شهر مرّ على خطاب رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، الذي دعا فيه مختلف الجهات المعنية (رئيس الحكومة يوسف الشاهد ووزير العدل غازي الجريبي) الى العمل مع مؤسسة رئاسة الجمهورية لإلغاء منشور 1973 الذي يمنع زواج المرأة التونسية المسلمة بغير المسلم، إِلَّا في صورة الإدلاء بما يثبت اعتناق الزوج للدين الإسلامي، وفق ما يقتضيه الفصل السادس من الدستور والذي ينصّ على أنّ «الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي. تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدّسات ومنع النيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها».
وارجع رئيس الجمهورية طلب إلغاء منشور 1973 الى المتغيرات التي يشهدها المجتمع وسفر المرأة إلى خارج التراب التونسي سواء للعمل أو الإقامة.
وفي هذا الإطار فقد تولت الحكومة في 8 سبتمبر الجاري إصدار المنشور المذكور، وفي ذات اليوم أصدر وزير العدل منشورا يدعو فيه الرؤساء الأوّل لمحاكم الاستئناف والوكلاء العامّين بها ورؤساء المحاكم الابتدائية ووكلاء الجمهورية بها وقضاة النواحي وضبّاط الحالة المدنيّة الى إنهاء العمل بالمنشور التفسيري عدد 216 بتاريخ 5 نوفمبر 1973.
«جدل فقهي وقانوني»
من جهته أوضح الدكتور فريد بن جحا في تصريح لـ«المغرب» أن الأمر متعلق في حقيقة الأمر بمنشورين اثنين احدهما من وزير الداخلية الى ضباط الحالة المدنية والثاني من وزير العدل الى عدول الاشهاد. وأكّد ان كلامنهما يشترط زواج تونسية من شخص مسلم ولو كان اجنبي وهو ما يحتم على المترشحين لهذا الزواج المختلط الإدلاء من دار الافتاء التونسية بشهادة تفيد دخول الزوج الأجنبي للإسلام أو انّ الزواج يكون باطلا.
وقد اثارت هذه الإشكالية جدلا فقهيا وقانونيا حول مدى دستورية المنشورين المذكورين، وخاصة بعد صدور دستور 2014 الذي نصّ على حرية الضمير والمساواة بين الرجل والمرأة وكذلك على ضوء اتفاقية نيويورك التي صادقت عليها البلاد التونسية والتي لا تمنع زواج التونسية المسلمة بغير المسلم على حدّ تعبيره.
«اشكالات بخصوص تعارضه مع الشريعية»
وأوضح بن جحا انّ إلغاء منشور 1973 كان في اتجاه تحقيق التناغم بين النصوص القانونية والدستور التونسي حول مسألة الحريات وكذلك مع التزامات البلاد التونسية على الصعيد الدولي، مشيرا الى انّ ذلك سيطرح بدوره إشكالا في خصوص تعارضه مع الشريعة الإسلامية التي تعتبر زواج المسلمة من غير المسلم أمرا مرفوضا وزواجا فاسدا خاصة وان مجلة الأحوال الشخصية مستمدة في معظم أحكامها من الشريعة الإسلامية فضلا عن كون المحاكم التونسية قد قضت في عديد المناسبات بعدم استحقاق البنت المرتدة عن دينها للإرث وكانت مسالة اختلاف الديانة وبصفة اخص زواج التونسية من غير المسلم من بين أحد أسباب الردةّ وهو ما سوف يترك الباب مفتوحا على مصراعيه في الأيام المقبلة حول اثار هذه المسألة على مستوى التطبيقات القضائية مثلما طرحت ذلك مسالة المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة.
أما من الناحية القانونية الصرفة فقد أكد فريد بن جحا انّ المنشور المذكور كان يعتبر اقوى من الدستور باعتباره يتعارض مع نصّ قانوني اقوى منه، ويعتبر هذا الإلغاء انحيازا لدستورية القوانين.
«منشور ولد ميتا»
اوضح فريد بن جحا انّ ضابط الحالة المدنية او عدل الاشهاد لا يمكنهم الامتناع عن تحرير مثل هذه العقود لان الامتناع قد يعرضهم الى تتبعات تأديبية ولكن في صورة الامتناع يجوز للمترشح للزواج الاتجاه الى غيرهم من المخوّل لهم لعقد ذلك القران.
يعتبر منشور 1973 منذ الإعلان عنه رسميا وتعميمه ملغى ومعدوم من الناحية القانونية، علما وانّ العديد من رجال القانون اعتبروا انه قد ولد ميتا نظرا لتناقضه مع نصوص قانونية اعلى منه درجة ونقضه لاتفاقية نيويورك حول حرية المراة في الزواج بين الجنسين والمصادق عليها من تونس وكذلك الدستور التونسي سواء منه الصادر 1959 او 2014 والذي نصّ على كونية حقوق الإنسان والحريات الأساسية وعلى حرية الضمير.