندما بلغت موجة التذمر حد الإمتعاظ لدى عامة الناس ممّا يحصل في الساحة السياسية و تحت قبة البرلمان، إنخرط جانب كبير من الشعب فيما أقدم عليه قيس سعيد عبر إجراءات غير منتظرة ،و قلب كل الموازين في 25 جويلية 2022 ، و كان ذلك بمقاربة مغايرة تماما لما عهدته تونس خاصة بعد 2011 من مسارات توافقية مغشوشة.

في النصف الثاني من خماسية 2019 - 2024 بدا سعيد حريصا على قطع الطريق أمام أي مسعى للرجوع إلى الوراء و الإنخراط في تمشي مغاير تماما لمقاربات سابقيه، بعد تسليمه بأن قوى في الداخل و الخارج حسب تعبيره، تخدم ضد مصلحة تونس ،و قد تكون ترسخت هذه القناعة لديه، بعد خذلانه من بعض الّذين منحهم ثقته،و تضاعف العراقيل في إيجاد الحلول الّتي كانت تقتضيها معالجة الأوضاع العامّة في البلاد بسبب البطء و التردّد في التنفيذ و تقص التجربة، و التعطيل الذي اعتبره سعيد متعمدا من أطراف بقت فاعلة في مفاصل الدولة.

أمام هذه المعطيات حرص سعيد و الدائرة الدّاعمة له الّتي عرفت هي الأخرى عدّة تغييرات، على تعبيد الطريق الّذي إختاره لتنفيذ رؤيته معتمدا على خزان «الدولة العميقة « التي لم تنفك تسانده رغم الظروف الإجتماعية الصعبة ، ورغم تسليم النشيطين المقربين منه أو من الذين كانوا يدعمونه، بوجود أخطاء في معالجة العديد من الملفات .

ما يمكن فهمه أن هذه الأخطاء أو الهنات بدت لدى سعيد غير وازنة و ربما عادية، أمام الرهان الّذي إختاره لتطبيق رؤية جديدة حرص على تضمينها بدستور 2022 وفي عدّة أوامر و نصوص قانونية و قرارات رئاسية . و ما لم يفهمه معارضو سعيد، أنه عزم على تطبيق رؤيته في معالجة الأوضاع ، و أن أساليب المعارضة أو الرفض أو التصدي المتعارف عليها ،لا تأثير لها عليه و لا يمكن أن تثنيه عن تطبيق منهجيته وأهدافه المعلنة التي تتلخص في عدة شعارات يكررها على الدوام منها القضاء على الفساد وتطهير البلاد من المتآمرين على الدولة وتطبيق القانون على الجميع و فرض علوية المصلحة الوطنية.

هذه المنهجية يعارضها جزء من النخبة علنا، و لكن يقرها جزء من الشعب بإعتبار وقوفه على ما يتابعه من متغيرات في اقع المناخ الإجتماعي العام الّذي بدى له مستقرا ،و على الوضع الأمني الّذي عرف استتبابا و على الوضع السياسي العام الّذي فُرض فيه الإنضباط و قُطع فيه التسيب و إسترجعت فيه الدولة هيبتها وقوتها ،وبقى الوضع الإقتصادي قابلا للمعالجة رغم الصعوبات الّتي يمرّ بها .

هذه القراءة السريعة للخماسية المنقضية ،تقودنا إلى إستقراء متطلبات مجابهة الخماسية الجارية بإرادة مستقبلية بناءة جديدة.

هذه الإرادة تقتضي الإنصراف لمعالجة الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والسياسية بمقاربات تبني على الّذي تم التوفيق فيه و تغيير المسارات الفاشلة أو المتعثرة،بالرجوع إلى معالجة الأولويات الّتي تم تجاهلها أو إغفالها خاصة في التشريع و القضاء والتعليم والصحة والنقل و التشغيل و استرجاع نسق الإستثمار. هذه المجالات تقلصت إمكانيات معالجتها ، بسبب التركيز على الشأن السياسي وإرتباطاته بالتتبعات القضائية وبعض المحاكمات المتصلة بعضها بالحريات العامة. وفي هذا الصدد لابد من القول أنه حان الوقت لوضع قوانين جديدة لتحفيز الإستثمار و الحد من العراقيل الإدارية الّتي أصبحت منفذا للفساد و إلغاء بعض القوانين أو تنقيحها وتفعيل العقوبات البديلة و توسيع نطاق تطبيقها و الحد من العقوبات السالبة للحرية في العديد من الجنح، والإسراع في تركيز المحكمة الدستورية التي يمكن أن تكون أداة قانونية ناجعة لتسوية العديد من الملفات القضائية العالقة ،لما توفره من وساءل للرقابة و للحسم في العديد من التأويلات الخلافية ، و لتوفير إمكانية الدفع بعدم دستورية القوانين أمام القضاء وهو ما قد يشكل منفذا لمراجعة العديد من الملفات الجارية. فالمنظومة التشريعية تشهد تضخما كبيرا في النصوص يفتح الباب في أحيان كثيرة أمام حصول أخطاء في تكييف الأفعال وتحديد النصوص المنطبقة بكل دقة كما هو الحال في الجرائم المتصلة بمجال الصحافة والإعلام و التواصل والإتصال والانترنات، وغيرها من الوسائط المستحدثة ،التي يمكن أن تنطبق علبها عدّة نصوص موزعة في المجلة الجزائية و مجلة الإتصالات و المرسوم 115 و المرسوم عد 54 و قانون الإرهاب و غيرها. و إتساع هذه الجبة يخلق إشكالا في التناسب بين الفعل المجرم والعقوبة و حتى في تحديد الجهة القضائية المختصة. وفضلا على إتساع مجال الأخطاء ، فإن النقص الّذي يشكو منها القضاء بخصوص الزاد البشري واللوجستي أصبح يشكل سببا في طول مدّة التقاضي ومصدرا للمشاكل في منظومة العدالة بسبب النقص قي عدد القضاة و إثقال كاهل القضاة المباشرين والعاملين في المجال القضائي بما يفوق طاقتهم في العمل والتركيز، و هو ما يؤثر سلبا على المردود بما قد يمس من حقوق المتقاضين ، فتنجرّ عن ذلك الأخطاء في التقدير والإجتهاد في مختلف الملفات و القضايا، والمظالم الّتي لا يرضاها لا حاكم ولا محكوم .هذا غيض من فيض لما ينتظر السلطة والقوى التي تريد أن تكون فاعلة ،في الخماسية الجديدة الّتي يريدها التونسيون خماسية البذل والعطاء والإصلاح والتجميع في اتجاه تنقية المناخ الإجتماعي والسياسي والإقتصادي ،في كنف إحترام القانون والمؤسسات بلا تسرع ولا تجاوز ولا توظيف

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115