وهو ما يعرف بـ "اقتصاد المعطيات" أو "إقتصاد البيانات". ويعدّ هذا التحول نتيجة لتزايد استخدام التكنولوجيا الرقمية وتوليد كميات ضخمة من البيانات التي أصبح بالإمكان استخدامها لأغراض تحليليّة وتجاريّة.
ففي العصر الرقمي الحديث، أصبحت المعطيات الشخصية مورداً قيّماً لا يقل أهمية عن الموارد التقليدية مثل النفط والغاز، وصارت محوراً رئيسياً في الاقتصاد الرقمي. ويعتمد اقتصاد المعطيات أو البيانات على جمع وتحليل كميات هائلة من المعلومات المتعلّقة بالأفراد، من خلال تقنيات متقدمة تعتمد بالأساس على الذكاء الإصطناعي. هذا التحول أدّى إلى ظهور سوق ضخم للمعطيات الشخصية، حيث تستفيد المؤسسات التجاريّة من هذه المعطيات لتحقيق أرباح كبيرة. و نستعرض فيما يلي خصائص ومزايا اقتصاد المعطيات أو البيانات الشخصيّة، وكيف يتم تجميعها واستخدامها، وتأثير ذلك على الأفراد والمؤسسات، قبل التعرض إلى أهم التّحديات المرتبطة بهذا المجال.
1- خصائص ومزايا اقتصاد المعطيات الشخصيّة:
يشير إقتصاد المعطيات الشخصيّة إلى النظام الاقتصادي الذي يستند إلى جمع وتحليل وتبادل هذه المعطيات لإنتاج قيمة اقتصادية. وتتضمن المعطيات الشخصيّة، المعلومات المتعلقة بالأفراد، مثل المعلومات الديموغرافية والتفاصيل الشخصية والسلوك على الأنترنات.
وقد تحولت المعطيات الشخصية إلى بضاعة تُشترى وتُباع في الأسواق الرقميّة، حيث توجد العديد من الشركات التي تعمل كوسيط لجمع وبيع المعطيات، مستفيدة من القيمة الكبيرة لهذه المعلومات. كما توجد سوق سوداء للمعطيات الشخصية، وهي تمثل جانباً مظلماً من هذا الاقتصاد، حيث تُباع المعطيات المسروقة أو تلك التي جُمعت بطرق غير مشروعة.
و تُستخدم المعطيات الشخصيّة لتطوير منتجات وخدمات جديدة تلبّي احتياجات المستهلكين بطرق مبتكرة. ونذكرعلى سبيل المثال، شركات التكنولوجيا المالية (FinTech) التي تستخدم المعطيات لتقديم خدمات ماليّة مخصّصة بناءً على تحليل شامل للسلوك المالي للحرفاء.
و يُمكّن اقتصاد المعطيات الشخصيّة من جملة من المزايا، تتمثل أساسا في:
تحسين التوجيه الإعلاني والتسويقي: حيث يمكن للشركات التجاريّة استخدام المعطيات الشخصية لتوجيه الإعلانات والعروض الترويجية بشكل أفضل لجمهور مستهدف محدّد، مما يزيد من كفاءة حملات التسويق ويحسّن من معدّلات الاستجابة.
تحسين الخدمات والمنتجات: وذلك من خلال تحليل المعطيات الشخصية، حيث يمكن للشركات التجاريّة فهم احتياجات الحرفاء بشكل أفضل وتطوير منتجات وخدمات مخصّصة تلبّي تلك الاحتياجات وتستجيب إليها بدقة أكبر.
الابتكار والتنبؤ: يمكن للشركات استخدام المعطيات الشخصية لتحليل الاتجاهات والتنبؤ بالسلوك الاستهلاكي المستقبلي للحرفاء، وبالتالي توجيه استراتيجيات الأعمال واتخاذ القرارات بشكل أفضل وأكثر كفاءة وفعاليّة.
2- طرق تجميع المعطيات الشخصيّة ومعالجتها:
تُجمع المعطيات الشخصية من مصادر متعدّدة، أبرزها الأنترنات، حيث تُسجّل كل تفاعلات المستخدمين مع المواقع الإلكترونية ومنصّات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث، وتطبيقات الهواتف الذكية. وتشمل هذه البيانات معلومات حول الأنشطة اليومية والتفضيلات والأنماط السلوكية والمعلومات الدّيموغرافية. بالإضافة إلى ذلك، تُجمع البيانات عبر أجهزة أنترنات الأشياء (IoT) مثل الساعات الذكية وأجهزة المساعدة المنزليّة الرقميّة.
