الى منطقة طبلبة أعلن ان ما يحدث في الليل أعمال إجرامية تقف خلفها لوبيات الفساد وبتحريض من الجبهة الشعبية، ذات القول أكده المهدي بن غربية وزير العلاقات مع المؤسسة الدستورية لكنه أعلن أنهم يدركون غياب الأمل لدى جزء من الشعب التونسي سيعملون على زرعه.
«أطمئن التونسيين أنّ الدّولة صامدة وسيتمّ تأمين وحماية كلّ مؤسساتنا ومنشآتنا». «سيتمّ إعطاء أمل حقيقي لهؤلاء الشباب عبر التحاور معهم، وأنّه سيتمّ إيجاد آليات الحوار لتفعيل مطالبهم». «المخربين ماهمش يخدمو في مصلحة الدولة، يخدمو في مصلحة شبكات الفساد والفاسدين إلّي وقفناهم، يحبّو يخرجوهم عبر بثّ الفوضى». هذه الرسائل الثلاث التي حرص رئيس الحكومة يوسف الشاهد على ان يبعث بها من البطان لدى زيارته يوم امس لها.
يوسف الشّاهد اختار ان يتحول ظهر امس، الى منطقة البطان من ولاية منوبة التي شهدت بدورها كما بقية مناطق الجمهورية إحتجاجات شعبية تخللتها اعمال عنف وشغب مساءا خلال الايام الاربعة الاخيرة، زيارة استعد لها الفريق الحكومي ليضمن الحوار بين الشاهد و المحتجين الذين ابلغهم ان حكومته مع حقهم في الاحتجاج السلمي وانها تاسف لوقوع عمليّات الحرق والتخريب التي طالت ممتلكات عموميّة وخاصّة واستهدفت مراكز أمنيّة بالجهة، مؤكّدا أنّه يجب التمييز بين المخرّبين والمحتجّين السلميين.
مخربون وصفهم رئيس الحكومة «يخدمو في مصلحة شبكات الفساد، هاذوما يخدمو في مصلحة الفاسدين إلّي أحنا وقّفناهم وعبر بثّ الفوضى يحبّو يخرّجوهم، يخدمو في شبكات التهريب، ويحبّو يضّعفو الدولة، مضيفا بالقول «هؤلاء المخربين يخدمو للأسف في بعض السياسيين غير المسؤولين إلّي يحرّضوا». وهنا اعلن ان الجهات السياسية التي يقصدها هي الجبهة الشعبية التي اعتبر ان موقفها الاخير « غير مسؤول، حيث أن نواب كتلتها يصوتون لصالح قانون المالية ويتظاهرون ضده»
ثاني تصريحات تصدر عن رئيس الحكومة منذ انطلاق الاحتجاجات تبينت فيها بشكل جلي خطة حكومته للتصدي للاحتجاجات ولكيفية تقييمها، خطة يشرحها اكثر الوزير المهدي بن غربية في حوار مع «المغرب» قال فيه ان حكومتهم تقييم الوضع الراهن في تونس على انه وضع صعب وانها ومنذ تشكلها أعلنت هذا ولم تختار الكذب على الشعب.
شعب يقول بن غربية انه يعاني من عدم تحقيق تونس للانتقال الاقتصادي أسوة بالانتقال السياسي المنجز في السنوات السبع من عمر الثورة، كما ان جزءا منه اعتراهم الغضب وهذا مشروع بسبب فقدانهم الأمل كما يشدد، فهؤلاء الغاضبون ممن فقدوا أملهم في الدولة وفي تحسين ظروفهم وإخراجهم من الأزمة الاجتماعية تتعهد الحكومة بمنحهم الآمل واستعادة ثقتهم فيها.
مراهنة يعتبرها ممكنة في ظل تحسن محركات الاقتصاد وتسجيل بداية تعافي يدل عليها بتحقيق نسبة تنمو تجاوزت 2% مع انطلاق في مسار الإصلاحات الكبرى، ومنها خفض العجر في الموازنة، إجراء يقول بن غربية انه موجع لكن ضروري لتجنب إفلاس الدولة ولكن بالأساس لتوفير ظروف تحقيق التنمية وخلق الثروة.
