ففي العاصمة بيروت ، أضرم متظاهرون النار في إطارات السيارات أمام جدار يفصل ساحة رياض الصلح في وسط العاصمة عن مقرّ البرلمان، وذلك حسب ما ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام. في حين كان للعاصمة الثانية طرابلس النصيب الأكبر من الحراك، فقد شهدت اشتباكات عنيفة لليلة الثالثة على التوالي بين قوات الأمن والمحتجين الذين خرجوا احتجاجا على قرار الإغلاق العام وحظر التجول المفروض لاحتواء فيروس كورونا . وكانت الحصيلة مرتفعة من حيث عدد الجرحى ووصلت الى أكثر من 226 جريح فيما توفي أحد المتظاهرين .
وقالت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية إنّ المواجهات أسفرت عن سقوط 226 جريحاً، 66 منهم نقلوا إلى المستشفيات بسبب خطورة إصاباتهم والبقية أسعفتهم ميدانياً طواقم طبية تابعة للصليب الأحمر اللبناني و»جهاز الطوارئ والإغاثة».
فيما قالت قوى الأمن الداخلي إنّ عددا من عناصرها تعرّضوا لهجوم «بقنابل يدوية حربية وليست صوتية أو مولوتوف، مما أدّى إلى إصابة 9 عناصر، بينهم 3 ضباط، أحدهم إصابته حرجة».
وتعيد مشاهد الشباب الغاضب في «ساحة النور» وسط مدينة طرابلس مشاهد الاحتجاجات التي شهدها لبنان في صائفة وخريف 2019 والتي طالبت آنذاك برحيل رئيس الحكومة سعد الحريري ورحيل كل زعماء الطوائف الذين يمثلون النظام الطائفي اللبناني بكل مساوئه. وفي هذه المرة ينتفض الشارع الطرابلسي فيما يسعى الحريري الى تشكيل حكومة ترضى عليها جميع القوى والأطراف الداخلية وكذلك الخارجية المؤثرة في الملف اللبناني . لكن في خضم تعرقل تشكيل الحكومة ومخاضها الصعب ، يدفع البلاد ثمنا باهظا وفاتورة عالية من تراجع المؤشرات الاقتصادية وتدني نسب النمو وارتفاع البطالة والتي زادتها جائحة كورونا صعوبة . فارتفاع غلاء الاسعار وفقدان العديد من السلع الأساسية في الأسواق اللبنانية، كل ذلك جعل اللبنانيين رهينة بين تحمل الحجر الصحي لاحتواء الوباء او الانتفاض على كل هذه القرارات خاصة وان شرائح واسعة تعتمد في تأمين قوتها على العمل اليومي .
فهناك تربة خصبة تسهل نمو هذا الغضب الشعبي ولا أحد يعلم متى ينفجر البركان ويبثّ حممه على كل الطبقة السياسية في هذا البلد . ولكن اللافت كان استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين والذي قوبل بتنديد واسع داخلي وخارجي. وهذا ما دفع منظمة «العفو الدولية» الى التنديد باستخدام لبنان أسلحة فرنسية لقمع تظاهرات سلمية ، وحثّت المنظمة باريس على تعليق تصدير أسلحة إلى بيروت ما لم تتعهّد باستخدامها بما يتماشى مع القانون الدولي، مؤكّدة أنّ أجهزة الأمن اللبنانية استخدمت أسلحة فرنسية الصنع لقمع متظاهرين سلميين خلال المظاهرات التي حصلت خلال العامين الماضيين.
ودخل لبنان منذ نحو اسبوعين في إغلاق عام مشدد مع حظر التجول على مدار الساعة ويعدّ من بين الأكثر صرامة في العالم، خاصة ان بلد الأرز سجّل منذ مطلع العام معدّلات إصابة ووفيات قياسية، بلغت معها غالبية مستشفيات البلاد طاقتها الاستيعابية القصوى. وارتفع عدد الإصابات منذ بدء تفشي الفيروس إلى أكثر من 289 ألفاً و660، بينها 2553 وفاة، في بلد يبلغ عدد سكّانه ستة ملايين نسمة.
لكن هذا الاغلاق الذي يتواصل حتى يوم 8 فيفري القادم بعد ارتفاع عدد الإصابات والوفيات اليومية ، جاء في الوقت الصعب الذي تعيش فيه البلاد انهيارا اقتصاديا غير مسبوق . هذا الوضع الصعب يبدو أنه يفرض على المواطنين وشرائح لبنانية واسعة الاختيار بين الموت بسبب الكورونا او رفض الموت جوعا والانتفاض من أجل حياة كريمة وحرة.