«معضلة» عدم تنفيذ الأحكام الإدارية: مسؤولية الدولة،قاضي تنفيذ الأحكام،الترفيع في العقوبات والتشهير أبرز الحلول

عندما نتحدّث عن أنّ 80 % من الأحكام القضائية الصادرة عن المحكمة الإدارية باقية حبرا على ورق

و دون تنفيذ نفهم أن ناقوس الخطر قد دقّ في هذا الملف،فكيف يمكن للمسؤولين على رأس الدولة الحديث عن بناء دولة قانون ومؤسسات غابت أبسط مقوماتها وهي احترام السلطة القضائية وحق المتقاضي في محاكمة عادلة،دولة وضعت مصداقيتها في الميزان أمام ظاهرة تتفاقم شيئا فشيئا إذا لم نقل معضلة الامتناع عن تنفيذ الأحكام أو المماطلة في ذلك وهو ضرب من ضروب الامتناع المقنّع،الأغرب من ذلك أنّ الإدارات والوزارات التي تعتبر مؤسسات دولة ويفترض أن تكون أول من يطبّق القانون هي من تخرقه ومن تضرب بأحكام القضاء الإداري عرض الحائط. فإلى متى هذا الوضع ومن يتحمل المسؤولية؟ من يوقف النزيف؟ وماهي الحلول الممكنة؟.بلغة الأرقام التي تكشف حقيقة الوضع تحدّث عبد الستار بن موسى الموفق الإداري في وقت سابق عن 120 حكما إداريا صادرا ضد عدد من الإدارات خلال هذه السنة فقط، فيما لم تتعدّ نسبة التنفيذ 35 بالمائة تتعلق بأحكام إدارية بسيطة مبيّنا أن مؤسسة التوفيق تلقت خلال السنة الحالية، 9219 شكاية، منها 3267 شكاية مباشرة تم استقبال، 25 بالمائة منها تقريبا (843 مواطنا) من طرفه (الموفّق الإداري)، فضلا عن 4500 شكاية عبر الهاتف و1392 شكاية عن طريق البريد و2207 عرائض.

«نكران للعدالة»
آفة عدم تنفيذ أحكام وقرارات القضاء الإداري تعكس سلوكا انطباعيا من قبل الجهات الإدارية المسؤولة عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضدّها بمقتضى السند التنفيذي.هكذا شخّص عماد الغابري رئيس وحدة الاتصال بالمحكمة الإدارية الوضع وقال أيضا «هذا سلوك بعيد كل البعد عن فكرة دولة الحق والقانون والمؤسسات فهو أقرب لمزاجية الشخص منه لعقلية الدولة،فالبحث عن مبررات لعدم التنفيذ هو رفض لأحكام القضاء ووجه لنكران العدالة كما ارجع المسألة إلى غياب إطار قانوني واضح وصريح لتنفيذ أحكام القضاء.هذا واعتبر الغابري أن عدم تنفيذ الأحكام التي تصدر عن المحكمة الإدارية هو «مسؤولية دولة ووصمة عار عليها»

«استبلاه للشعب»
من جهته اعتبر وليد الهلالي رئيس اتحاد القضاة الإداريين أن «عدم تنفيذ الأحكام يعتبر ضربا من جانب السلطة التنفيذية لمقومات دولة القانون وتبقى بالتالي مسؤولية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة قائمة من أجل عدم احترام السلطة القضائية والأحكام الصادرة عنها وتصبح تصريحاتهم المتعلقة بضرورة احترام الدستور غير ذي معنى واستبلاه للشعب عامة وللمتقاضين على وجه الخصوص فما معنى أن يصرح هؤلاء بأن القضاء غير ناجزثم يحجمون عن تنفيذ أحكامه».
رفقة المباركي عضو باتحاد القضاة الإداريين ضمّت صوتها إلى صوت محدثنا سالف الذكر حيث وصفت مسألة عدم تنفيذ الأحكام بالمعضلة الكبرى التي يعاني منها المتقاضون بما يفقد تلك الأحكام فاعليتها وجدواها مضيفة انه «لا توجد آليات قوية وكفيلة بحلحلة هذه المعضلة فالقاضي الإداري تنتهي مهمته عند إصدار الحكم أما التنفيذ فيبقى واجبا من واجبات السلطة التنفيذية وبالتالي فان إخلالها بهذا الواجب يعد تعديا على السلطة القضائية وعدم احترامها لدولة القانون».

ما هو الحلّ؟
سؤال قديم يتجدّد طرحناه على المتدخلين معنا من أهل القطاع في هذا الموضوع فكانت الإجابات مختلفة استعرض عماد الغابري سلسلة من الحلول فقال «يجب أن تتضمن الأحكام المتعلقة بالنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية و الأنظمة الأساسية الخاصة لبقية الأعوان العموميين تنصيصا صريحا على واجب تنفيذ الأحكام عموما وأن الامتناع أو عرقلة تنفيذها يعدّ خطا تأديبيا جسيما موجبا للعزل و يقع تعديل أحكام المجلة الجزائية المتعلقة بعدم تنفيذ أحكام القضاء وإدراج أحكام خاصة تنسحب على الأعوان العموميين المعنيين بالتنفيذ والترفيع في العقوبات الخاصة بهذه الجريمة،كما يتوجب إحداث خطة قضائية صلب هيكل القضاء الإداري وهي «قاضي تنفيذ الأحكام» وإحداث هيكل إداري خاص يتكون من ممثلين عن مختلف القيادات الإدارية في جميع الوزارات ومن قضاة إداريين وممثلين عن المتقاضين لإبداء الرأي بخصوص آليات تنفيذ الأحكام بالإضافة إلى تركيز مرصد لدى المجلس الأعلى للقضاء يعنى بتجميع الإحصائيات حول عدم تنفيذ الأحكام ويوفر قاعدة بيانات يمكن الرجوع إليها».
في المقابل رأى وليد الهلالي أن الحلّ الوحيد لهذه «المعضلة» هو التشهير وقال في هذا السياق « يجب أن نحترم أحكام القضاء طالما نحن في دولة قانون ونشهّر بكل عملية عدم تنفيذ والتصريح بمسؤولية رئيس الإدارة الممتنع عن التنفيذ دون أي موجب قانوني لأنه لا يمكن التنفيذ بالقوة على الدولة ولا يوجد أي حل آخر سوى التشهير بالعابثين بأحكام القضاء وأدعو رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية إلى إقالة أي مسؤول يمتنع قصديا عن تنفيذ الأحكام والإصداح بسبب الإقالة حتى يعطي رسالة واضحة المعالم لكل من تسول له نفسه التصدي لأحكام القضاء، في غياب كل ذلك لا مجال للحديث في تونس عن دولة قانون لأن ذلك يعتبر ببساطة كذبا وبهتانا على الشعب التونسي والمجتمع الدولي».

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115