في المقابل يطالب الوزير من الشارع ان يميز بين امرين، الاحتجاج السلمي وعمليات التخريب في الليل، فهو والحكومة يشددان على أنهما مع حق الاحتجاج ويتفهمون أسبابه ودوافعه ولا ينفونها، فالمشاكل الاقتصادية تعالج بحلول اقتصادية وليس بالايديولوجية، كما ان الإجراءات الموجعة أمر ضروري لتجنب ما هو اشد.
هنا يشدد بن غربية ان الحكومة اختارت ان تنتصر لمصلحة تونس على ان تبحث عن الرفع في شعبية الحكومة، فهي اختارت ان تتجه لإجراءات صعبة وموجعة حرصت على ان لا تطال الطبقات الضعيفة ولا المواد الأساسية، ولم تختر الحل السهل والذهاب للتداين الذي سيؤدي بعد سنوات قليلة الى إفلاس الدولة واقتراضها لسداد ديونها.
خيار الضرورة هذا ما يشدد عليه بن غربية ان تعلق الأمر بما تضمنه قانون المالية من اجراءات غير شعبية كما يقر هو. وهو خيار لتحقيق التنمية وخلق الثروة ليقع توزيعها لاحقا، فهو كما حكومته يدركون انه طالما ظلت أسباب الغضب ستستمر الاحتجاجات التي تعود عليها التونسيون وحكومتهم كل شهر جانفي.
احتجاجات يقر الوزير ان سببها غياب الأمل والتهميش وان مطالب المحتجين سيقع الاستجابة لها طالما ان ذلك ممكن، لكن دون وعود زائفة أو بيع أوهام لهم، فالحكومة اختارت المصارحة كما يعلن.
مصارحة تتضمن تلميحه أن الاحتجاجات المطلبية لا تتم في الليل بل ما يتم هو أحداث إجرامية وشغب وتخريب وكل هذا تقف خلفه لوبيات الفساد التي تضررت من حرب الحكومة عليها، فلجأت الى تأليب الشارع لإحداث الفوضى والبلبلة.
أحداث تورطت فيها أيضا من وجهة نظره أطراف سياسية اعتبرها غير مسؤولة تصوت لقانون المالية وتحتج ضده على غرار الجبهة الشعبية، خيار يقول انه لن يؤدي الى حل ولا الى تخفيض الاسعار بل سيفاقم من المشاكل الاقتصادية.
اقرار الوزير بان الزيادة سبب الاحتجاج يقترن بتشديده على ان قانون المالية لم ينص على هذه النسب من الزيادة بل ان التجار والصناعيين هم الذين استغلوا الامر لزيادة هامش الارباح وهو ما ستتصدى له الحكومة وشرعت فيه. اذ يعلن ان هناك حملات مراقبة للاسعار وسيعاقب كل من يتجاوز و يراهن على ان هذه الحملات ستساهم في تعديل الاسعار كما ان منطق السوق سيفرض تعديلا ذاتيا.
ما يقوله الشاهد ووزيره وتقاطعهما في نقاط عدة يعكس السياسة الاتصالية وعناصر الخطاب الرسمي الذي سيقع اتباعه من قبلها، احتجاجات الليل عمليات تخريب اجرامية سيقع ملاحقة المتسببين فيها ومعاقبتهم، الشارع عليه التمييز بين الاحتجاج والتخريب، التحركات الاخيرة سببها الحرب على الفساد فالمتضررون من الحرب اختاروا التصعيد لاسقاط الحكومة واحداث الفوضى، الجبهة الشعبية ترغب في تحقيق مكاسب سياسية على حساب الوطن.
عناصر تعكس ان الحكومة لم تستوعب رسميا بعد ان الاحتجاجات تتجاوز هذا التقييم والفهم. وان التونسيين المهمشين باتوا يرون انفسهم كـ «جسم» ومختلف عن البقية ولهم مطالب مختلفة لم يقع استيعابها خلال السنوات الفارطة مما فاقم من احساسهم بالتهميش وعدم الانتماء، جزء من هذا الواقع عبر عنه بن غربية لدى اقراره بان هناك جزءا من التونسيين لا يشعرون بانهم ينتمون لتونس بسبب غياب الامل.
لكن الاقرار وحده لا يكفي، فان تدرك العلة لا يعنى أنك تعالجها، ولا المريض قد يشفى بالنوايا الطيبة والوعود.