والثاني وهو الأهم دوره في تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد من خلال إرتفاع أسهم الحل السياسي، وزيادة تراشق الأفكار والمبادرات والتسريبات بهذا الشأن، فالمتتبع لتطورات الأحداث الحالية التي تتفاعل على الساحة السورية يدرك جيداً بتصاعد وتيرة الجهود التي تبذلها قوى إقليمية ودولية عديدة للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة، وهو ما يبدو جلياً بعد خطوات سعودية إماراتية تفتح باب التعامل مع دمشق مجدداً، خاصة بعد حديث فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي عن إن بلاده تدعم أي حل سياسي للأزمة السورية، ومن هذا المنطلق يرى الكثيرون أن الأزمة السورية، رغم التعقيدات الحاصلة في المشهد السياسي، ذاهبة باتجاه الحل السياسي.
في مفاجأة أخرى هناك جهود روسية-خليجية تحاول حشد التأييد لمقترح عودة دمشق إلى الجامعة العربية وضرورة تعزيز مسار الحل السياسي في سوريا، وهو ما برز مؤخراً عبر انتقاد وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان لقانون “قيصر” الأمريكي الذي يفرض عقوبات اقتصادية مرهقة على سورية. وفي إطار ذلك هناك مجموعة أسئلة تفرض نفسها اليوم على المراقب والمحلل السياسي، لعل أهمها: أنه حان الوقت لتتبنى السعودية عودة سوريا الى الجامعة العربية حتى لو أدى ذلك الى غضب الإدارة الأمريكية وحلفائها؟ وأن الوقت قد حان لترسي السعودية أسساً جديدة للخارطة الدولية في المنطقة ؟ خاصة لما تمثله سوريا من ثقل في محيطها العربي والإسلامي وبوابة الوجود العربي والقومي في المنطقة، فضلاً عن مواقفها المميزة تجاه القضايا القومية في معركتها ضد مؤامرة الشرق الأوسط الكبير.
وثمة على الأقل عاملان أساسيان يفرضان على السعودية تغيير موقفها من الأزمة السورية، ولو بشكل تدريجي وبطيء، الأول إقتناعها بأن خيار التخلّص من النظام السوري بالوسائل العسكرية قد سقط نهائياً ولم يعد واقعياً، والثاني إدراكها المتزايد أن جهود القضاء على الإرهاب الذي أصبح أولوية دولية ضاغطة، لن يُكتب له النجاح إلّا بالتعاون مع سورية المؤهلة عسكرياً لهذه المهمة، لكن تغيير هذا الموقف لا يعني التسليم بالهزيمة السياسية في حرب مصيرية ستتحدّد بنتيجتها الملامح النهائية للنظام العالمي، ولكنه يعني العودة الى خيار الحل السياسي للأزمة السورية من منطلق جدّي وواقعي، يأخذ في الحسبان حقائق الوضع السياسي والميداني في سورية، والتي تؤكد قوة الموقف السوري، والتطور الدراماتيكي للحدث الإرهابي في المنطقة.
في السياق ذاته فإن استقرار هذه المنطقة رهين العلاقات الايجابية بين كل من دمشق والدول العربية، وان التنمية المستديمة في الدول العربية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال علاقات إيجابية وثابتة ومستقرة مع سورية، وعلى البلدان العربية التي تعيش حالة من التردد في التعاطي مع دمشق إلا أن تعترف بقوتها سياسياً واقليمياً، وكما لجأت بعض الدول الى لغة الحوار مع دمشق فمن المناسب ان يلجأ محور أعداء دمشق الى المنهج نفسه لا المواجهة أو الصراع معها من أجل تحقيق أمن المنطقة.
وإني على يقين إن إعادة مثلث «سوريا ومصر والسعودية» وهو مثلث يمثل في الظروف الحالية حاجة استراتيجية للأطراف الثلاثة، فهي أطراف تتكامل فيما بينها، على الأقل إقتصادياً، والتنسيق بينها داخل مثلث إقليمي سيعيد إلى المنطقة شيئاً من التوازن بعد سقوط العراق إلى جانب أنه سيشكل حاجزاً للدور الغربي المدمر سياسياً للعالم العربي، ومنطلقاً للتأسيس لحالة من الاستقرار في خضم المرحلة المضطربة حالياً.
إجمالاً… بالرغم مما حدث لسوريا مازال بإمكان شعبها إنقاذها من خلال الإدراك بأنه لا أحد يهتم بسورية إذا لم يهتم بها أبناؤها وان فخ الفوضى المسلحة والفتنة الطائفية إنما الهدف منه تدمير وإضعاف الجميع وإحراق سورية بمن فيها، وبالتالي لا يجب بأي حال من الأحوال إتاحة الفرصة للخارج لرمي عود الكبريت الذي يشعل الحريق في البلد من خلال إثارة الفتنة بين أبنائه، ومن هذا المنطلق ينبغي لكل من يهمه آمر الوطن أن يدرك بأن سورية للسوريين بجميع فئاتهم وانتماءاتهم ومذاهبهم.
بقي أن نترقب إعلان الانتصار الكامل للشعب السوري في مراحل لم تعد ببعيدة، وبعد هذه السنوات تستحقّ دمشق تحية احترام وهي تخوض المعركة نيابة عن كلّ الأمة العربية والتي ستنعكس آثارها بطبيعة الحال على منطقة الشرق الأوسط وربما على الحالة الدولية. وبالتالي فإن كل هذه المعطيات تشير الى إن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت كثيرة، خصوصاً إن سيناريو التفاهم الروسي-الخليجي قد يعود إلى السطح مجدداً، مما يعني نتائج جديدة قد تكون إيجابية لبعض دول الاقليم في المنطقة وعلى الأخص سوريا.