بعد جمع المعطيات، يتم تحليلها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لاستخلاص الأنماط والتّوجهات الإستهلاكيّة. وتُستخدم هذه التحاليل لتطوير نماذج تنبؤية تساعد الشركات التجاريّة في اتخاذ قرارات استراتيجية دقيقة. على سبيل المثال، يمكن لشركات التجارة الإلكترونيّة استخدام المعطيات الشخصية لتحسين التّصرّف في المخزون، وتقديم توصيات تخصّ منتجات بذاتها لكل مستخدم بناءً على تفضيلاته السابقة.
كما تُستخدم المعطيات لتحسين استراتيجيات التسويق، حيث يمكن للشركات التجاريّة توجيه إعلاناتها بشكل أكثر فعاليّة من خلال فهم دقيق لسلوك المستهلكين واحتياجاتهم. هذا النوع من التسويق الموجّه يعزّز من احتمالية تحويل المشاهدين وزوّار المواقع الإلكترونيّة وصفحات التّواصل الإجتماعي إلى حرفاء فعلييّن، ممّا يزيد من العائد على الاستثمار في الحملات التسويقية، ويساهم في التّرفيع في رقم المعاملات والأرباح.
3- التحديات التي تواجه اقتصاد المعطيات الشخصيّة:
بالرغم من الفرص الهائلة للتطوير الاقتصادي والابتكار التي يوفرها اقتصاد المعطيات الشخصيّة في العصر الرقمي، تجدر الإشارة إلى وجود تحديات هامّة وجب رفعها. وتتعلق هذه التحديات بالأساس بمسألة حماية الخصوصية وضمان سلامة المعطيات، ومسألة الإمتثال للقوانين والتّشريعات المتعلقة بحماية المعطيات الشخصيّة.
أ- حماية الخصوصيّة وضمان سلامة المعطيات:
يثير استخدام المعطيات الشخصية إشكاليات متعدّدة بشأن حماية خصوصيّة الأفراد وضمان سلامة بياناتهم الشخصية من الاختراقات السيبرنية وسوء الاستخدام، إعتبارا أن انتهاك الخصوصيّة يمكن أن يؤدّي إلى أضرار جسيمة للأفراد، بما في ذلك سرقة الهويّة والاحتيال المالي. وعليه، يجب على المؤسّسات التعامل مع المعطيات الشخصية بمسؤوليّة وضمان الشفافية في كيفيّة جمع واستخدام هذه المعطيات.
ب- الإمتثال للقوانين والتشريعات:
لمواكبة التحديات المتزايدة لحماية المعطيات الشخصية، ظهرت عديد القوانين في هذا المجال على غرار النظام العام لحماية المعطيات في الاتحاد الأوروبي RGPD. وتهدف هذه القوانين إلى توفير إطار يحكم كيفيّة جمع واستخدام المعطيات الشخصية، ويمنح الأفراد حقوقاً مثل الحق في النّفاذ إلى معطياتهم والحق في طلب تصويبها أو تحيينها أو حذفها.
وبذلك، فإنّ تطبيق القوانين المتعلقة بالخصوصيّة وحماية المعطيات الشخصيّة يُجبر المؤسسات على تبنّي ممارسات أكثر شفافية واحترام حقوق الأفراد في الخصوصيّة. غير أن الامتثال لهذه القوانين يتطلب استثمارات كبيرة في التكنولوجيا والبنية التحتية، ممّا يشكل تحدياً للمؤسسات، وبالخصوص الصغرى منها والمتوسطة.
خاتمة
يشكل اقتصاد المعطيات الشخصية جزءاً حيوياً من الاقتصاد الرقمي المعاصر، حيث يتيح فرصاً كبيرة للابتكار والنمو الإقتصادي. مع ذلك، فهو يطرح تحديات كبيرة تتعلق أساسا بضرورة احترام الخصوصيّة والقوانين والأخلاقيات. وعليه، فإنّه من الضروري أن توازن الشركات بين الاستفادة الاقتصادية من المعطيات الشخصيّة واحترام حقوق الأفراد في الخصوصيّة كالإمتثال للقوانين والقواعد الأخلاقيّة المتعلقة بهذا المجال، من خلال تبنّي سياسات مستمرة في مجال الإمتثال التنظيمي، ضمانا لحقوق الأفراد وحفاظا على سمعة المؤسسة.
سلسلة مقالات في الإقتصاد الرّقمي: إقتصاد المعطيات الشخصيّة في العصر الرّقمي: تحوّل اقتصادي جديد وتحدّيات مستجدّة
- بقلم المغرب
- 15:23 03/07/2024
- 697 عدد المشاهدات
كريم بن حميدة محام مختص في القانون الرقمي - خبير حماية المعطيات الشخصيّة
يشهد العالم تحولًا اقتصاديًا جديدًا يقوم على استغلال المعطيات الشخصية في مجالات متعددة،