قائلا : «لم نختر تاريخنا ولكنّنا ورثناه ولا يجب أن يكون عائقا أمامنا للمضي في علاقاتنا مع الجزائر قدما». جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي عقده مع الرئيس الجزائري تبون .
كثيرا ما يُنظر الى التاريخ الاستعماري الفرنسي في الجزائر كجبل جليد صعب كسره او تجاوز أوجاعه وجروحه خاصة ان تصريحات الرئيس ماكرون قبل قرابة عام حول الفترة الاستعمارية للجزائر والوضع الداخلي فيها ، أثارت غضب الجزائريين واضطرت خلالها الجزائر الى استدعاء سفيرها في باريس «من أجل التشاور» لأنها اعتبرت التصريحات مساسا بذاكرة مليون و630 ألف شهيد ضحوا بأنفسهم عبر مقاومة شجاعة ضد الاستعمار الفرنسي.
اليوم تأتي زيارة ماكرون في ظرف إقليمي وعالمي شديد التعقيد يعاني فيه العالم من انعكاسات الحرب الروسية على أوكرانيا أهمها أزمتا الطاقة والغذاء. في خضم ذلك وقع تداول أخبار تقول ان ماكرون يتوجه الجزائر مدفوعا بمصالح بلاده الحيوية نحو الطاقة في إطار البحث عن بدائل عن الغاز الروسي . الا ان ماكرون نفى هذه الأنباء وقلل من أهميتها خلال المؤتمر الصحفي وأضاف أن فرنسا لديها أكثر من 80 بالمائة من الاحتياطيات التي تلبي «احتياجاتها» وأكثر.
إشترك في النسخة الرقمية للمغرب
وقال ماكرون أن العلاقة بين فرنسا والجزائر هي «قصة حب لها نصيبها من المأساة»، وتابع» أنا أريد الحقيقة والاعتراف وإلا لن نمضي قدما أبدا»، مشيرا إلى أن الأمر أسهل بالنسبة إلى الجيل الجديد الذي ينتمي هو إليه والذي ليس «من أبناء حرب الجزائر». ويبدو ان إعادة تعبيد الطريق نحو- الجزائر المستعمرة السابقة لفرنسا- بالنسبة لماكرون تقوم على رؤيا براغماتية تهدف الى تحقيق المصالح المتبادلة .
وهنا لا يمكن تجاهل أهمية الاعتراف بالذاكرة الاستعمارية والاعتذار الذي يتوق اليه الجزائريون لطيّ صفحة الاستعمار بكل آلامه وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين فرنسا والجزائر في اطار حركية التاريخ والعلاقات الدولية والمتغيرات التي تحكمها. وهذا ما دفع الجانبين الى الإعلان عن تشكيل لجنة المؤرخين الفرنسية الجزائرية حول فترة الاستعمار وحرب الجزائر. وقال ماكرون «يجب أن نختلف لكي نتصالح»، مشيرا إلى أهمية عمل الذاكرة لتمكين البلدين من المضي قدمًا.
كما أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عزم بلاده على تكثيف الجهود مع فرنسا للارتقاء بالعلاقات الثنائية في جميع المجالات، مشيرا إلى أن المحادثات التي جمعته بالرئيس الفرنسي تركزت على تفعيل آليات التعاون المشترك، وتعزيز التبادل التجاري، وتكثيف التشاور حول المسائل الدولية.
الأكيد ان زيارة ماكرون ستعطي دفعة نوعية للعلاقات بين باريس والجزائر وستعيد التوازن المفقود بعد الجفاء الأخير . وهذا ما أكده تبون معلنا ان الهدف هو إرساء علاقات استراتيجية ترتقي إلى مستوى إمكانيات البلدين وفق خطوات مدروسة وبرنامج زمني محدد لتفعيل آليات التعاون في آفاق الاستحقاقات الثنائية المقبلة.
ويرى البعض ان ماكرون يتوجه للجزائر وعينه على ما يحدث من مالي ومنطقة الساحل من توترات تستدعي خارطة طريق فرنسية جديدة مع افريقيا تمرّ عبر الجزائر وطي صفحة الخلاف معها ، وذلك من أجل انطلاقة جديدة لحماية المصالح الفرنسية التقليدية في القارة السمراء .